المتتبع لمؤلفات الإمام السهيلي وآثاره، يجد نفسه بإزاء عدد وافر من النصوص القرآنية التي عني فيها بهذا النوع من التفسير القائم على الاجتهاد والنظر، والذي جمع فيه بين المأثور والمعقول، فلم يقف عند حدود النقل والرواية، بل كان يُعمل نظره، ويجتهد في استنباط المعاني، ونقل الآثار، والترجيح بينها، بما يكشف عن استقلال شخصيته، ونفاذ فكره، وتنوع ثقافته، وسعة اطلاعه.فقد كان، رحمه الله، ممن فسر بالرأي معتمدا في ذلك على الأدوات التي يحتاجها المفسر، من علوم الآلة، وعلوم القرآن، والآثار، وكلام العرب، وغيرها.فبهذه الآليات، كان الإمام السهيلي ينظر فيما يتصدى له بالتفسير من آي القرآن لمقاربة معانيها.
وسأذكر منهجه في معالجة النص القرآني بالرأي والاجتهاد، مع ذكر بعض الأمثلة الموضحة، من خلال النقط التالية:
- أولا: الجانب اللغوي والنحوي في التفسير عند الإمام السهيلي.
- ثانيا: الجانب البلاغي في التفسير عند الإمام السهيلي.
- ثالثا: التفسير الإشاري عند الإمام السهيلي.
أولا: الجانب اللغوي والنحوي في التفسير عند الإمام السهيلي.
أ-عنايته بالجانب اللغوي في تفسير الآيات القرآنية:
يعتبر التفسير باللغة من طرق التفسير المهمة، لأن القرآن الكريم إنما نزل بالغة العربية، واعتمدها الصحابة والتابعون، رحمهم الله، في تفاسيرهم، وذلك باستشهادهم بأشعار العرب وأساليبها لبيان المعاني القرآنية.قال ابن فارس:” إن العلم بلغة العرب واجب على كل متعلق من العلم بالقرآن والسنة والفتيا، بسبب أن لا غناء لأحد منهم عنه، وذلك أن القرآن نازل بلغة العرب، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، عربي، فمن أراد معرفة ما في كتاب الله، عز وجل، وما في سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من كلمة غريبة، أو نظم عجيب، لم يجد من العلم باللغة بدا.”[1]
وقال مجاهد:” لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يتكلم في كتاب الله، إن لم يكن عالما بلغات العرب.”[2]
والإمام السهيلي، رحمه الله، نهج هذا المنهج في تفسيره، إذ قال:”… وفي حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكلام العرب، الذين بفهم كلامهم يفهم عن الله، عز وجل، وعن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويتوصل إلى فهم الكتاب وتأويله.”[3]
من هنا، فإن عالما بمستوى الإمام السهيلي البارع في علوم شتى، ومن أهمها علوم اللغة التي اشتهر بها، لا يمكن أن يفوته الاهتمام بها فيما عرض له بالتفسير من الآيات.قال، رحمه الله:”إن العلم بتنزيل الكلام، ووضع الألفاظ في مواضعها اللائقة بها بما يفتح لك بابا من العلم بإعجاز القرآن.”[4]
هذا وقد اعتنى، رحمه الله، بعرض قضايا وأبحاث لغوية مختلفة، شكلت في جملتها ركيزة أساسية واتجاها واضحا في التفسير عنده، ثم دلت على مدى تمكنه من اللغة العربية، وسعة اطلاعه، ورسوخ قدمه في أصولها وفروعها.ونبين هذا في النقط التالية مستعينة بالأمثلة للتأكيد والتوضيح.
أولا:عنايته ببيان معاني المفردات:
مثاله بيان معنى كلمة ” يغل” في قوله تعالى:)وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ([5] حيث قال، رحمه الله:” وذكر قوله:)وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ( وفسره أن يكتم ما أنزل الله، وأكثر المفسرين يقولون: نزلت في الغلول…وتفسير ابن إسحاق خارج عن مقتضى اللغة، فمن كتم فقد غلَّ، أي ستر، وكذلك من خان في شيء، وأخذه خفية فقد ستره وكتمه، وأصل الكلمة الستر والإخفاء، ومنه الغلالة والغلل لماء الذي يغطيه الشجر والنبات…”[6]
في هذا المثال نجد الإمام السهيلي يبين المعنى اللغوي للفظ ” يغل” ، فنقل عن ابن إسحاق أن المقصود منها :أن يكتم ما أنزل الله، وبما أنه يؤمن بالتأصيل اللغوي،فإنه يرى أن تفسير ابن إسحاق خارج عن مقتضى اللغة، وأن أصل الكلمة: الستر والإخفاء.
ثانيا:عنايته ببيان أصل الكلمة واشتقاقها اللغوي
وقد تعرض الإمام السهيلي لهذه القضية اللغوية، قاصدا بيان معاني الألفاظ المشتقة، والاستعانة بها في توضيح وتفسير معانى الألفاظ القرآنية ومدلولاتها، ثم الوصول إلى تفسير دقيق للآية الكريمة.ومن أمثلة ذلك حديث الإمام السهيلي عن فعل الاستطاعة حيث قال:” فإذا قال قائل:لا أستطيع فيحتمل وجهين:
أحدهما أن يريد “لا أستطوعه” أي لا أريده، لأني لا أقدر عليه، فيكون نفي الاستطاعة متضمنا لنفي القدرة، ومنه قول الله، عز وجل:)وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا([7] أي لم يقدروا ، فلما لم يقدروا لم يستطيعوا الفعل ولم يطلبوا طواعيته وتأديته.
والوجه الثاني:أن يقول القائل لا أستطيع القيام إليك، وهو قادر عليه وهو صادق، لأنه أراد:لا أستطوع القيام، أي لا أستدعيه، لأني كسلان عنه، أو لأني أكرهه لوجه ما، فقد صدق في قوله “لا أستطيعه”، ولو قال :لا أقدر لم يكن صادقا، ومن هذا الباب قوله عز وجل:)فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا([8] لأنهم كانوا قادرين غير أنهم لم يريدوا، ولم يستدعوا الفعل، ولم يطلبوا طواعيته وتأديته، ومنه قول الخضر:)سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا([9] ومنه قول الحواريين)هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ([10] أي هل يستطوع هذا الفعل أو يشاؤه أم لا؟لأنهم لم يشكوا في القدرة”[11]
من خلال هذا النص نلاحظ قدرة الإمام السهيلي اللغوية في التمييز بين معاني لفظ “الاستطاعة”، فذكر أن قولك:لا أستطيع يحتمل وجهين:
الأول: أن تريد:لا أستطوعه، أي لا أريده لأني أقدر عليه.
الثاني:أن تريد:لا أستطوع القيام، أي لا أستدعيه لأني كسلان عنه، أو لأني أكرهه.
فقد عني، رحمه الله، باشتقاق الكلمات، وبيان أصولها وتراكيبها، في مقارة معاني الآيات القرآنية.
ثالثا:عنايته بمعاني الحروف والأدوات:
ومثال ذلك قوله:”وأما الفاء فهي موضوعة للتعقيب، وقد تكون للتسبيب والترتيب، وهما راجعان إلى معنى التعقيب، لأن الثاني بعدهما أبدا إنما يجيء في عقب الأول.والتسبيب نحو “ضربته فبكى”، والترتيب مثل قوله سبحانه وتعالى:)أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا([12] دخلت الفاء لترتيب اللفظ، لأن الهلاك يجب تقديمه في الذكر، لأن الاهتمام به أولى، وإن كان مجيء البأس قبله في الوجود ، ومثله:
[الخفيف]
إِنّ مَنْ سَادَ ثُـمَّ سَادَ أَبُــُوه | ثُـمَّ قَدْ سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدُّهُ |
دخلت ثم لترتيب الكلام، لا لترتيب المعنى في الوجود، وأما قوله تعالى:)فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ([13] فالفاء على أصلها من التعقيب، وإن كانت الاستعاذة قبل القراءة، إلا أن العرب تخبر بالفعل عن ابتدائه تارة، وتعبر عن انتهائه والفراغ منه أخرى، فعلى هذا يكون معنى (قَرَأْتَ) في الآية، أي: شرعت في القراءة.”[14]
يرى الإمام السهيلي أن الفاء تفيد التعقيب، وهي بهذا المعنى في قوله تعالى:)فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ( ،وعلى هذا فإن معنى “قرأت” أي شرعت في القراءة.
رابعا: عنايته بالفروق اللغوية:
يرى الأمام السهيلي أن هناك كلمات تدل على معاني متقاربة،لا أنها تدل على معنى واحد، ومن ذلك حديثه عن كلمتي القلب والفؤاد في معرض تفسييره لقوله تعالى:)إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ([15] حيث قال:” فلا معنى لحمله على المجاز، لأنه في صفة هول القيامة، والأمر فيه أشد مما تقدم، لا سيما وقد قال في أخرى:)لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْهَوَاءٌ([16]،أي قد فارق القلب الفؤاد، وبقي فارغا هواء، وفي هذا دليل عل أن القلب غير الفؤاد، كأن الفؤاد هو غلاف القلب، ويؤيده قول النبي، صلى الله عليه وسلم، في أهل اليمن:”ألين قلوبا وأرق أفئدة” مع قوله تعالى:)فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم([17] ولم يقل للقاسية أفئدتهم، والقسوة ضد اللين فتأمله.”[18]
نلاحظ هنا أن الإمام السهيلي،عني ببيان الفرق الدقيق بين القلب والفؤاد، للاستعانة به في توضيح وتفسير الآية القرآنية التي هو بصدد تفسيرها، مستدلا بالحديث النبوي، والآية القرآنية على صحة كلامه.
