… و على أنني قد تعوَّدْتُ من طول ما “غامرتُ” في البحث عن عالم “سارس-كوف-2” ، فإنَّ المنظمة العالمية للصحة ، و تحالف اللقاحات ، ينتقدان أسلوب “الوطنية” لاقتناء اللقاحات من طرف الدول الغنية من أجل وقف الاتفاقات الثنائية مع المختبرات الصيدلانية . هذه الاتفاقات التي يتمُّ إجراؤها على حساب الدول الفقيرة ، و إنْ كانت هذه الاستراتيجية مألوفة عند هذه الدول ، فمن شأنها المخاطرة في زيادة رفع الأسعار.
– اثنان و أربعون دولة حالياً يديرون لقاحات آمنة و فعالة ضد “كوفيذ-19” ، ليذكر ذلك المدير العام لمنظمة الصحة العالمية . من بينهم ستٌ و ثلاثون ذات الدخل المرتفع ، و الستة الآخرون ذات الدخل المتوسط ، فلذلك هناك بوضوح دول بدخل منخفض ، و هذه الأخيرة بمعية ذات الدخل المتوسط لم تتلقيا بعدُ اللقاح ! . هذا النمط من “الوطنية” للتطعيم يضرنا الجميع ، و يؤدي إلى نتائج عكسية. فالاتحاد الأروبي يعلن عن اتفاق لشراء ثلاثة ملايين جرْعة للمزيد من اللقاحات “فايزر-بيوتيش” ، وينتقل إلى سرعة عالية للاستحواذ على المصل لمحاولة وقف “سارس-كوفيذ-2” . الاتحاد عقد صفقة لاقتناء ثلاثة مائة مليون جرعات من لقاح “فايزر-بيوتيش” ، وهو ما يرقى إلى ضعف الكمية المطلوبة بالفعل . و قد تمَّ الإعلان من قبل “أورسولا فوندير ليين” رئيسة اللجنة الأروبية ، للقاح آخر مسموح به في الاتحاد الأوربي ، ألا وهو لقاح “موديرنا” ، ثم هناك لقاحات أخريات في اتباعهم ، لتؤكد ذلك ، “أورسولا” . بهذا التفويض من هذين اللقاحين قد حصل الاتحاد الأوربي بالفعل من تأمين عدد الجرعات اللآزمة لتطعيم ثلاثة مائة و ثمانين مليون أوربي ، وقد يمثل ذلك ثمانين في المائة من السكان . لتضيف “أورسولا” أنَّ اللقاحات في طريقها إلى الاتحاد في الأسابيع و الشهور المقبلة . على إثر ذلك كله أقدمتْ المملكة المتحدة بإتمامها الموافقة بالفعل على لقاح “أسترازينيكا” ، و الذي سوف يساعد ربما على تقليل هذه الفجوة ، لأنَّ صانعيها التزموا بتقديم 64% من الجرعات لسكان دول العالم الثالث ، أوْ البلدان النامية . المنظمة تعتبر أيضاً أنه لا جدوى من تطعيم جميع السكان ، إذ تشير إلى استهداف الجماهير الضعيفة (في المناعة) و الموظفين في الصفوف الأولى لمقاومة الجائحة . مع العلم أنَّ انتشار سلالة “كورونا-فيروس” البريطاني المتحوّل يقلق أيضا الاتحاد الأوربي . فقد أعلن مركز الشيخوخة بنواحي مدينة “رين” بفرنسا ، فيما يشتبه ، أنها بؤرة للسلالة البريطانية الجديدة ، و لم يتأكد ذلك بالفعل .المتحوّلات لا تغيّر طريقة دفاعها ضد الفيروس ، وقد جاء ذلك على لسان “د.دافيد نبارّو” ، خبير في منظمة الصحة العالمية ، و قائلا أيضا ، إنه ينبغي دائما الأخذ بتطبيق الاحتياطات الأساسية لمنع تفشي الوباء . و أنَّ التدابير الوقائية ، و خصوصاً اللقاحات الموجودة حالياً ، من المرجح أنْ تكون فعالة ضدّ سلالة المتغيّرات أو المتحوّلات الذين تمَّ فحصهم . ثم من جهة أخرى فالوكالة الأروبية الدولية للأدوية تُعلنُ عن اتخاذ قرار محتمل للقاح “أسترازينيكا” ، من هنا إلى نهاية شهر يناير . و أخيراً الوكالة الأوربية للأدوية توصي من الآن فصاعداً باستعمال جرْعة إضافية لكل قارورة لقاح “فايزر-بيوتيش” ، بزيادة واحدة ، أيْ من خمسة إلى ستة جرُعات ، مما يرفع من قدُرات التطعيمات ب 20% .
