من مواليد شفشاون سنة 1914 بدرب الحراق من حومة السويقة. وعندما نقول: “درب الحراق”؛ فإننا نُحيل على زاويتين كبيرتين بالجوار، كانتا تُعتبَران أهمَّ مدرستين في المدينة لفن المديح والسماع، ويتعلق الأمر بـ”زاوية سيدي الحاج الشريف” على بعد خطوات من هذا الدرب غرباً، وبـ”زاوية مولاي علي شقور” غير بعيد شرقاً. وبالزاويتين كِلتيْهما؛ تلقى صاحبنا محفوظه الإنشادي السماعي، مُجايلاً ومعاصراً أسماءً لمعت في المجال: كالسيد مَحمد بن علي بالأمين العلمي(تـ: 1973′)(2) بزاوية سيدي الحاج الشريف، والسيد الطيب السفياني المتوفى سنة 1934م، والسيد عبدِ السلام السفياني عَمِّه المتوفى سنة 1938م، وهما من مريدي زاوية سيدي علي شقور، إلى أسماء أخرى هي مجموع فقراء الزاويتين في تفاوت استعدادهم، وإتقان موهبتهم، وظهور حضورهم الفني السماعي. ويكفي الاستدلال على تفوق سيدي الهاشمي السفياني بين “فقراء الدليل”(3)؛ تعيينُه بإجماع هؤلاء الفقراء مقدَّماً عليهم، بعد وفاة المُقدَّم المؤسس للفرقة في يناير سنة 1954م، فاستقر بهم انطلاقا من هذا التاريخ بزاوية سيدي علي شقور، بعد أن كان انتهى بهم المطاف في عهد سلفه بـ”جامع ابن يلون”(4) أسفل حومة السويقة من شفشاون.
ثقافته: كانت ثقافة سيدي الهاشمي السفياني ثقافة تقليدية بسيطة؛ فقد حفظ القرآن الكريم على يد الفقيه المرحوم السيد أحمد الحضري المتوفى سنة 1935م، وتلقى نصيباً من العلم ظهر في بعض معارفه: كالتوقيت الذي تلقاه عن العالم المؤقت المرحوم السيد عبد السلام حرازم المتوفى سنة 1998م(5)، كما تلقى ببعض مساجد شفشاون دروساً في اللغة والتفسير والحديث والفقه على يد شيوخ أمثال: الشيخ الفقيه السيد: محمد بنعياد الخمسي، والفقيه السيد: محمد أصبان المُتوفَّىَيْن سنة 1982م، والفقيه القاضي الفاضل السيد عبد السلام الوراكلي المتوفى سنة 1983م. وبموازاة تلقيه هذه العلوم؛ فقد كانت زاوية سيدي الحاج الشريف وزاوية سيدي على شقور مدرستيْه في المديح والسماع، مستفيداً من جهابذتهما في هذا الفن مما سبقت الإشارة إليه.
ويبدو إن مدرسته الأولى في هذا المجال كانت زاوية سيدي علي شقور؛ إذ كان عمه الذي تربى في حضنه من مريدي الزاوية الشقورية، فكان يصحبه إليها منذ نعومة أظفاره(6)، فتربى على ما كان عليه واقع الزاوية من التزام بالورع والفضيلة، وولعٍ بالأمداح النبوية التي حفظ معظمها في سن مبكرة من عمره. ومع تقدمه في السن؛ ترسخت قدماه في مجال الإنشاد، فعُرف بصوته الحسن، وبطول باعه في حفظ القصائد والأزجال الصوفية والموشحات الأندلسية: كقصائد الحراق (تـ:1261هـ )، وبراول(7) علي شقور العلمي(تـ: 1315هـ)، وغيرها من المتوارث السماعي لدى أهل شفشاون، فبات مرجعاً مُعتمَداً موصولاً حتى من المهتمين خارج المدينة: كالفنان المرحوم السيد أحمد الوكيلي(8) رئيس الجوق الوطني للموسيقى الأندلسية، والفنان السيد عبد اللطيف بلمنصور(9) من رموز فن المديح والسماع بالمغرب للتلقي عنه في المجال(10) .