وقد اتفق كثير من المفسرين واللغويين، على أن القلب هو الفؤاد كالجوهري[19]، والراغب الأصفهاني[20]، وأبي حيان الأندلسي[21]، والألوسي[22]، وابن عاشور[23].ومما تكلم عنه من الفروق اللغوية: الفرق بين (الضياء والنور)[24] و (الجيد والعنق)[25] و(السنة والعام)[26] و(الطريق والصراط)[27] و (الخوف والحزن)[28] و (الروح والنفس)[29].
خامسا: عنايته بغريب الحديث:
اهتم الإمام السهيلي، رحمه الله، ببيان المعنى اللغوي للفظ الموسوم بنوع من الغرابة، فيما عرض له بالتفسير من الآيات القرآنية، ومن ذلك:
- ما ذكره في تفسير قوله تعالى:)أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا([30] حيث يقول:” وذكر الرقيم وفيه سوى ما قاله أقوال:روي عن أنس أنه قال: الرقيم:الكلب، وعن كعب أنه قال :هو اسم القرية التي خرجوا منها، وقيل: هو اسم الوادي، وقيل: هو صخرة،ويقال:لوح كتب فيه أسماؤهم ودينهم وقصتهم[31].”[32]
نجد الإمام السهيلي هنا ينقل عن أنس في تفسير الاية، أن المراد بالرقيم هو الكلب، وينقل عن كعب أن المراد في الآية هو اسم قرية، ثم ذكر أقوالا أخرى دون عزوها إلى أصحابها.
وهكذا نراه يورد هذه المعاني المتعددة في بيان معنى الرقيم، ليعطي للتفسير مرونة تنسجم مع اتساع دلالة النص القرآني.وأحيانا نجده يكتفي بتحديد المعنى اللغوي للألفاظ القرآنية الموسومة بنوع من الغرابة، بكلمات أخرى تقابها في المعنى، كما قال في قوله تعالى: :)وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ([33] حيث قال:”وقوله:)رِبِّيُّونَ( وهم الجماعات في قول أهل اللغة.”[34]
وقد يعرف المعنى بطريقة أكثر تفصيلا، كما صنع مع كلمة ” فئتين” في تفسير قوله تعالى:)قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا([35] حيث قال:” الفئة على وزن فعة، من فأوت راسه بالعصا إذا شققته، أو من الفَأْوِ، وهي حبال مجتمعة وبينها فسحة من الأرض، فحقيقة الفئة:الفرقة التي كانت مجتمعة مع الأخرى فافترقت.”[36]
ونجده هنا يبين المعنى من خلال تفصيله لبعض الخصائص الصرفية والدلالية للفظ.
سادسا:عنايته بالشواهد الشعرية:
استعان الإمام السهيلي بالشعر في تفسير آيات قرآنية،واستحضاره في أغراض مختلفة، كالاستدلال به في بعض المسائل اللغوية أو النحوية، أو الصرفية، لمقاربة معاني ودلالات الآيات القرآنية.والملاحظ أنه كان يتخذ الأشعار، التي تنظم في حدث من الأحداث التي يذكرها في شرحه لسيرة ابن هشام، مدارا لدراسة ما فيها من ظواهر، كأن يقول:”من شعر الهجرة الحبشية ومسائله النحوية.”[37]
وقد استشهد بالشعر كثيرا[38]، وجعله من جملة ما يخدم النص القرآني، ويساعد على شرح غريبه، أو توضيح وتقريب معناه.وهذا المثال يوضح المقصود.
عند تفسير قوله تعالى:)مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ([39] قال:” وهو عندي من أحكمت الفرس بحكمته، أي منعته من العدول عن طريقه، كما قال حسان:ونحكم بالقوافي من هجانا[40]،أي نلجمه فنمنعه.”[41]
ومن استشهاداته بشعر حسان قال، رحمه الله،” وقول حسان:وتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ[42]… وقوله من “لحوم الغوافل” يريد: العفائف الغافلة قلوبهن عن الشر، كما قال سبحانه:)إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ([43] جعلهن غافلات لأن الذي رمين به من الشر لم يهمن به قط، ولا خطر على قلوبهن، فهن في غفلة عنه، وهذا أبلغ ما يكون من الوصف بالعفاف.”[44]
الملاحظ أن الشواهد الشعرية تشكل مرتكزا للإمام السهيلي في ترجيح رأيه وما يذهب إليه، أو توضيح وبيان معاني بعض الألفاظ القرآنية الغريبة، فهو يصطفي من الأشعار ما يعينه على توجيه تفسير النص القرآني.
ب-عنايته بالجانب النحوي في تفسير الآيات القرآنية:
لا تخفى على أحد من أهل العلم أهمية علم النحو في مقاربة المعاني القرآنية، فهو من أهم الأدوات التي يوظفها المفسر لفهم القرآن. وقد كان الإمام السهيلي، رحمه الله، على دراية واسعة بهذا العلم، وذا قدم راسخة فيه، والناظر في كتبه وأماليه يجد أنه من المكثرين جدا في عرض القضايا النحوية والإعرابية، وذكر الآراء والتوجيهات النحوية لأئمة هذا الشأن، مع مناقشتهم مرة، وإيراد أقوالهم مرة أخرى، وفي الغالب كان ينفرد بآراء واختيارات لم يسبقه إليها أحد، وتخريجات تمثل موقفه من اللغة والنحو، حتى لتحس أنها من صنعه[45].وقد وصفه الضبي بأنه:” محدث أديب نحوي لغوي علامة.”[46] وقال فيه ابن مضاء القرطبي:” وكذلك كان صاحبنا الفقيه أبو القاسم السهيلي، رحمه الله، يولع بها[47] ويخترعها، ويعتقد ذلك كمالا في الصنعة وبصرا بها.”[48] وقد نص الإمام السهيلي، رحمه الله، في مقدمة كتاب الروض الأنف، على المنهج الذي وظفه فيه هو “تعليل النحو وصنعة الإعراب.”[49]
وفي مقدمة كتاب نتائج الفكر قال:” فإذا كانت صناعة الإعراب مرقاة إلى علوم الكتاب، لا يتولج فيها إلا من أبوابها، ولا يُتوصل إلى اقتطاف زهراتها إلا بأسبابها، فواجب على الناشئين تحصيل أصولها، وحتم على الشاذين البحث عن أسرارها وتعليلها.وقد عزم لي جمع نبذ من نتائج الفكر، اقتنيتها في خلس من الدهر، معظمها من علل النحو اللطيفة، وأسرار هذه اللغة الشريفة.”[50]
والمتتبع لمؤلفات السهيلي، ومصنفاته، يدرك مدى تميزه بالجدة في مناقشة مسائل النحو واللغة والأدب بعمق، مبينا مواطن الإعجاز النحوي في نصوص القرآن الكريم، وتجد في مؤلفات السهيلي، المفسر والمحدث الثقة، والفقيه، والأديب اللغوي، والنحوي.
فكتابه الروض الأنف، مثلا، جمع فيه من كل فن من فنون العربية، فتجد فيه التفسير، والفقه، والحديث، والأدب، واللغة، والنوادر، والأخبار.ومن الملاحظات الجديرة بالذكر، اهتمام السهلي وعنايته بالتوجيه النحوي فيما عرض له بالتفسير من الايات، في الروض الأنف وفي غيره.وسبق أن ذكرت بعض النماذج النحوية، عند الكلام عن مصادر الإمام السهيلي اللغوية والنحوية، وسأذكر هنا بعض الأمثلة على توجيهه للتفسير بحسب المقتضى النحوي.
من ذلك ما ذكره عند تفسير قوله تعالى:)لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا([51] حيث قال، رحمه الله:”قد أملينا في إعراب هذه الآية نحوا من كرَّاسة، وذكرنا ما وهم فيه الزجاج من إعرابها، حيث جعل أحصى اسما في موضع رفع على خبر المبتدإ، وأمدا: تمييز، وهذا لا يصح، لأن التمييز هو الفاعل في المعنى، فإذا قلت:ايهم أعلم أبا، فالأب هو العالم، وكذلك إذا قلت:أيهم أفره عبدا، فالعبد هو الفاره، فيلزم على قوله إذاً أن يكون الأمد فاعلا بالإحصاء، وهذا محال، بل هو مفعول، وأحصى فعل ماض، وهو الناصب له.وذكرنا في ذلك الإملاء،أن أيهم، قد يجوز فيه النصب بما قبله، إذا جعلته خبرا، وذلك على شروط بيَّناها هنالك لمن أراد الوقوف على حقيقتها.”[52]
نجد الإمام السهيلي، ينقل إعراب الاية عن الزجاج، الذي جعل أحصى اسما في موضع رفع، وأمدا تمييز، إلا أنه رد هذا التوجيه النحوي، وضعفه، وعني ببيان رأيه في إعراب الآية وتوجيهها النحوي، لما لذلك من أهمية في فهم النص القرآني ومقاربة معناه.
