قال أبو تمام : لولا خلالٌ سنَّها الشعر ما درى ~ بُغاةُ الندى من أين تؤتى المكارم
و قد اجتمعت في دار الشعر خلالٌ ، لأقلام تلج بحار الشعر ، و قد تجلَّلَتْهُ هالة العشق بمحاسن الشعراء ، لتتزحلق الفرشاة بين حبر حريري و بقلوب فياضة ، لتنتج مجالس الأدباء بلغة البيان الذين يصطدون دررها من قيعان البحار لتطرب لها الآذان قبل العيون الجارحة . لقد بلغت دار الشعر أعلى درجات الإبداع لتعانق أناقة الموسيقى و فنَّ التشكيل . فتاة من البراعم ، ضئيلة الجسم ، ابنة الثمانية ربيعاً تصعد منصة دار الشعر لتشنف أسماع الحضور ، الذي لم يتوقف عن التصفيق لها ، لتبعث فينا روحا جديدة . إنَّ نهضة الأمة لن يكون إلا بتعليم النشء ، إذ به النبتة في بناء حضارة فكرية للطفل الذي هو الغد الذي يُعَوَّلُ عليه في تشييد صرح هذه الأمة . فتشتُ عن نفسي ، فوجدتُ هنا نفسي ، و أنشد سعادتي في سقيا الروح و راحة الضمير ، عند مجلس طائفة من صفوة الشعراء في دار الشعر بتطوان ، أستمع إلى إبداعاتهم وهي تتوج التلاميذ المتفوقين والأطفال الشعراء . هذه شجرة ذات ظلال و ثمار من غرس الأستاذ الأديب الشاعر مخلص الصغيَر مدير دار الشعر بتطوان …
احتفت دار الشعر في تطوان بالتلاميذ المتفوقين في امتحانات الباكالوريا، في إقليم تطوان، وبالأطفال الشعراء المشاركين في مسابقة “في بيتنا شاعر”، في حفل اختتام الموسم الشعري والثقافي، الذي أقامته الدار خلال هذا الأسبوع، في فضاء المركز السوسيو ثقافي بالمدينة. وشارك في هذه التظاهرة الشاعر عمر الراجي، الذي استهل مشاركته المؤثرة وهو يردد: ما بين شَعْرِكِ والمنفى.. حدودُ يدي/ هذا هو الحُب: أشواقٌ إلى الأبدِ. في هوْدَج الريح تبدو الشمس متعَبةً/ تخفّفي يا سماءَ الريح من جسدي. ولْتَمْنَحيني بلاداً لا إمامَ بها/ ولا قبائلَ، لا شيءٌ من الْفَنَدِ. لقد خسِرنا كثيراً مِن براءتِنا/ وقد خسرتُ صِبا قلبي ووَجْهَ غدي. صحراءُ ذاكرتي عمياءُ.. يا امرأةً/ منها رأيتُ خيالاتي ومُفْتَقَدي. الجزرُ يسبحُ.. والأمواجُ أرهقها/ أفُولُنا.. في مساءِ الأنُجُمِ الجُدُدِ. كُوني إذن زُرقَةً في البحر واشْتَعلي/ قبل الغُروب.. مسافاتٍ مِن الزّبَدِ. هناكَ أحضنُ فيكِ البحر سيّدتي/ منفى عِناقِكِ أحلى مِنْ هوى بَلدي!!
وألقت الشاعرة نجاة المالكي شذرات من تجربتها الشعرية الجديدة، ومنها: “أطل من دمي غزال/ كان يحرس غابة من شوق/ سألته عن ركض المحبين/ في صحراء السر والمعنى. قال: كل صعود وصل وفراق. وما جنوا إلا رعشة الطين/ في واحات الفصول/ وينابيع الحيرة”. ومنها أيضا: “في كف جندي/ نبتت زهره. قالوا البلاد/ تحمل ثورة”.
ومن قصيدته “غريبا كأي غريب”، ننصت للشاعر عمر بن لحسن، وهو يختتم هذه الأمسية: “الشوق إلى البحر دروب كثيرة/ تترجمها الندوب/ وأفول الأقمار مرايا/ للذين لم يروا وجههم!/ شوقُ الغريبِ بلادُهُ كلما شردته المدن/ والذي أحب المنافي لم يَخُنْ”.
وأحيى الفنان التهامي الحراق الحفل الشعري، حين أدى مواويل وقصائد من ديوان جده الشاعر الشهير المغربي محمد الحراق، صاحب التائية الشهيرة: “أتطلب ليلى وهي فيك تجلت/ وتحسبها غيرا وغيرك ليست”. ومن شعره أيضا: “لا تُخْفِ ما صَنَعَتْ بِكَ الأَشْواقُ/ وَاشْرَحْ هَواكَ فَكُلُّنَا عُشَّاقُ. فَعَسى يُعينُكَ مَنْ شَكَوْتَ لَهُ الهَوى/ في حَمْلِهِ فالعَاشِقُون رِفَاقُ. لا تَجْزَعَنَّ فَلَسْتَ أَوّلَ مُغْرَمٍ/ فَتَكَتْ بِهِ الوَجْنَاتُ وَالأَحْدَاقُ. وَاصْبِرْ عَلى هَجْرِ الحَبِيبِ فَرُبَّما/ عَادَ الوِصَالُ ولِلْهَوى أَخْلاقُ”. ثم قصيدته الأخرى: “أَماطَت عَن مَحاسِنِها الخِمارا/ فَغادَرَتِ العُقولَ بِها حيارى. وَبَثَّت في صَميمِ القَلبِ شَوقاً/ تَوَقَّدَ مِنهُ كُلُّ الجِسمِ نارا. وَأَلقَت فيهِ سِرّاً ثُمَّ قالَت/ أَرى الإِفشاءَ مِنك اليَومَ عارا. وَهَل يَسطيعُ كَتمَ السِّرِ صَبٌّ/ إِذا ذُكِرَ الحَبيبُ إليهِ طَارا. بِهِ لَعب الهَوى شَيئاً فَشَيئا/ فَلَم يَشعُر وَقَد خَلَعَ العذارا…
وتأتي هذه الأمسية تتويجا لموسم شعري زاخر في ضيافة دار الشعر بتطوان، بمشاركة شعراء من مختلف الأجيال والأشكال الشعرية، فضلا عن شعراء يمثلون أزيد من عشرين دولة، قادمين من مختلف القارات الشعرية للمشاركة إلى جانب الشعراء المغاربة في فعاليات دار الشعر بتطوان. بينما تأتي الورشات والمحترفات الموجهة إلى الأطفال والشباب من أجل استئمان الأجيال المقبلة على رسالة الشعر.
عبد المجيد الإدريسي