ومما يؤكد حضوره الفني؛ اقتراحُه مديراً للمعهد الموسيقي بشفشاون لدى تأسيسه سنة 1975م، وظل على رأسه إلى وفاته رحمه الله سنة 1986م. وكان موضوع احترام وتقدير من الكل: تلامذةً ومؤطرين؛ لأياديه البيضاء على الجميع، ومن تخرج من هذا المعهد طيلة مدة إدارته له من تلامذته؛ بحكم ما كان يخصهم به من عناية ورعاية واهتمام. وكان المسجد الأعظم أيضاً مدرستَه التي يجتمع عليه فيها تلامذةٌ ـ وكنتُ أحدهم ـ يتلقون عنه ـ فيما كانوا يتلقونه ـ حصصاً من فن المديح والسماع، في أوقات فراغٍ له بين العشاءين، وظُهرَ يوم الجمعة، كما كون فرقة نسائية للمديح بـ”زاوية سيدي علي شقور”، جعل لها يوم السبت عصراً موعداً لاجتماعها(11). بل إنه برواية تلميذته الفنانة السيدة ارحوم البقالي(12): [كان يلقن نساء من المزاولات لـ”فن الحضرة”(13) بالمدينة بعض الصنائع من نوبة رمل الماية: كانصراف قُدَّام رمل الماية؛ حيث كُنَّ يأتينه في وقت فراغهن لهذا الغرض، وكان يستعمل معهن ما يسمى اصطلاحاً “طريقة التقريص”، القائمة على الضرب باليد على الفخذ بالميزان الموضوع في توصيل المعرفة بهذه الصنائع].
وشبيه بهذه الشهادة منهجياً: شهادة تلميذه الفنان السيد محمد الرحموني(14) الذي يتحدث من خلالها عن تجربته المبكرة بـ”فرقة الدليل” قائلاً: [كان وجودي المرتب في ركاب “فقراء الدليل” عاملاً أساسياً في تربيتي على حب ما كان يُتداوَل من مقروءات الفرقة من يَوميْها المُعتاديْن في الأسبوع: الخميس والأحد، وكان احتكاكي بفعالياتٍ من كبار أهل المديح والسماع الذين كانت تزخر بهم الفرقة خيرَ مُوَجِّهٍ لي لأتدرب وأتكون فنيا ومعرفياً. وكان أبرز أساتذتي من هؤلاء: السيد الهاشمي السفياني الذي كان يتعدى اهتمامه بالمتطلعين لإدراك أسرار هذا الفن إلى استضافتهم بمنزله: كنت أذهب إليه كل اثنين بعد العشاء، في جملة أنداد لي هم السادة: العياشي الشليح (15)، وأحمد أجبار(16)، والمفضل ابن الطيب(17)، فكان يُحَفِّظُنا موازين الآلة بالتقريص، وكان يحضر المجلسَ بعضُ العارفين من أصدقائه: كالسيد التهامي بن التهامي العلمي(18)، والسيد الحسن ابن عزوز(19) ، وكان في موازين تتضمن الغزل؛ يعمل على استبدالها مديحاً لإدراجها سماعاً]. وتعتبر الجملة الأخيرة من هذه الشهادة مما يُبرز حسه التربوي النابع من خلقه ومروءته في تلقينه الموازين بمادتها التي ينتقل بها من غرض يستحيي من إدراجه ـ على روجانه ـ استعمالاً إلى مدح؛ ليوائم بين المُتعلَّم في موضوعه المستهدف، والمُتعلِّم في وضعه المُستلطَف متلقياً شغوفاً، كما يُبْرِز هذا التوجه في عملية تعليمه سعة أفقه المعرفي والفني الموسيقي المتجسد في محفوظه الجم من النصوص الذي يتيح له الفعل مُدرَجاً في المناسب لسياقه الأدائي. وحسب الشهادة؛ فإن مُترجَمنا يعطي مجلسه التعليمي ـ بحضور زملاء له في الصنعة ـ تشريفاً ووجاهة من شأنهما تشجيعُ المتعلمين، وإشاعةُ جو من الجدية والطرافة إثراءً لزخم المجلس وحميميته.
وعن تلميذه الأستاذ السيد محمد بلمختار بالأمين العلمي(20): أنه مما تعلمه من أستاذه المذكور قَيْدَ حياته في منهجية الإنشاد؛ أن المتدخل لِتَلَقُّفِ الإنشاد الفردي عن زميله مواصلاً فيما يُصْطلح عليه بـ”البيتين”؛ عليه أن يكون حافظا للمتداول من الصنعة في نوبتها: بحيث يكون المُتردَّدُ إنشاداً في نفس موضوع سابقه من نسيب أو مديح أو سواهما. فإذا لم يكن لهذا المتدخل ما يتدخل به في الموضوع؛ ترك الأمر لغيره مُتجاوَزاً. وفي مجال تطبيقي لهذا الدرس؛ يحكي الراوي: أنه في إحدى الحلقات الإنشادية بـ”الزاوية الشقورية”: كان المنشد المرحوم السيد الحسن ابن عزوز السالف الذكر، بصدد إنشادٍ فرديٍّ لصنعة هي بيتان من قول أحدهم هما:
إن الغرامَ هو الحياةُ فَمُتْ بِـهِ صَبّاً فَحَقُّـــكَ أنْ تموتَ وَتُقْبَرَا
وَلَقَدْ خَلَوْتُ مَعَ الْحَبِيبِ وَبَيْنَنَا سِرٌّ أَرَقُّ مِنَ النَّسِيـــمِ إِذَا سَرَى
فكان أن تلقف الراوي المتتلمذ الإنشادَ عن صاحبه، متابعاً ما يفيده البيت الأول من معنىً، صادحاً بهذا البيت:
سَمِعْنَـا أَطَعْنَـا ثُمَّ مُتْنَا فَبَلِّغُــــــوا سَلَامِي إِلَى مَنْ كَانَ لِلْوَصْلِ يَمْنَعُ
فاستحسن السيد الهاشمي التدخل، مبتهجاً لما كان من الراوي من توفق مكين عنده، وظل لأيامٍ كلما رآه؛ أبدى إعجابه بما كان منه جَلْسَتَه.