ومن أهم ما تميز به الإمام السهيلي، فيما عرض له بالتفسير من الآيات،أنه جمع بين المأثور والمعقول،فلم يكن يكتفي بذكر وعرض آراء واختلافات النحويين، بل كان يناقش ويرحج، بما يكشف عن استقلال شخصيته ونفاذ فكره، فكان في مناقشته لآراء النحويين، يحتكم إلى الحجة النحوية في عملية الترجيح.
ومن ذلك، ما ذكره في تعيين الذبيح ابن إبراهيم الخليل حيث قال:”ومما احتجوا به أيضا، قوله:)فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ([53] في قراءة من نصب، أي من بعد إسحاق يعقوب، فكيف يبشر بإسحاق وأنه يلد يعقوب، يؤمر بذبحه؟ فالجواب أن هذا الاحتجاج باطل من طريق النحو، لأن يعقوب ليس مخفوضا عطفا على إسحاق، ولو كان كذلك لقال:)وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ( لأنك إذا فصلت بين واو العطف وبين المخفوض بجار ومجرور، لم يجز، لا تقول: مُرَّ بزيد وبعده عمرو، إلا أن تقول: وبعده بعمر، فإذا بطل أن يكون يعقوب مخفوضا ثبت أنه منصوب بفعل مضمر تقديره، ووهبنا له يعقوب، فبطل ما زعموا، وثبت ما قدمناه، والله المستعان.”[54]
والمتتبع لإعرابات السهيلي، وتوجيهاته النحوية، يلاحظ أنه سلك موقف الرد على آراء بعض النحاة، فقد كان ينقل كلامهم، ثم يتبعه بالنقد والاعتراض، ونمثل لذلك برد الإمام السهيلي على ابن السيد البطليوسي قوله، بأن (من) من قوله تعالى:)وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا([55] فاعِل.[56]
حيث قال ، رحمه الله:” وقد استهوى طائفة من الناس القول بأنها فاعل بالمصدر، كأنه قال: “أن يحج البيت من استطاع”، وهذا القول يضعف من وجوه:أحدها من جهة المعنى، وهو أن الحج فرض على التعيين بلا خلاف، ولو كان التأويل ما ذكروه لكان فرض كفاية، فإذا حج المستطعون، برئت ذمم غيرهم، وفرغت ساحتهم من التكليف، وليس الأمر كذلك، بل الحج فرض على جميع الناس، حج المستطعون أو قعدوا، ولكنه عذر بعدم الاستطاعة إلى أن توجد الاستطاعة.ألا ترى أنك إذا قلت: “واجب على أهل هذا القطر أن يجاهد منهم الطائفة المستطعون للجهاد”،فإذا جاهدت تلك الطائفة سقط وجوب الجهاد عن الباقين، مستطيعين كانوا أو غير مستطيعين، بخلاف الحج.ومما يضعف به ذلك القول، أن إضافة المصدر إلى الفاعل، إذا وجد، أولى من إضافته إلى المفعول، ولا يعدل عن هذا الأصل إلا بدليل منقول أو معقول، فلو كان “من” هو الفاعل لأُضيف المصدر إليه”[57].
مما تقدم، يلاحظ أن الإمام السهيلي يجعل الإعراب خادما للمعنى وتابعا له، ولا يرجح من وجوهه إلا ما كان منسجما مع الأسلوب القرآني.لهذا نجده يرد التوجيه الذي لا ينسجم مع المعنى الذي يتصوره بتبريرات نحوية.
ومما لا شك فيه، أن علم الصرف من علوم اللغة الضرورية للمفسر، فهو يتعلق بوزن الكلمات واشتقاقها، وهذه لها تأثير في المعاني، لهذا نجد السهيلي ممن اهتموا بتوظيف علم الصرف لخدمه النص القرآني، ومن ذلك عنايته ببعض الألفاظ القرآنية لبيان مقاصدها، وتتبع معانيها، ونمثل لذلك بلفظ “شهيد” من قوله تعالى:)وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ([58] حيث قال، رحمه الله:” هذا الاسم مأخوذ من الشهادة، أو من المشاهدة،فإن كان من الشهادة، فهو شهيد بمعنى مشهود، أي مشهود عليه، ومشهود له بالجنة، أما مشهود عليه، فلأن النبي، صلى الله عليه وسلم، حين وقف على قتلى أحد قال:” هؤلاء الذين أشهد عليهم.”[59] أي: اشهد عليهم بالوفاء، وقال: “عليهم” ولم يقل “لهم” لأن المعنى: أجيء يوم القيامة شهيدا عليهم، وهي ولاية وقيادة، فوصلت بحرف “على”، ويجوز أن يكون من ” الشهادة”، وتكون ” فعيلا: بمعنى فاعل، لأن الله تعالى يقول:)فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ([60]
فهذان وجهان في معنى الشهيد، إذا جعلته مشتقا من ” الشهادة”، وإذا كان من “المشاهدة” فهو “فعيل” بمعنى “فاعل” أيضا، لأنه يشهد من ملكوت الله، ويعاين من ملائكته ما لا يشاهده غيره، ويكون أيضا بمعنى ” مفعول”، وهو من المشاهدة، أي إن الملائكة تشاهد قبضه، والعروج بروحه ونحو ذلك، فيكون “فعيلا” بمعنى ” مفعول” وأولى هذه الوجوه كلها بالصحة أن يكون ” فعيلا” بمعنى ” مفعول” ويكون معناه: مشهود له بالجنة، أو يشهد عليه النبي، عليه السلام، كما قال:”هؤلاء أنا شهيد عليهم.”[61] أي: قيم عليهم بالشهادة لهم، وإذا حشروا تحت لوائه، فهو وال عليهم، وإن كان شاهدا لهم، فمن هاهنا اتصل الفعل بعلى، فتَقَوَّى هذا الوجه من جهة الخبر، ومن وجه آخر من العربية، وهو أن النبي، صلى الله عليه وسلم، حين ذكر الشهداء قال:” والمرأة تموت بِجَمْعٍ شهيد.”[62] ولم يقل ” شهيدة”. وفي رواية أخرى:” والنفساء شهيد يجرها جنينها بسرره إلى الجنة.”[63] ولم يقل شهيدة، و “فعيل” إذا كان صفة لمؤنث كان بغيرها إذا كان بمعنى مفعول: نحو امرأة قتيل وجريح، وإن كان بمعنى “فاعل” كان بالهاء كقولهم:امرأة عليمة ورحيمة، ونحو ذلك، فدل على أن الشهيد، مشهود له، ومشهود عليه، وهذا استقراء من اللغة صحيح، واستنباط من الحديث بديع، فقف عليه.”[64]
والذي يبدو واضحا، من خلال عرض هذا المثال، أن الإمام السهيلي، وظف معرفته اللغوية الواسعة لخدمة التفسير، فقد ذكر معاني اللفظ القرآني، والاشتقاقات اللغوية، والنحو والصرف، كما وظف السماع في الوصول إلى المعنى الراجح للفظ القرآني، ويلاحظ أضان أنه لا يقضد إلى المباحث اللغوي إلا بالقدر اللازم لتوضح المعنى، وإزالة الإشكال عنه.
ثانيا: الجانب البلاغي في التفسير عند الإمام السهيلي.
