ولّت سنة 2021، 365 يوما مرت على المغرب بأحداث ستظل كمحطات راسخة على رمال زمن هذه السنة، اثنا عشر شهرا من الأحداث انقسمت بين الحزينة والمفرحة، أحداث نخرت في المجتمع والأهم أنها مرت تحت كنف الفيروس التاجي ومتحوراته التي تأبى الاندثار.
بدايات هذه الأحداث، كانت بانطلاق حملة التلقيح وغرق معمل النسيج بطنجة، مرورا بتفكيك الخلايا الإرهابية وحرائق غابات مدن الشمال، وصولا للنزوح الجماعي لجيب سبتة المحتلة، دون الإغفال عن المرض العضال الذي أصاب العالم ويأبى المغادرة فيروس كورونا ومتحوراته اللعينة.
بعض من سيناريوهات هذه الأحداث لا يكاد يمر عليها الوقت حتى تعاود كرتها. المكان: الفنيدق، الزمن: 17 ماي 2021، يوم ليس كباقي الأيام، يوم عاصف من أيام الفنيدق الباردة، ارتمى الآلاف من الشباب المغاربة والقاصرين، فضلا عن منحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء تباعا وعلى فترات، قطعوا المسافة الفاصلة بين سواحل الفنيدق وسبتة الخاضعة لإسبانيا سباحة، وسط تصفيقات وهتافات شباب آخرين، فالمشهد لم يكن من مسابقة في السباحة بل كان نوعا جديدا من أنواع الهجرة في المغرب.
المدينة الخاضعة للإدارة الإسبانية استيقظت صباح ذلك اليوم على وقع كر وفر مئات النازحين رجالا ونساء، صغارا وكبارا قادمين من كافة مدن المملكة، اجتازوا بقوة السياج الحدودي الفاصل بين مدينتي سبتة والفنيدق، مستعملين في ذلك الأنابيب المطاطية المملوءة بالهواء والزوارق الصغيرة من أجل الوصول إلى سبتة.
وزارة الداخلية الإسبانية آنذاك أشارت إلى أن عدد المهاجرين تجاوز ستة آلاف، مع تخوف من ارتفاع نسبة المهاجرين بحكم توجه الآلاف نحو سبتة. انتقالنا إلى عين المكان أبرز لنا النزوح الذي عرفته المدينة ذلك اليوم، أشخاص في ريع شبابهم قدموا من مدن جنوبية، قاطعين مسافات ومسافات لغرض دخول الجيب المحتل وتحقيق حلم بلوغ الفردوس الأوروبي.
وبدا المشهد سورياليا، إذ تجمع الشباب الحالم أمام الشاطئ وفجأة قفزوا إلى البحر وبدوأ السباحة نحو الجيب المحتل، ليقطعوا بضعة مئات من الأمتار. ورغم هيجان البحر آنذاك، غامر هؤلاء الشباب بأرواحهم للوصول الى سبتة.
“لا مزيد من السلع المُهربة”، شعار رفعته الحكومة المغربية منذ بداية 2019 في وجه ممتهني تهريب السلع والبضائع عبر معبر باب سبتة. وارتبط اقتصاد الفنيدق أيما ارتباط بالتهريب من سبتة، فمنذ إغلاق الحدود نتيجة جائحة كورونا وقرار المغرب إنهاء التهريب، تعيش الفنيدق أزمة اقتصادية خانقة. هذا الأمر دفع بهذه العائلات إما إلى التصدي للبحر في محاولات يائسة للهجرة، أو الإقدام على وضع حد لحياتهم عندما تفاقمت أوضاعهم الاجتماعية.
إزاء تفاقم الوضع؛ انتفضت ساكنة الفنيدق احتجاجا على ما آلت إليه الأمور، فكثرت حالات الانتحار وظاهرة الهجرة السرية الشيء الذي دفع بالسلطات المختصة إلى التدخل العاجل من خلال إطلاق مشاريع إنمائية.
غير أن تفعيل هذه البرامج قد يُنذر بنوع من الغليان، نتيجة التأخر في تنزيل ما تم الاتفاق عليه مع الساكنة عبر إنشاء وحدات صناعية ومشاتل اقتصادية خاصة بالنسيج أو وحدات تحويلية كفيلة بخلق فرص الشغل لفائدة العاطلين وخاصة في صفوف النساء ومحاولة امتصاص الغضب العارم الذي يضرب كل المستويات.
قبل أيام من بداية السنة الجديدة، أفادت مصادر عليمة ل”جريدة الشمال” أن محيط سبتة المحتلة، يشهد استنفارا أمنيا، تحسبا لمحاولات اقتحام من طرف مهاجرين إلى الثغر المحتل، خلال عطلة رأس السنة وذلك بعدما تم تداول عدد من الرسائل “تحرض” على الهجرة غير القانونية.
على إثره نشرت السلطات المحلية، قوات معززة بدوريات متنقلة في المنطقة الغابوية المحاذية لقرية “بليونش” المتاخمة لسبتة، في خطوة ربطتها مصادر مطلعة، بتجند السلطات المحلية لمواجهة أية محاولات لتنفيذ عمليات اقتحام من طرف المهاجرين المرابطين بالمنطقة.
اليوم هو أول أيام السنة الجديدة، عام جديد بتطلعات كبيرة خاصة من قبل سكان المناطق التي كانت تحصل على قوت يومها من التهريب المعيشي، مدن الفنيدق والنواحي تأمل أن تكون 2022 سنة نهاية الأحزان والمعاناة وبداية الانعتاق والانفتاح على أفق جديد، فهل ستنفرج الأمور وتعود المياه لما كانت عليه؟ أم أن ركودها سيشعل فتيل الهجرة والانتحار مجددا؟ كلها أسئلة ستجيبنا عنها رحى الأيام والشهور القليلة القادمة.