مع شعراء المغرب
6 ـ الشيخ محمد العياشي سكيرج: الأديب الشاعر
ـ ج ـ
كان الشيخ سكيرج ذا رابطة صداقة قوية بينه وبين أديب كبيرمن تطوان، هو العلامة الأديب سيدي البشير أفيلال، أخلص كل منهما الود لصاحبه، فارتفعت الكلفة بينهما، وغدا أفراد الأسرتين السكيرجية والفيلالية في وئام وصفاء.
وفي النماذج التالية، نعرض أدبا رفيعا من الشعر والنثر دار بين الرجلين. وسأثبت هنا ما اطلعت عليه مما كتبه سكيرج .
كتب سكيرج إلى صديقه البشير أفيلال معتذرا عن غياب رسائله إليه:
صفحا علي شقيق الروح معذرتي إليك أمرها أجلى من النظر
علمت حالي وبيت القصيد من عملي فلتقبلوا العجز في نومي وفي سمري
فما يراه بنا والحسان تعرفه وما يسام لدى الإشهاد بالضرر
وما يحاوله ذو النبوغ وقد شابت ذوائبنا والبيض في شعري
وفي معاذرنا المغنى لعاذرنا تغني اللبيب لدى الأسفار والحضر
هبها اختفت بذوات الحجب يسترها غربال وهم يشي بالهمس للفكر
أنتم عمادي بها والله يكلؤكم جهينتي أنتم وعندكم خبري
حقيق علمي ولي به شغف ألا يعاد لديكم سمع ذي نظر
وإن مجدي بكم برقي المعاني على رغم الحسود به أبقى على أثري
وفي مقطوعة أخرى معاتبا :
الحمد لله على كل حال، حمدا يفك الأوحال ويصلح به الحال، والصلاة والسلام على سيدنا محمد
عظيم الجاه الداعي إلى الله وعلى آله السراة الأنباه ما قامت الأشياء بالله.
أما بعد إذ أنشد ما شذا به بلبال العرب المرشد :
أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل
أقول: يا سيدي ماذا الجفا بعد الإخاء والوفا
أم تعد قد خفا بالله بينوا السبب
عبيدكم منه قلق والقلب كاد ينفلق
وبكم العفو خلق إن كان مني ما عطب
دأبي التعلق بكم وليس لي عن بابكم
غنى مدى جنابكم إذ شرفي في ذا النسب
ورغبتي بذا الجوا رحمتي من ذا الجوى
فإن قلبي في جوى لذا البيان قد وجب
ومما خاطب به صديقه أيضا وذلك ما سجله بقوله :
” الحمد لله لعبيد ربه من سوانح يوم الجمعة 20 ذي الحجة متم عام 1357 – 1938 خطابا للعلامة الأديب مولانا البشير أفيلال:
خليلي شقيق الروح من قدم العهد ويعسوب عين الود يا جنة الخلد
مواعدكم عهدي بوعدي وفية فما صار بالانجاز أحرمه وحدي
أقول بانجاز مخافة حبكم ولست أقول الهجر تخلف لي وعدي
أمن سعة في الحلم أو مد فجره تحملني الأخلاق وعدا على وعد
أما علمت منكم ذكاء بأنني لأمركم ذاك المطيع من البعد
أما علمت أني أدوم رهينة وأترك أعمالي ولو كان ما يجدي
وحقكم بل أوقف الشغل كله وأرقبكم باللحظ والقلب في هد
وتشخص أبصاري وأشره كلما تنفس فجرا وبدا نجمه عندي
أقول لعل الخل فيه ونوره سيبدو به أو ما يليه وانتدي
أما تعذر المضني بكم أنتم له كإنسان عين وبذا لكم يهدي
وان تكن الأعذار شتى فإنني خبير ولكن لا أرى معها عهدي
فإما إلى عذر يكون ركونها وإما إلى الانجاز يا وفي العهد
أما كتبت يمناي تطلب برهة يعينها بدري لطالع السعد
ولكن هجرانا تعود نهجه فيطرقه مهما أراد له يبدي
أبيت وحق الود بالعهد أن تفي ولو حكما قام بنا الإمام المهدي
فصبر جميل وإن أنا دمت صابرا وألا أرى أني لكم كبني سعد
انتهت هذه النماذج الشعرية للأديب سكيرج، وهي تنبئ عن قوة النفس الشعري عنده وتنبئ أيضا عن المعاني الإنسانية التي تضمنتها هذه القصائد، وخصوصا منها التي وجهها لصديقه أفيلال.
وثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام؛ وهي أن شعر الفقيه سكيرج لم يتنزل به للمدح الاستجدائي، وإنما جاء تبعا لعاطفته الإنسانية نحو الممدوح، وخاض بشعره في مجالات الشعرالوطني والاجتماعي والإخواني.
وإذا انتقلنا إلى رسائله النثرية التي خاطب بها عددا من أقرانه وأهل وده، فإننا نجد أسلوبا آخر يتميز باختيار العبارات والتزام المحسنات البديعية، تماما كنثره في كتبه ذات الموضوعات الأدبية. وأقتطف من هذه الرسائل الرسالتين الآتيتين:
ـ رسالة بتاريخ 7 ربيع الثاني 1359 –1939:
” سيدنا قوت القلوب المحبوب الموهوب، قرة العين وأثيرها بل إنسانها وبشيرها، مولانا الشريف العلامة المنيف. لازالت عناية الله تحرسكم، ورعايته به معه أنسكم آمين. وصلني ساعته كتابكم المبارك، وكان البصر شاخصا لطالعه السعيد، أعربتم فيه عن ألم الدوخة الذي أعاد كرته، وبذل إليكم مهجته، وكان حقه أن يستثقل معاودته ويعفي حبيبا، ويرحل لغيره فيكون أديبا. لا أراكم الله سقما ولا أبقى بكم ألما، وأكدتم عن شرح تفاصيل الألم الذي كان بنا ألم. كنا عرفنا الإخوة أنه ألم الملح الضار بالكلي، فكانت كمية منه توفرت تدريجا بالجسم، لإغفالنا عما كنا نتعاهده من ماء بعض الأعشاب المقاومة له. وهو عين الداء الذي كان نزل بنا بنفس الفصل تقريبا منذ عشرين سنة. وكانت وجوه من الأحبة والأحباب تقدموا للتعزية فينا وجلهم الآن دخل في خبر كان، وهذه المرة وصل الحال أيضا بالسيد إلى شدة عظيمة، رأيت فيها ببعض الليالي وهي أشد ما رأيت كأن نفسي فاضت وتفجر فؤادي، وأيقنت في تلك الآونة أو كدت أن أجزم بأني انتقلت للدار الآخرة، فقابلني على إثر ذلك من خاطبني ببيت شعر، وهو:
إن الثمانين تبلغها لا تخش من هائل نـــــــــازل”
- رسالة أخرى لنفس الصديق بتاريخ رمضان 1366هـ، 1946 م:
” سيدي حفظك الله:
أرى الآن بهذه الفجاج نعاجا تتأسد، وأسودا ببسيط الانخفاض تتوسد، بل لبست مسوك الكباش، كأنها سئمت مجاج هذا الاعوجاج، فآثرت الانكماش، وبذلك أقبلت الحالة بالانقلاب، وأذنت الهيئة بالانسلاب.
ولقد أحس أخوك منهم بقهقرى، فرد بحالتهم معه للورى وهم ورا، بل كشر بعضهم عن ناب الوقاحة وجاهر بما حرم الله من ذمة المومن فأباحه، ولكن إذا ترآى فكأخ، وإن توارى قال كاخ ممن قال المتلمس فيهم:
إن شر الناس من يكشر لـي حين ألقاه وان غبت شـتــــــــم
نعم تصدى لها الدب الأصغر مقدما من حواشي مرؤوسيه من حوضهم أقرب وأكثر وبناب أشهر. وهم أمة لا يراعون إلا ولا ذمة، يتحلون بهتك الأعراض، ويتفكهون بلحوم الأبرياء في قلة حياء ورياء، عند الانقضاض على قضاء الأغراض. والرجاء أن يكفينا المولى شرهم، ويرد عليهم ضيرهم ويجرينا على ما عودنا، والاشتمال بجلباب ستره، إنه ولي ذلك والقادر المتفضل بما هنالك:
وإذا أراد الله نصرة عبــــده أجرى له في ناره أنهـــــــارا
وإذا أراد خلاصه من هلكـة كانت له أعداؤه أنصــــــــارا
دة. نبوية العشاب