يعد الإمام السهيلي من العلماء الأفذاذ، الذين كانت لهم جهود واضحة في كثير من الفنون والعلوم المختلفة، منها علم البلاغة، بدليل غزارة مسائله البلاغية المبثوثة في آثاره المختلفة، يشهد لذلك ما قاله الزرقاني عنه:”الإمام الحافظ العلامة ذو الفهم الدقيق والمعاني الرائقة.”[65] وقول ابن كثير:”إن له نكتا حسنة…وأشياء فريدة كثيرة بديعة مفيدة.”[66]
وبما أن السهيلي علم من أعلام النحو واللغة، فإن غالب مسائله البلاغية تنطلق من منطلقات نحوية ولغوية، ويعد مؤلفه “نتائج الفكر” في النحو، أبرز مؤلفاته، من حيث كثافة المسائل البلاغية، وهو كتاب في النحو، ألفه السهيلي ورتبه على أبواب كتاب الجمل للزجاجي، يقول في مقدمته:” ومقصدنا أن نرتبها على أبواب كتاب الجمل لميل قلوب الناس إليه.”[67]
والدارس لهذا الكتاب، يلمس أن جهد السهيلي منصب على التحليل، وإيضاح أسرار البلاغة، والنكت البيانية في النصوص القرآنية التي عرض لها، وكذا في كتابه ” الروض الأنف”، لذا حظي هذا الفن باهتمام بالغ ، وعناية فائقة داخل مؤلفات السهيلي، يقول في مقدمة كتابه ” نتائج الفكر”:” وكل علم، وإن تميز حامله عن البهيمة، فليس العلم الذي يلبس طالبه أكرم شيمة، ويحيى فؤاد صاحبه كما تحيى الديمة[68] الهشيمة[69]، إلا ما أودع –عز وجل- كتابه العلي من أنوار المعارف، وتضمنه كلام النبي العربي، صلى الله عليه وسلم، من الفوائد واللطائف، فذلك العلم الذي ينهض حامله إلى أعلى المراتب، ويأخذ بضبع[70] طالبه حتى يقعده على هام الكواكب، ويكشف عن بصر فؤاد صاحبه فينزهه في رياض البدائع والعجائب، ثم لا يطمع في الاستبصار والاستكثار من فوائده ونضاره[71]، والاستبحار في فنون فوائده ومباحث أغواره، إلا بعد معرفة باللسان، الذي أنزل به القرآن، ولغة النبي، صلى الله عليه وسلم، الذي أحلنا عليه في البيان، فإنه، سبحانه وتعالى، يقول:)وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّـنَ لَـهُمْ([72] وقال سبحانه:)بِلِسَانٍ عَرَبِـيٍّ مُبِيـنٍ([73] فإذا كانت صناعة الإعراب، مرقاة إلى علوم الكتاب، لا يتولج فيها إلا من أبوابه، ولا يتوصل إلى اقتطاف زهراتها إلا بأسبابه، فواجب على الناشئين تحصيل أصولها، وحتم على الشادين البحث عن أسرارها وتعليلها.”[74]
هذا، ومن خلال تتبع مسائل السهيلي البلاغية واستقصائها، تبين أنه يهتم بالمسائل البلاغية المتعلقة بإعجاز القرآن والبلاغة النبوية، كما اهتم بالموازنات البلاغية بين الآيات المتشابهة في ألفاظها، المختلفة من حيث التقديم والتأخير، والزيادة والنقص، والتذكير والتأنيث، والإفراد والجمع، كما يظهر ذلك جليا في كثير من مواضع حديثه عن اللفظة المفردة، والجملة والتراكيب.والجدير بالذكر هنا عدم عنايته بذكر المصطلحات البلاغية، والتعريفات والأقسام، وقد يكون ذلك راجعا لتقدم زمن السهيلي، حيث لم تكن المصطلحات البلاغية قد نضجت بعد، لهذا قلت عنايته بها.وقد برزت جهوده في توضيح دقائق الأسرار البلاغية، وبيان الغايات البيانية في النص.وهذا ما سأحاول توضيحه من خلال ما استقر عليه اصطلاح المتأخرين في تقسيم علوم البلاغة إلى: علم المعاني، والبيان، والبديع.
1-مسائل علم المعاني:
سأذكر هنا بعض النماذج من علم المعاني التي تعرض لها الإمام السهيلي عند تفسيره لبعض الآيات القرآنية[75].
أ-التقديم والتأخير:
التقديم والتأخير أسلو ب بلاغي يزيد من بيان المعنى وإعجازه، وقد تناوله الإمام السهيلي بشيء من العناية والتوضيح، من خلال تفسيره للآيات التي تشتمل على هذا اللون البلاغي.وقد أجاد السهيلي في إبراز التقديم والتأخير بشكل واضح، وتفصيل دقيق، لأنه يرى أن هذا مما يجب الاغتناء به، لعظم منفعته في كتاب الله تعالى، وحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم،إذ لا بد من الوقوف على الحكمة في تقديم ما قدم القرآن، وتأخير ما أخر، لأنه كلام الحكيم الخبير، فلا يخلو من فائدة وحكمة[76].
وقد تعرض لأسباب التقديم في القرآن، يقول:”… ما تقدم من الكلام فتقديمه في اللسان على حسب تقدم المعاني في الجنان، والمعاني تتقدم بأحد خمسة أشياء:إما بالزمان، وإما بالطبع، وإما بالرتبة، وإما بالسبب، وإما بالفضل والكمال.فإذا سبق معنى من المعاني إلى الخَلَد والفكر بأحد هذه الأسباب الخمسة، أو بأكثرها، سبق اللفظ الدال على ذلك المعنى السابق، وكان ترتيب الألفاظ بحسب ذلك…”[77]
وقبل حديثه عن الأسباب الخمسة مفصلة، ذكر سببا آخر يضاف إلى ما سبق، وهو أن التقديم قد يكون بحسب الخفة والثقل، لا بحسب المعنى، ومن أمثلة ذلك:” الجن والإنس” فإن الإنس أخف لفظا لمكان النون الخفيفة والسين المهموسة، فكان تقديم الأثقل أولى بأول الكلام من الأخف.”[78]
ومن الآيات التي حاول السهيلي إظهار أسلوب التقديم والتأخير فيها، قوله تعالى:)وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى([79] حيث قال:” فإن قيل كان القياس في الكلام أن يقال: وليس الأنثى كالذكر، لأنها دونه، فما باله بدأ بالذكر؟ والجواب،أن الأنثى إنما هي دون الذكر في نظر العبد لنفسه، لأنه يهوى ذكران البنين، وهم مع الأموال زينة الحياة الدنيا، وأقرب إلى فتنة العبد، ونظر الرب للعبد خير من نظره لنفسه، فليس الذكر كالأنثى على هذا، بل الأنثى أفضل في الموهبة، ألا تراه يقول سبحانه:)يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ([80] فبدأ بذكرهن من قبل الذكور، وفي الحديث:” ابدأوا بالإناث” يعني في الرحمة وإدخال السرور على البنين، وفي الحديث أيضا:” من عال جاريتين دخلتُ أنا وهو الجنة كهاتين.” فترتب الكلام في التنزيل على حسب الأفضل في نظر الله للعبد، والله أعلم بما أراد.”[81]
نلاحظ أن الإمام السهيلي بين السر الدقيق في الآية، وهو أن الترتيب جاء حسب الأفضل في نظر الله للعبد، وأيد كلامه بدليل من القرآن والسنة.
ب-وضع الظاهر موضع الضمير:
تناول الإمام السهيلي هذا الأسلوب في عدة مواضع،من خلال تفسيره للآيات التي تشتمل على هذا اللون البلاغي،ليبين الأسرار الداعية إلى ذلك،ومن ذلك بيانه فائدة الإظهار في قوله تعال:)يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْقِتَالٌفِيهِكَبِيرٌ([82] حيث قال:”… أعاد ذكر القتال بلفظ الظاهر، وكان القياس أن يعيد بلفظ المضمر، فيقول:قل هو كبير، كما لو سئل عن رجل في الدار لقال:هو فلان، أو هو طويل أو قصير، بلفظ المضمر، ويقبح أن يقوله بلفظ الظاهر،لأن المضمر-إذا عرف المعنى- أوجز وأولى.
والجواب أن يقال في إعادة لفظ الظاهر هنا فائدة، وهي عموم الحكم، ولو جاء بلفظ المضمر فيقول: هو كبير لاختص الحكم بذلك القتال الواقع في القصة، وليس الأمر كذلك، وإنما هو عام في كل قتال وقع في شهر حرام.”[83] ويرى الإمام السهيلي أن فائدة إظهار لفظ “القتال” هو عموم الحكم، ولو أُضمر لَخُصَّ، ولقد ذكر ابن عاشور فائدة الإظهار في الآية الكريمة، حيث قال:” وقوله:)قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ( إظهار لفضل القتال في مقام الإضمار ليكون الجواب صريحا، حتى لا يُتَوَهَّمَ أن الشهر الحرام هو الكبير، وليكون الجواب على طِبق السؤال في اللفظ.”[84]
وعند تمحيص النظر في الناحية البلاغية، وجدت أن السهيلي قد أجاد في بيان سر الإظهار في الآية الكريمة.
2-مسائل علم البيان:
تعرض الإمام السهيلي، رحمه الله، لمسائل علم البيان عند تفسيره لبعض الآيات القرآنية، وهذا ما سنتعرف عليه من خلال بعض النماذج[85].
