مرتيل زمان، كان المصطاف الوحيد، الذي يقصده التطوانيون، فيجدون فيه الشاطئ النظيف، والفضاء الرحب الجميل. دُورُه كانت دُوراً أرضية، أو دُوراً لا تتعدى الطابقين: الطابق الأرضي، وغالباً ما يشتمل على حديقة، والطابق العلوي، ويُفضي بك إلى السطح، ليشكل النافذة الواسعة التي تطل على البحر، وتأتيك بنسيم البحر، وتشعرك بأنك قريب من البحر.
وهذا يعني أن كل دار على بساطتها، كانت تتوفر على متنزه أرضي، وهو الحديقة، ومتنزه علوي، وهو السطح.
لم نكن آنذاك نتسابق إلى الشاطئ، أو نتدافع بالمناكب، أو نتزاحم بالأسواق، أو نطارد سيارات الأجرة، وإنما كنا نتعايش كما نتعايش في دروب تطوان. سكان “لاميدا” معروفون بأسمائهم وأرقام منازلهم. وسكان “السوق” نستطيع أن نحصيهم بأسمائهم وأرقام منازلهم.
أرباب الأسر، كانوا يقضون مساءاتهم بمقاهٍ معينة تشرف على الشاطئ، فيها يتناولون كؤوس الشاي المنعنع، وفيها يلعبون “الكارطة”، وفيها يتبادلون الأحاديث.
وربات الأسر، كن يخرجن إلى الشاطئ مساءً، ليشاهدن الشمس وهي تغرب، أو القمر وهو يظهر للعيان.
الحياة كانت تسير سيراً رخاء، تسير في سلاسة، تسير دون أن يُسمع لها شهيق ولا زفير، الكل راض بما قسم الله له، قانع بنصيبه من الدنيا. وتحضرني هنا الآية الكريمة التي تصف أهل الجنة بهذه الأوصاف: “وجوه يومئذ ناعمة، لسعيها راضية، في جنة عالية، لا تُسمع فيها لاغية”. هكذا كان الناس آنذاك، الرضا هو القاسم المشترك بينهم.
الآن اختفى هذا القاسم، باختفاء الآباء والأجداد، رضوان الله عليهم، وأصبحنا نلهث، نلهث وراء وسائل المواصلات، نلهث للحصول على أكبر قدر ممكن من وسائل الراحة، نلهث لامتلاك أكبر حصة من الغنائم، نلهث، لأن جميع الذين من حولنا يلهثون.
حتى مرتيل، لم يعد مطلبنا، لأنه فقد ملامحه، فقد بساطته، فقد عذريته، وغدا متاعاً يباع ويشترى، شاطئه تطاول عليه المتطاولون، فشَرَوهُ بثمن بخس دراهم معدودة، وزرعوا فيه مظلاتهم، واحتلوه بالقوة، قوة المال، وقوة العضلات. وممرات الراجلين بشارع ميرامار وشوارع أخرى، أصبحت من ممتلكات المطاعم والمقاهي والمتاجر المطلة عليها. ومواقف السيارات، يزداد حراسها عتوا وضلالا.
والسبب، أعضاء المجلس البلدي المحترمون، فهؤلاء قرروا أن يبيعوا المِلك العام، أيا كان، وفي أي مكان، بحجة توفير مداخيل لخزانة البلدية، حتى ولو كانت على حساب كرامة المواطنين.
ما يستدعي نظرنا بمدخل مرتيل، منظر السماسرة وهو يلوحون بالمفاتيح، مفاتيح دُور الكراء، فنتساءل إن كان هذا المصطاف لا يتوفر على وكالات تضطلع بهذا الدور، أم أن الأمور لا تسير حسب الضوابط المتعارف عليها في الكراء.
إنني ألتمس من ممثلي المجلس البلدي الموقر، أن يعاملوا المصطافين معاملة خاصة، معاملة فيها قدر من الاحترام. فالسائح إذا تعرض للابتزاز، فإنه سيقصد وجهة أخرى، توفر له أسباب الراحة، بأثمان معقولة ومناسبة.
مصطفى حجاج