وكانت مواكبته لمهرجان الموسيقي الأندلسية بشفشاون تحضيراً وتتبعاً منذ المهرجان الأول إلى وفاته رحمه الله. وكان له نظر فيما كان يُطرح من مواضيع موازية على مستوى التنظير. ومن مذكرته(21) نختار موضوعاً ما يلي:
[في يوم الجمعة 11 محرم 1406هـ، الموافق 27 شتنبر 1985م، افْتُتِح المهرجان الرابع بمدينة شفشاون. (وبعد تعديده للأجواق المشاركة في المهرجان قال:) وفي عشية يوم الأحد 29 شتنبر 1985م؛ كانت ندوة بثانوية مولاي رشيد بشفشاون، تكونت من الأساتذة: محمد بالأمين (محمد بلمختار بالأمين العلمي) محمد السفياني22، بنعبد الجليل(23)، أحمد عيدون(24). وكان موضوعها: “تعددُ الروايات بين الموسيقيين المغاربة“. وكان(تـ) النتيجة: أن ذلك من اجتهاد بعض الفنيين، إلا أن مدينة شفشاون امتازت بطابع خاص، وأن “الحجاز” يبقى “حجازاً”، وليس من اللائق أن يدخل فيه “عشاق” ولا “رصد”. (وبعد كلام في السياق ذكر ما يلي): ليلاً قام “جوق شفشاون” بإلقاء “قُدَّام الرصد”، وفيه براولُ اعترف بعض السامعين من “جوق فاس”؛ بأنها لا توجد عندهم. وفعلا قام بتسجيلها، كما أنشد منشد جوق فاس المذكور، إنشاد “العشاق” الذي أخذه منشد “جوق الفنان السيد الوكيلي” (عمر) الفران(25) من شفشاون، بواسطة كاتبه الهاشمي السفيانيٍ].
ولنلاحظ هذه العبارة الواردة في سياق مكتوب المذكرة والتي هي: “أخذه منشدُ جوق الفنان السيد الوكيلي (عمر) الفران من شفشاون بواسطة كاتبه الهاشمي السفياني“، والتي يمكن أن نستخلص منها تأكيد أستاذية السيد الهاشمي لجوق الوكيلي فيما نقله عنه وأنشده جوق فاس الذي يكون بالتبعية فيما أنشده تلميذاً نجيباً له. وهو شيء يشرف صاحبنا كأحد الحافظين المحتفظين بجوانب من التراث الكلامي المسلوك في نوبات الإنشاد، مما لم يكن معروفاً خارج شفشاون، كما يمكن أن نستخلص من عبارته التي يقول فيها في مذكرته مما سبق التنصيص عليه: [اعترف بعض السامعين بأنها (أي البراول المنشدة في قدام الرصد من طرف جوق شفشاون) لا توجد عندهم بفاسٍ]. نستخلص: أن شفشاون في مجال المأثور الكلامي مما يُنشد في قُدَّام الرصد، تتفرد بأشياء لا تتوفر عليها مدن مغربية أصيلة كفاس. ومن هذا المهرجان، كان انفتاحها على ما سواها من مدن مشاركة، لتظهر أنها في المجال تحتفظ بما ليس لغيرها، منفتحةً به على هذا الغير. إلى ما يمكن استخلاصه من نص المذكرة من حضور فاعل لمترجمنا في الندوة المنعقدة بالمناسبة نظراً وتعليقاً فيما يخص المتداول من موضوعها: “تعدد الروايات بين الموسيقيين المغاربة” في استنتاجه الذي يبقى أولا وأخيراً يمثل وجهة نظره المحترمة وهي: [أن الأصل يبقى أصلا على تعدد الروايات في موضوعه]؛ مما يصبح الوضع معه اجتهاداً لا يغني في توجهه عن مرجعيته الأصل. وليبقى ما ورد في المذكرة موضوعاً نصّاً ناطقاً بالكثير من الحضور الفقهي لمُترجَمنا في مجال نوبات الموسيقى الأندلسية، والمجال الكلامي المطروق فيها، وفيما يُنشد من مديح وسماع يتعدى وضعه فيه إلى الإبداع في عالمه مما يلي:
إبداعه في المجال الكلامي لفن المديح والسماع: وللهاشمي السفياني براول وأزجال مما أسعفنا به بعض تلامذته في هذا الفن: كالفنان الحافظ السيد محمد الرحموني السالف الذكر والتعريف، والفنان السيد عبد السلام ابن تريفت(26).