أولا:المجاز:
“كل كلمة أريد بها غير ما وقعت له في وضع واضعها لملاحظة بين الثاني والأول فهي مجاز.”[86]
وقد تناول الإمام السهيلي هذا الأسلوب من أساليب البيان دون العناية بذكر المصطلحات البلاغية، فقد أشار إلى بعض العلاقات دون أن يذكر اسم العلاقة، أو نوع المجاز.[87]
ومن النصوص التي تناول فيها المجاز بشيء من التوضيح، ما ذكره عند تفسير قوله تعالى:)وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ([88]حيث قال:” القلب لا ينتقل من موضعه، ولو انتقل إلى الحنجرة لمات صاحبه، والله، سبحانه، لا يقول إلا الحق، ففي هذا دليل على أن التكلم بالمجاز على جهة المبالغة، فهو حق إذا فهم المخاطب عنك، وهذا كقوله تعالى:) يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ([89]أي مثله كمثل من يريد أن يفعل الفعل ويهم به، فهو من مجاز التشبييه، وكذلك هؤلاء مثلهم فيما بلغهم من الخوف، والوهل ، وضيق الصدر، كمثل المنخلع قلبه من موضعه.”[90]
أطلق السهيلي على هذا الأسلوب مجاز التشبيه، وقد وافقه ابن عاشور[91] على ذلك، وذهب أبو حيان الأندلسي إلى أنها كناية حيث قال:”… ذلك كناية عما يبلغون إليه من شدة الجزع.”[92]
ثانيا: الاستعارة
يعرفها الجرجاني فيقول:” أن يكون للفظ أصل في الوضع اللغوي معروف، تدل الشواهد على أنه اختص به حين وضع، ثم يستعمله الشاعر في غير ذلك الأصل، وينقله إليه نقلا غير لازم، فيكون كالعارية.”[93]
وقد أشار السهيلي إلى الاستعارة من خلال تفسيره لبعض الآيات التي تشتمل على هذا اللون البياني، ومن ذلك ما ذكره عند تفسير قوله تعالى:)فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ([94]حيث قال:” فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْأي أنَمْنَاهم، وإنما قيل في النائم:ضرب على أذنه، لأن النائم ينتبه من جهة السمع، والضرب هنا مستعار من ضربت القفل على الباب.”[95]
وقال الزمخشري عن الآية:” أي ضربنا عليها حجابا من أن تسمع، يعني: أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات، كما ترى المستثقل في نومه يصاح به فلا يسمع ولا يستنبه، فحذف المفعول الذي هو الحجاب، كما يقال بنى على امرأته: يريدون بنى عليها القبة.”[96]
وهذا معنى كلام السهيلي، الذي وضح أسلوب الاستعارة في الآية الكريمة، حيث شبه نومهم الثقيل بضرب الحجاب على الأذن.وإلى هذا ذهب أبو حيان الأندلسي، حيث قال:” استعارة بديعة للإنامة المستثقلة التي لا يكاد يسمع معها.”[97]
في حين جعلها الألوسي من باب الكناية عن الإنامة الثقيلة.[98]
2-مسائل علم البديع:
عرض الإمام السهيلي، رحمه الله، لبعض مسائل علم البديع عند تفسيره لبعض ألايات القرآنية، والتي تعد إشارات ولمحات سريعة، اقتضى المقام الوقوف عندها، إلا أنها لا تخلو من إبداع، وحسن تامل لآيات القرآن الكريم، منها:[99]
أولا: الطباق:
عرفه الخطيب القزويني بقوله:” الجمع بين متضادين، أي معنيين متقابلين في الجملة.”[100]
وقد تناول الإمام السهيلي هذا المحسن البديعي في عدة مواضع منها[101]:
ما ذكره في معرض تفسيره لقوله تعالى:)يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُقُمْ فَأَنذِرْ([102] حيث يقول:” فإن قيل كيف ينتظم:)يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ( مع قوله:)قُمْ فَأَنذِرْ( وما الرابط بين المعنيين، حتى يلتئما في قانون البلاغة، ويتشاكلا في حكم الفصاحة؟ قلنا من صفته، عليه السلام، ما وصف به نفسه حين قال:” أنا النذير العُريان”[103] وهو مثل معروف عند العرب، يقال لمن أنذر بقرب العدو، وبالغ في الإنذار، هو النذير العريان، وذلك أن النذير الجاد يجرد ثوبه، ويشير به إذا خاف أن يسبق العدو صوته، وقد قيل:إن أصل المثل لرجل من خثعم سلبه العدو ثوبه، وقطعوا يده، فانطلق إلى قومه نذيرا على تلك الحال.فقوله، عليه السلام:” أنا النذير العريان” أي: مثلي مثل ذلك.والتدثر بالثياب مضاد للتعري، فكان في قوله:)يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ( مع قوله:)قُمْ فَأَنذِرْ( -والنذير الجاد يسمى العريان-تشاكل بين، والتئام بديع، وسماقة في المعنى، وجزالة في اللفظ.”[104]
إن الطباق ذو أهمية كبيرة، لما يتضمنه من دلالات تجلي وجوه الإعجاز البلاغي في القرآن، وقد اهتم الإمام السهيلي بإبراز روعة هذا الأسلوب في الآية الكريمة، والكشف عن المعاني التي اشتمل عليها، حيث ذكر أن لفظ “النذير”في لغة العرب، يطلق على العريان الذي يتجرد من ثيابه[105]، وعلى هذا تحصل المطابقة، فلفظ المدثر في ثيابه يطابق المتجرد من ثيابه.
ثانيا: المشاكلة:
المشاكلة هي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا أو تقريرا[106].وقد تناول الإمام السهيلي هذا الضرب من البديع، وأطلق عليه ازدواج الكلام، في معرض حديثه عن لفظ “ما” ودلالتها على الإبهام، حيث قال:” ووجه ثالث هو:ازدواج الكلام، أصل في البلاغة، وبديع الفصاحة، مثل قوله عز وجل:)نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ([107]وقوله:)فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ([108]فسمى المعاقبة اعتداء، لازدواج الكلام وحسن الانتظام.وكذلك قوله عز وجل:)لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ([109]ومعبودهم لا يعقل، ثم ازدواج مع هذا الكلام، قوله:)وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ([110] فاستوى اللفظان وإن اختلف المعنيان، كما كان ذلك في قوله عز وجل:)نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ( ،وفي قوله، صلى الله عليه وسلم:” إن فلانا هاجني فاهجه اللهم.”هذا حسن من جهة اللفظ.”[111]
هذا المثال من المشاكلة، وإلى هذا ذهب الألوسي[112]،لكن الإمام السهيلي جعله من قبيل المزاوجة، وهي عند علماء البلاغة:” أن يزاوج المتكلم بين معنيين في الشرط والجزاء،بأن يرتب على كل منهما معنى رتب على الآخر كقوله:
[الطويل]
إِذَا مَا نَهَى النَّاهِي فَلَجَّ بِيَ الْهَـــوَى | أَصَاخَتْ إِلَى الْوَاشِي فَلَجَّ بِهَا الْهَجْــرُ |
زاوج بين النهي والإصاخة في الشرط والجزاء بترتيب اللجاج عليهما.”[113]
الملاحظ أن الأساليب البلاغية، والألوان البيانية، التي تكلم عنها السهيلي، رحمه الله، فيما عرض له بالتفسير من الآيات، وبين قيمتها الجمالية والفنية، لم يقصد الحديث عنها، وإنما هي أمور اقتضى المقام الوقوف عندها خدمة للتفسير.
ثالثا: التفسير الإشاري عند الإمام السهيلي.
التفسير الإشاري هو أحد أنواع التفسير بالرأي، لأنه مبني على أساس النظر والاستدلال، لبيان ما خفي من المعاني، والناظر في آثار الإمام السهيلي، المتعلقة بالقرآن الكريم، ليدرك مدى اجتهاده، وإعمال نظره، في إبراز المعاني الجلية والخفية، التي يدل عليها النص القرآني، بصريح العبارة، أو بلطيف الإشارة، معتمدا في ذلك على معرفته الواسعة بعلوم القرآن، وعلوم الآلة من جهة، وعلى ملكاته ومقدوراته العقلية، من جهة ثانية، مما يكون ثمرته استنباطات بديعة، واهتداءات مفيدة، وإشارات مستحسنة مقبولة.
يقول الدكتور محمد إبراهيم البنا عن السهيلي: “…إنه إذا رأى أن للآية ظاهرا وباطنا فهو بين أمرين:إما أن يعتمد على دليل من الشرع يلتمس منه هذا التفسير الباطني، وإما أن تكون هناك ضرورة تلجئه إلى أن يطلب للآية وجها غير ما يعطيه ظاهرها، حتى تسلم من التعارض.”[114]
إذن،ما موقف السهيلي من التفسير الإشاري؟
هذا ما سنتبينه من خلال الفقرات التالية:
أولا: تعريف التفسير الإشاري:
التفسير الإشاري… هو تأويل آيات القرآن الكريم على خلاف ما يظهر منها، بمقتضى إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك، ويمكن التطبيق بينها وبين الظاهر المراد.[115]
ثانيا: شروط قبوله:
وضع القائلون بقبول التفسير الإشاري شروطا لقبوله، منها ما ذكره الإمام الشاطبي حيث يقول:” ولكن يشترط فيه شرطان:
أحدهما: أن يصح على مقتضى الظاهر المقرر في لسان العرب، ويجري على المقاصد العربية.