– و من خلال تحديد أنواع الفيروسات الأكثر خطراً على الإنسان يمكن للعلماء اتخاذ الإجراءات التي تمنع انتشارها ، إذ تمثل المطاردة (الفيروسات) للفئة الخطيرة منها عمل شاق و حقيقي على صيغة مملكة النمل . هل للإنسان أنْ يُكرّس ملايين $ و عشرات السنين وهو يزحف عبر الكهوف و الأدغال و الغابات بحثاً عن الحيوانات المحتملة أنْ تأوي فئة هذه الفيروسات ؟ البعض يُجادلون في استحالة المنع للفيروس الغير المتوقع المُنعزل أنْ يصيب الإنسان . و يجب علينا بالأحرى ، التركيز على استئصال و القضاء على الالتهابات عند حدوثها . إذ اختلف و انقسم العلماء فيما بينهم (وفي خلافهم رحمة) ، فيجب إيجاد حل لهذه الإشكالية بسرعة . بينما العالم يواصل صراعاً مريراً ضدّ “كوفيذ-19″ ، فيأتي العدّ التنازلي مُعلناً عن سلالة جديدة ل”سارس-كوف-2” ، وهي تعمل فعلاً في بعض الدول .- إذا ظهرتْ أوبئة فيروسية جديدة من أصول حيوانية ، و كان أمراً لا مفرَّ منه ، و رغم ذلك ، فإنَّ المخاطر تبقى منخفضة للغاية في الوفيات . علماء علم الأحياء عليهم أنْ يُكرّسوا أنفسهم لوضع الفيروس السيئ في المكان السيئ و في الوقت السيئ .
– يجب بداية معرفة الحيوان الناقل للفيروس أنْ يكون خطرا على البشر ، و هذا ما لا ينطبق على معظم الأوبئة الفيروسية .
-(الفيروسات) يفتقرون على أحد أوْ اثنان من مُدوّنات الميكانيك الخلوية الضرورية ، لتكون قادرة لإحاطة بسياج على الخلايا البشرية ، لكي تُفرخ ذات مرَّة في الداخل ، لتنتشر إلى خلايا أخرى و على أشخاص آخرين . كلُّ ذلك دون استئصالهم من طرف جهاز المناعة . يجب على الحيوان الناقل لمرَّة أخرى أنْ يتلامس مع شخص ضعيف المناعة ، لإيداع ما يمكن من المواد المُعديَة على مقرُبة من هذا الشخص لتمثل خطراً . ثمَّ ينبغي أيضاً للشخص المُصاب بالفيروس ، أنْ يقترب بدرجة كافية من أشخاص آخرين ، و هكذا بتسلسل يُعدونهم ..
– الأوبئة الأكثر صعوبة للاحتواء . لحسن الحظ كل هذه العقبات يصعب عبورها للفيروس من بين الملايين المختلفة الأنواع من الفيروسات ، التي يُفترضُ وجودها ، وهي أقل من ثلاثة مائة لمسببات الأمراض المعروفة عند الإنسان . من جهة أخرى بعض الحواجز الطبيعية التي تحمي الإنسان من الفيروس تنهار و الأخرى تتشتت و تنقسم إلى قطع . و قد يصعبُ احتواء الأوبئة على النطاق المحلي بسبب الرحلات الجوية الدولية ، لأنَّ الفيروس يمكنه اليوم أن يجول حول العالم في نهار واحد . مما يترك القليل من الوقت للأطباء و العلماء ردَّ الفعل . من هنا تأتي الدعوات لتقوية الحراسة و المراقبة التي من شأنها أنْ تدقَّ المُنبّه بسرْعة أكبر ، أوْ بوقت مُبكر . بل من الضروري للغاية تحديد الفيروسات التي تنتشر بين الحيوان ، وقد جاء ذلك باقتراح من “دة.ترتستي كولدستان” المتخصصة في مراقبة الفيروسات ب “دايفس” بجامعة “كاليفورنيا” .
– و إذا تمكن العلماء من كشف ناقل فيروس الجائحة قبل أنْ ينتشر ؟ فمراقبة الحيوانات لتحديد المرشحين المحتملين من الفيروسات ، يُمَكّنُ العلماء من تحديد اللحظة الحاسمة لانتقال الفيروس من الحيوان إلى الإنسان . لكن الفكرة بعيدة كل البعد بإجماع العلماء !؟ ثمَّ إنَّ صحة الإنسان و الحيوانات البرّية ، و النظم البيئية مُرْتبطة ارتباطاً وثيقاً ، إذ ، قياساً بنموّ سكان العالم أصبح الاتصال بالحيوانات البرية و الأليفة و معهم المخاطر تتكاثر ..
عبد المجيد الإدريسي.