والثاني: أن يكون له شاهد نصا أو ظاهرا في محل آخر يشهد لصحته من غير معارض.”[116]
ثالثا: موقف الإمام السهيلي من التفسير الإشاري:
أكد الإمام السهيلي، أن القرآن الكريم ظاهرا وباطنا، فأورد حديث:” لكل آية ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع.”[117] وذلك في معرض تفسيره لقوله تعالى:)فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ([118]حيث قال ما نصه:” وأما ما تقدم بتقدم الزمان فكعاد وثمود، والظلمات والنور، فإن الظلمة سابقة للنور في المحسوس والمعقول، وتقدمها في المحسوس معلوم بالخبر المنقول، وتقدم الظلمة المعقولة معلوم بضرورة العقل، قال سبحانه:)وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَار([119]وانتفاء العلم ظلمة معقولة، وهي متقدمة بالزمان على نور الإدراكات، ولذلك قال سبحانه وتعالى:)ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ( في ثلاث محسوسات:ظلمة الرحم، وظلمة البطن، وظلمة المشيمة.وثلاث معقولات، وهي:عدم الإدراكات المذكورة في الآية المتقدمة،إذ لكل آية ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع.”[120]
والملاحظ أن الحديث الذي استشهد به الإمام السهيلي في توجيه الآية الكريمة، استدل به القائلون بقبول التفسير الإشاري، كما استدلوا بمجموعة من الآيات منها: قوله تعالى:) فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا([121]وقوله تعالى:)أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْكَانَمِنْعِندِغَيْرِاللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا([122]وقوله تعالى:)أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا([123]ووجه الاستدلال من هذه الآية، وأمثالها في نظر المستدلين له، أن مراد القرآن من ذلك، أنهم لا يفهمون عن الله مراده من الخطاب، وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي:”فظاهر المعنى شيء، وهم عارفون به، لأنهم عرب، والمراد شيء آخر، وهو الذي لا شك فيه أنه من عند الله، وإذا حصل التدبر، لم يوجد في القرآن اختلاف البتة، فهذا الوجه الذي من جهته يفهم الاتفاق، وينزاح الاختلاف، هو الباطن المشار إليه.”[124] وقال أيضا:” فالتدبر إنما يكون لمن التفت إلى المقاصد، وذلك ظاهر في أنهم أعرضوا عن مقاصد القرآن، فلم يحصل منهم تدبر، قال بعضهم:” الكلام في القرآن على ضربين:
أحدهما: يكون برواية، فليس يعتبر فيها إلا النقل.
والآخر: يقع بفهم، فليس يكون إلا بلسان من الحق إظهار حكمة على لسان العبد، وهذا الكلام يشير إلى معنى كلام علي.”[125] وحاصل هذا الكلام، أن المراد بالظاهر هو المفهوم العربي، والباطن هو مراد الله تعالى من كلامه وخطابه، فإن كان مراد من أطلق هذه العبارة، ما فُسّر، فصحيح ولا نزاع فيه، وإن أرادوا غير ذلك، فهو إثبات أمر زائد على ما كان معلوما عند الصحابة ومن بعدهم، فلا بد من دليل قطعي يثبت هذه الدعوى، لأنها أصل يحكم به على تفسير الكتاب، فلا يكون ظنيا.”[126]
وقد كشف الإمام القاضي أبو بكر بن العربي، شيخ الإمام السهيلي، عن حقيقة هذا العلم إذ قال:” ومن علم الباطن أن تستدل من اللفظ على نظير المعنى، وهذا باب جرى في كتب التفسير كثيرا، وأحسن ما ألف في كتاب ” اللطائف والإشارات” للقشيري، رضي الله عنه، وإن فيه لتكلفا أوقعه فيه ما سلكه من مقاصد الصوفية.”[127]
إلى هذا ذهب الإمام السهيلي في تفسيره الإشاري المقبول، بضوابطه العلمية التي لا تخرج به عن معاني اللغة، بعيدا عن المبالغة المردودة الخارجة عن حدود أصول التفسير المقبولة، التي يذهب إليها بعض أهل التصوف، والدليل على ذلك ما ذكر عند قوله تعالى:)مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ([128]حيث قال:” أن ذلك اليوم هو أول أيام التاريخ الذي يؤرخ به الآن، فهو الظن بأفهامهم، فهم أعلم الناس بكتاب الله وتأويله، وأفهمهم بما في القرآن من إشارات وإفصاح، وإن كان ذلك منهم عن رأي واجتهاد، فقد علم ذلك منهم قبل أن يكونوا، وأشاروا إلى صحته قبل أن يفعل، إذ لا يعقل قول القائل:فعَلْته أول يوم،إلا بإضافة إلى عام معلوم أو شهر معلوم، وليس ها هنا إضافة في المعنى إلا إلى هذا التاريخ المعلوم ، لعدم القرائن الدالة على غيره، من قرينة لفظٍ، أو قرينة حالٍ، فتدبره ففيه مُعْتَبر لمن اذَّكَر، وعِلْم لمن رأى بعين فؤاده واستبصر والحمد لله.”[129]
يلاحظ أن غرض الإمام السهيلي هو تحقيق معنى الآية، بعد إعمال النظر فيها، وطلب الشواهد على هذا المعنى، والكشف عن بواطن الألفاظ وأسرار نظم القرآن العجيب.يقول في كتابه نتائج الفكر:” أن الألفاظ مشاكلة للمعاني التي هي أرواحها، يتفرس العاقل فيها حقيقة المعنى بطبعه وحسه، كما يتعرف الصادق الفراسة صفات الأرواح في الأجساد بنحيزة نفسه.”[130]
وقد التزم، رحمه الله، أن لا يعتمد من التفاسير إلا ما كان أقرب إلى ظاهر اللفظ، ويؤكد مذهبه هذا، ما ذكره بعد توجيهه لقوله تعالى:)شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ([131]إذ قال:”وهذا التفسير أشبه بالظاهر وأصح في النقل.”[132]
ولم ينهج، في تفسير الآيات، منهج الباطنية، وغيرهم من أصحاب الأهواء، الذين يبطلون الظاهر، ويرتكزون على رياضة روحية مجردة، بل اعتمد في هذا اللون من التفسير على وحي
الشريعة، حيث قال:” والله سبحانه يقول:)إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ([133]فهذا من التوسم والفراسة الصادقة، وإعمال الفكر في دلائل الحكمة، واستنباط الفوائد اللطيفة من إشارات الشريعة.”[134]
إذن فتفسيره الإشاري قائم على الاعتراف بمعاني ظواهر النصوص، على ما تقتضيه اللغة والنصوص الشرعية الأخرى، ومن ثم فإنه يضل مرتبطا بالنص وله شواهد فيه.وقد أقر بذلك في قوله:”وقد روي أن تفكر ساعة خير من عبادة سنة، ما لم يكن النظر والتفكير مجردا من ملاحظة الكتاب والسنة، ومقتضى كلام العرب، فعند ذلك يكون القول في الكتاب والسنة، بغير علم، عصمنا الله-تعالى-من ذلك.”[135]
وقد أكد الدكتور محمد إبراهيم البنا منهج السهيلي في هذا اللون من التفسير قائلا:”…إنه إذا رأى أن للآية ظاهرا وباطنا فهو بين أمرين:إما أن يعتمد على دليل من الشرع يلتمس منه هذا التفسير الباطني، وإما أن تكون هناك ضرورة تلجئه إلى أن يطلب للآية وجها غير ما يعطيه ظاهرها، حتى تسلم من التعارض.”[136]
ثم أعقب ذلك قوله:” قوله تعالى:)فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ( فقد وجدناه يرتبها على قوله:)وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَار( فرأيناه يقول إنها:” ثلاث معقولات، وهي عدم الإدراكات المذكورة في الآية” وعدم الإدراكات في هذه الاية ثلاث، فلتكن هي هذه الثلاث التي ذكرها الله في قوله:)فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ( على أنه يرى أن الظاهر، وهو الظلمة الحسية مرادة ومقصودة، ولكن لما كان مذهبه أن القرآن يفسر بعض بعضا، فقد بحث في القرآن عما يحدد هذه الظلمات ويكشف عنها، وليس في هذا إغراب يفتتن به الناس، بل هو معتمد على دليل من الكتاب.”ّ[137]
رابعا: نماذج من التفسير الإشاري عند الإمام السهيلي:
سأذكر بعض النماذج فقط، تجنبا للإطالة:[138]
أولا: ما ذكره عند تفسير سورة النصر، حيث قال:” وذكر سورة:)إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ([139]وتفسيره لها في الظاهر ،خلاف ما ذكره ابن عباس حين سأله عمر عن تأويلها، فأخبر أن الله تعالى أعلَمَ فيها نبيه، عليه السلام، بانقضاء أجله، فقال له عمر: ما أعلم منها إلا ما قلت.[140] وظاهر هذا الكلام يدل على ما قاله ابن عباس وعمر، لأن الله تعالى لم يقل: فاشكر ربك، واحْمَده، كما قال ابن إسحاق، إنما قال:)فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً( فهذا أمر لنبيه، عليه السلام، بالاستعداد للقاء ربه تعالى، والتوبة إليه، ومعناها الرجوع عما كان بسبيله مما أرسل به من إظهار الدين، إذ قد فرغ من ذلك، وتم مراده فيه.فصار جواب “إذا” من قوله تعالى:)إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُوَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا(محذوفا، وكثيرا ما يجيء في القرآن الجواب محذوفا.والتقدير: إذا جاء نصر الله والفتح، فقد انقضى الأمر، ودنا الأجل، وحان اللقاء، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا.ووقع في مسند البزار ، مبينا من قول ابن عباس، فقال فيه: فقد دنا أجلك فسبح، هذا المعنى هو الذي فهمه ابن عباس، وهو حذف جواب إذا، ولمَّا يتنبه لهذه النكتة، حسب أن جواب إذا في قوله سبحانه:)فَسَبِّحْ(كما تقول:إذا جاء رمضان فصم.وليس في هذا التأويل من المشاكلة لما قبله ما في تأويل ابن عباس، فتدبره، فقد وافق عليه عمر، رضي الله عنه، وحسبك بهما فهما لكتاب الله تبارك وتعالى.”[141]
لقد أوتي السهيلي حظا من الفهم، ونورالبصيرة ساعدته على فهم النص القرآني، والكشف عن غوامضه وأسراره، ففي تفسيره لسورة النصر، لاحظنا عدم تمسكه بظاهر النص، فلم يفهم أن المراد هو الأمر بحمد الله واستغفاره، حيث تحقق النصر والفتح، كما فهمه بعض البدريين، الذين سألهم عمر، لأنه يرى أن في الآيات إشارة إلى أمر آخر، وهو التنبيه على قرب أجل نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، وهو ما فهمه عمر وابن عباس، رضي الله عنه.
قال ابن حجر ، في شرح الحديث الذي أورده البخاري في صحيحه:
” وفيه جواز تأويل القرآن بما يفهم من الإشارات، وإنما يتمكن من ذلك من رسخت قدمه في العلم، ولهذا قال علي، رضي الله عنه:أو فهما يوتيه الله رجلا في القرآن.”[142]
ثانيا:ما ذكره عند تفسير قوله تعالى:)كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا([143]حيث يقول:” وجاء بكان على لفظ الماضي، وفهمها الزجاج، فأشار إلى أن ” من”فيها من معنى الشرط، ولذلك جاء “كان” بلفظ المعنى بعده، فصار معنى الكلام: من يكن صبيا فكيف يكلم؟ لما أشارت إلى الصبي:أن كلموه، ولو قال:كيف نكلم من في المهد الآن، لكان الإنكار والتعجب مخصوصا به، فلما قالوا:كيف نكلم من كان، صار الكلام أبلغ في الاحتجاج للعموم الداخل فيه.وإلى هذا الغرض أشار ابن إسحاق، وهو الذي أراد، وإن لم يكن هذا لفظه، فليس المقصود العبارات، وإنما المقصود تصحيح المعاني المتلقاة من الألفاظ والإشارات.”[144]
الملاحظ هنا، أن الإمام السهيلي فهم معنى خفيا، بالكشف عن بواطن الألفاظ، والاعتماد على ثقافته اللغوية، وما أوتي من قوة الفهم، وسعة الإدراك، فاهتدى إلى سر الاية بعد تأمل وتفكر وتدبر.
ثالثا: عند تفسير قوله تعالى:)إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ([145]قال، رحمه الله، وذكر أبو الوليد ابن رشد، في مقدماته، عن بعض الفقهاء قال: إذا كان المسلمون إثنا عشر ألفا لم يجز لهم الفرار من ثلاثة أمثالهم، ولا من أكثر من ذلك، لقوله، عليه السلام:” لن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة”، وقد كان وقوف الواحد إلى العشرة حتما في أول الأمر، ثم خفف الله ذلك ونسخه بقوله:)الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا([146]كالذي روي عن ابن عباس، وهو قول العلماء، ولكن لا يتبين فيه النسخ لأن قوله:)إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ ([147] إلى آخر الآية خبر، والخبر لا يدخله النسخ، وقوله:)الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ (يدل على أن ثم حكما منسوخا، وهو الثبوت للعشرة، فإذا للآية ظهر وبطن، فظاهرها خبر، ووعد من الله تعالى أن تغلب العشرة المائة، وباطنها وجوب الثبات للمائة، ويدل على هذا الحكم قوله:)حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ([148]فتعلق حكم النسخ بهذا الحكم الباطن، وبقي خبرا ووعدا حقا قد أبصره المؤمنون عيانا في زمن عمر بن الخطاب، وفي بقية خلافة أبي بكر.”[149]
الملاحظ هنا أن الإمام السهيلي، رحمه الله، حمل الآية على غير ظاهرها، لأنه يرى أن ظاهر الآية خبر، وأن النسخ لا يقع في الأخبار بل في الأحكام، وبما أن للآية لها ظهر وبطن، فقد علق حكم النسخ بمعناها الباطني، بدليل قوله تعالى:)حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ(.
فقد استعان بدليل من الشرع لتأكيد تفسيره الإشاري، وهو بهذا لا يخالف الشريعة فيما ذهب إليه.
ومن خلال هذه النماذج، تبين اهتمام السهيلي بهذا النوع من التفسير، الذي تأثر بنوازعه الاجتهادية العامة في الحقول المعرفية التي أبدع فيها، والتي أقرها في معرض حديثه عن الحروف المقطعة في أوائل السور حين قال:”… وفي إنزال الكاف قبل الهاء، والهاء قبل الياء، ثم العين ثم الصاد من (كهيعص) معان، أكثرها، تنبه عليه آيات من الكتاب، وتبين المراد بها لمن تدبرها، والتدبر والتذكر واجب على أولي الألباب، والخوض في إيراد هذه المعاني، والقصد لإيضاح ما لاح لي عند الفكر والنظر فيها، مع إيراد الشواهد على ذلك من كتاب وأثر وعربية، ونظر يخرجنا عن المقصود.”[150]
فهو في تفسيره الإشاري، يستعين بالمأثور، وبالرأي المحمود، ويذكر الإشارات التي يراها، مع حرصه على عدم مخالفتها للشريعة، وهو بهذا يدخل في زمرة المفسرين بالرأي والاجتهاد.
يتبين لنا مما سبق، أن الإمام السهيلي له آراء في التفسير ومناقشات، وأنه ليس مجرد ناقل، يأخذ كل ما قيل، بل يناقش ويشرح ويأتي بالجديد، ومن هنا يتضح أن السهيلي لم يقف، في شرحه للآيات التي احتاج إلى تفسيرها في مؤلفاته، عند حدود التفسير بالمأثور، بل تجاوزه إلى الاجتهاد بالرأي، على نحو يدل على استقلال فكره وعمق رأيه، فكان تفسيره للآيات تفسيرا أثريا وعقليا، يعتد الرأي أصلا، ويجعل من المعنى الظاهر، ومن المأثور، منطلقا للغوص في دقائق المعنى القرآني وأسراره.
>
[1] – الصاحبي في فقه اللغة، لأحمد بن فارس، تحقيق مصطفى الشويمي، مؤسسة بدران بيروت 1964م ، ص 64.
[2] – البرهان في علوم القرآن،لأبي عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي ت 794 هـ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطيعة الأولى 1376 هـ/1957م، نشر دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابلي الحلبي ج 1 ص 292.
[3] – نتائج الفكر ص 30.
[4] – الروض الأنف ج 3 ص 177.
[5] – آل عمران / 161.
[6] – الروض الأنف ج 6 ص 88.
[7] – الكهف / 97.
[8] – الإسراء / 48.
[9] – الكهف / 78.
[10] – المائدة / 142.
[11] – مسائل في النحو واللغة ص 95.
[12] – الأعراف/ 4.
[13] – النحل / 98.
[14] – نتائح الفكر في النحو ص 196-197.
[15] – غافر / 18.
[16] – إبراهيم 43.
[17] – الزمر / 22.
[18] – الروض الأنف ج 6 ص 338-339.
[19] – تاج العروس وصحاحا العربية ج 2 ص 517-518
[20] – المفردات في غريب القرآن ص 646.
[21] – البحر المحيط ج 6 ص 447.
[22] – روح المعاني ص225.
[23] – التحرير والتنوير ج 13 ص 241.
[24] – الروض الأنف ج 3 ص 255-256.
[25] – الروض الأنف ج 3 ص 308-309.
[26] – الروض الأنف ج 3 ص 174-175.
[27] – نتائج اللفكر ص 236-237.
[28] – الروض الأنف ج 4 ص 213-214.
[29] – الروض الأنف ج 3 ص 191-192.
[30] – الكهف / 9.
[31] – غريب القرآن لابن قتيبة ص 263.
[32] – الروض الأنف ج 3 ص 164.
[33] – آل عمران / 146.
[34] – الروض الأنف ج 6 ص 86.
[35] – آل عمران / 13.
[36] – الروض الأنف ج 5 ص 408.
[37] – الروض الأنف ج 3 ص 230.
[38] – انظر مثلا الروض الأنف ج 1 ص 134 وج 3 ص 280-281 وج 4 ص 31 -202 وج 5 ص 179 و ج 6 ص 154.
[39] – آل عمران / 7.
[40] – البيت كاملا: فنحكم بالقوافي من هجانا *** ونضرب حين تختلط الدماء
ديوان حسان بن ثابت، في قصيدتة التي مطلعها: عفت ذات الأصابع فالجواء.
[41] – الروض الأنف ج 5 ص 29-30.
[42] – البيت كاملا: حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
-ديوان حسان ص 171 عنوان القصيدة: حصان رزان ما تزن بريبة
[43] – النور / 23.
[44] – الروض الأنف ج 6 ص 447-448.
[45] – أبو القاسم السهيلي ومذهبه النحوي، لمحمد البنا ص 405 (خصائص نحو السهيلي)
[46] – بغية الملتمس ص 367.
[47] – يريد العلل الثواني.
[48] – انظر كتاب الرد على النحاة، لابن مضاء القرطبي، تحقيق شوقي ضيف ، نشر دار المعارف ص 137.
[49] – مقدمة الروض الأنف ص 35.
[50] – مقدمة نتائج الفكر ص 26.
[51] – الكهف / 1.
[52] – الروض الأنف ج 3 ص 165.
[53] – هود / 71.
[54] – التعريف والإعلام ص 274-275
[55] – آل عمران / 97
[56] – انظر معذغني اللبين عن كتب الأعاريب، لابن هشام ت 761 هـ ، تحقيق مازن المبارك-محمد علي حمد الله، نشر دار الفكر ، دمشق، الطبعة السادسة 1985 ج 1 ص 694.
[57] – نتائج الفكر ص 241.
[58] – آل عمران / 140.
[59] – لم أقف عليه.
[60] – النساء / 69.
[61] – أخرجه البخاري في الصحيحين كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهيد.
[62] – الحديث في مسند أحمد ج 17 ص 360.
[63] – الحديث في مسند أحمد ج 37 ص 448.
[64] – الروض الأنف ج 6 ص 89-90.
[65] – شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية،لأبي عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن شهاب الدين بن محمد الزرقاني المتوفى سنة 1122 هـ، نشر دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1407 هـ / 1996 م ج 1 ص 147.
[66] – البداية والنهاية لابن كثير، نشر دار هجر للطباعة والنشر ج 16 ص 575.
[67] – مقدمة نتائج الفكر ص 27.
[68] – الديمة: المطر الذي ليس فيه رعد ولا برق.-لسان العرب ج 12 ص 219 [ دوم ].
[69] – الهشيمة: الشجرة اليابسة البالية.اللسان ج 12 ص 612.
[70] – بضبع، وسط العضد بلحمه، يكون للإنسان ولغيره، والجمع أضباع.-اللسان ج 8 ص 216.
[71] – النضارة: وهي في الأصل حسن الوجه والبريق، والنضير والنُّضار والأنضر: اسم الذهب والفضة.-اللسان ج 5 ص 212-213.
[72] – إبراهيم / 4.
[73] – الشعراء / 195.
[74] – نتائج الفكر ص 26.
[75] – تعرض السهيلي لمسائل أخرى من علم المعاني، كالخبر والإنشاء عند تفسيره للآية الأولى من سورة المسد.
[76] – نتائج الفكر ص 209.
[77] – نتائج الفكر ص 209.
[78] – المصدر السابق ص 210.
[79] – آل عمران/ 36.
[80] – الشورى / 49.
[81] – الروض الأنف ج 5 ص 37.
[82] – البقرة / 217
[83] – نتائج الفكر ص 243.
[84] – التحرير والتنوير ج 2 ص 325.
[85] – تعرض السهيلي لمسائل أخرى من علم البيان، كالتشبيه، انظر الروض الأنف ج 5 ص 176.والكناية، التعريف والإعلام ص 211-212.
[86] – أسرار البلاغة لعبد القاهر بن عبد الرحمان بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار، المتوفى سنة 471 هـ،تعليق محمود محمد شاكر، نشر مطبعة المدني بالقاهرة ص 351.
[87] – الروض الأنف ج 3 ص 185 والتعريف والإعلام ص 151 و ص 329.
[88] – الأحزاب / 10.
[89] – الكهف / 77.
[90] – الروض الأنف ج 6 ص 338.
[91] – التحرير والتنوير ج 21 ص 280
[92] – البحر المحيط ج 9 ص 246.
[93] – أسرار البلاغة ص 30.
[94] – الكهف / 11.
[95] – الروض الأنف ج 3 ص 165.
[96] – الكشاف عن حقائق وغوامض التنزيل ج 2 ص 705.
[97] – البحر المحيط ج 7 ص 144.
[98] – روح المعاني ج 8 ص 202.
[99] – تعرض السهيلي لأنواع أخرى من مسائل علم البديع كالافتباس في قوله تعالى:” و لباس التقوى ذلك خير” الأعراف/ 26.-انظر الروض الأنف ج 6 ص 375-376.والفاصلة القرآنية في قوله تعالى:” ولمن خاف مقام ربه جنتان” ارحمان/45.-الروض النف ج 6 ص 204.
[100] – الإضاح في علوم البلاغة لمحمد بن عبد الرحمان بن عمر أبو المعالي جلال الدين القزويني الشافعي المتوفى سنة 739 هـ ، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي،نشر دار الجيل بيروت الطبعة الثالثة ج 3 ص 185.
[101] – عرض للطباق أيضا عند تفسيره الكوثر.انظر الروض الأنف ج 3 ص 403-404.
[102] – المدثر /1-2.
[103] – صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب الانتهاء عن المعاصي حديث رقم 6482.
[104] – الروض النف ج 3 ص 146-147.
[105] – تهذيب اللغة ج 14 ص 304.-اللسان ج 5 ص 202.
[106] – التلخيص في علوم البلاغة لجلال الدين القزويني، تحقيق عبد الحميد المنداوي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية ص 89.-البرهان ج 3 ص 377.
[107] – التوبة / 67.
[108] – البقرة / 193.
[109] – الكافرون / 2.
[110] – الكافرون / 3.
[111] – نتائج الفكر ص 142.
[112] – روح المعاني ج 5 ص 323.
[113] – جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، لأحمد بن مصطفى الهاشمي المتوفى سنة 1326 هـ ، ضبط وتوثيق يوسف الصميلي، نشر المكتبة العصرية بيروت ص 309.- الإتقان في علوم القرآن ج 3 ص 323.
[114] – أبو القاسم السهيلي ومذهبه النحوي، لمحمد إبراهيم البنا ص 108.
[115] – انظر:-رو ح المعاني ج 1 ص 8.-مناهل العرفان في علوم القرآن، لمحمد عبد العظيم الزرقاني، نشر مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركائه، الطبعة الثانية ج 2 ص 78.-التفسير والمفسرون، لمحمد السيد حسين الذهبي، نشر مكتبة وهبه، القاهرة ج 2 ص 261.
[116] – الموفقات: للشاطبي، تحقيق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، نشر دار ابن عفان، الطبعة الأولى 1417 هـ/ 1997 م ج 4 ص 231-232.-مناهل العرفان ج 2 ص 81.-التفسير والمفسرون ج 2 ص 279-280.
[117] – رواه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن مسعود.تنظر الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، لمحمد بن حبان بن معاذ بن معبد التميمي،أبو حاتم الدارمي البستي المتوفى سنة 354 هـ، ترتيب علاء الدين علي بلبان الفارسي، تحقيق شعيب الأرناؤوط، نشر مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الولى 1408 هـ ج 1 ص 276.
[118] – الزمر / 6.
[119] – النحل/78.
[120] – نتائج الفكر ص 210.
[121] – النساء / 78.
[122] – النساء / 82.
[123] – محمد / 24.
[124] – الموافقات ج 4 ص 209.
[125] – قيل لعلي بن أبي طالب:” هل عندكم كتاب؟قال: لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطي رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة، قال:قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر.”-صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم، رقم 111.
[126] – الموافقات ج 4 ص 209-201.
[127] – قانون التأويل، للقاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الإشبيلي المالكي ت 543 هـ،دراسة وتحقيق: محمد السليماني، نشر دار القبلة للثقافة الإسلامية، الطبعة الأولى 1406 هـ/1986 م ص 526.
[128] – التوبة / 108.
[129] – الروض الأنف ج 4 ص 257.
[130] – نتائج الفكر ص 101.
[131] – البقرة / 185.
[132]– الروض الأنف ج 2 ص 419.
[133] – الحجر / 75.
[134] – الروض الأنف ج 2 ص 116.
[135] – الروض الأنف ج 3 ص 453.
[136] – أبو القاسم السهيلي ومذهبه النحوي، لمحمد إبراهيم البنا ص 108.
[137] – أبو القاسم السهيلي ومذهبه النحوي، لمحمد إبراهيم البنا ص 109.
[138] – نماذج أخرى ذكرت في كتابه الروض الأنف -ج 2 ص 109 ج 2 ص 293 –ج 2 ص 396 –ج 5 ص 37-ج 7 ص 208.-التعريف والإعلام ص 50-51.
[139] – النصر / 1.
[140] – أورد الخبر البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب :” فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا”(النصر/3)
[141] – الروض الأنف ج 7 ص 381-382.
[142] – فتح الباري ج 8 ص 736.
[143] – مريم / 29.
[144] – الروض الأنف ج 3 ص 326.
[145] – الأنفال / 67.
[146] – الأنفال /67.
[147] –
[148] – الأنفال/65.
[149] – الروض الأنف ج 5 ص 236-237.
[150] – الروض الأنف ج 4 ص 422.
دة. عائشة الطويل