فمما ذكره لنا الأول: أنه يعرف له أبياتاً مُذَيِّلَةً لقطعة منظومة في بحر الطويل، متداوَلةً في وسط المنشدين والذاكرين مجهولٌ صاحبُها، وهي في التوسل باسم الجلالة ( اللطيف )، و نصها:
ألا يا لطــيــفُ يا لطــيـفُ لـــك اللُّطْفُ فأنتَ اللطيفُ مِنْــكَ يَشْمَلُنـا الُّلطْفُ
أغِثْـنَـــا أغثـنـــا يا لطـــيفُ بِخَلْقــــــهِ إذا نزل البــــلاءُ يتبعُـهُ اللطف
لطــيــفٌ لطـيفٌ إننا متوَسِّلُــونْ بلطفـكَ الْطُفْ بنــــا وقد نزل اللطفُ
بلطفكَ لُذْنــا يا لطيـــفُ وهَـــا نَحْنُ دخلنا في وصْفِ الُّلطْفِ وانْسَدَلَ اللطفُ
تَدَارَكْـــنَا باللُّطْـفِ الخفِــيِّ يا سيـدي فأنت الذي تَشْفــي وأنــت الذي تعفُـو
ما يتلو هذه الأبيات تداولاً في نفس البحر، وعلى نفس القافية هو- برواية الراوي- للمرحوم الهاشمي السفياني، و هو هذه الأبيات:
أَمِتْنَا على الحُسنــى وثَبِّتْ قُلوبَنا وعند خروجِ الرُّوحِ يَحْضُرْ لــنـا اللطفُ
أَمِتْنَا على الحُسنـى وثَبِّتْ جَوَابَنَا وعند دُخولِ االقبرِ يحْضُرْ لــنا اللطفُ
أَمِتْنَا على الحُسنــى وثَبِّتْ أقدامَنا وفي مرورِ الصراطِ يَحْضُرْ لـــنا اللطف
بِجَــاهِ إمامِ المرسلِـينَ مُحَمَّدٍ فلولاهُ عَيْنُ اللطjفِ مـا نزلَ اللطفُ
عَلَيْــهِ صَلَاةُ اللهِ مَــا قَـالَ مُنْشِدٌ أَلاَ يَالَطِيـــفُ يَالَطِيــفُ لَـكَ اللُّطْفُ
وفي ذات السياق مكَّنَنَا السيد عبد السلام بن تريفت من نصين للمرحوم الهاشمي السفياني، نقتصر في مقالنا على أحدهما؛ أحالنا عليه في طلبه السيد محمد الرحموني السالف الذكر، بعد ما أفادنا أنه للمرحوم الهاشمي السفياني، وأنه لا يتذكر إلا مَطْلَعَه، وقد وجدناه لدى السيد ابن تريفت محفوظاً، مخبراً إيانا أن غربة هذا النص تعود بالأساس لعدم تداوله من طرف أهل المديح والسماع منذ وفاة صاحبه. والنص هو :
يامحمدْ ما لي سوى قَصْدِي أنْ أزورَ حِمَـاكْ
أنتَ هُو حُجَّتِـي لكَ أُهْدِي سَلامـاً لِعُــلاكْ
……………………. …………….
……………………. …………….
ومُمِنّاً علـيَّ بِالْيُسْرِ لآفُوزْ بِالــوُصُولْ
راجياً أن تكونَ فِــي الْحَشْرِ شَفيعاً يَـارَسُولْ
يامُنَائِــيَّ ذاكَ هُــو قَصْدِي طالباً في رِضَاكْ
أنتَ هُو حُجَّـتِـي لكَ أُهْدِي سلاماً لِعُــلاكْ
وكما أفهمنا العارف السيد محمد الرحموني؛ فإن المرحوم السيد السفياني نظم هذا النص على غرار نص مشهور بين المادحين غيرُ معروف صاحبُه، مطلعه:
يامحمدْ ياجَوْهَرَةْعِقْدِي ياهلالَ التَّمَامْ
وشتان بين النصين شاعريةً ولغة؛ فنصُّ صاحبنا على تعبيره عن عاطفة حب الرسول عليه الصلاة والسلام، والتوسل به، واحترامه للقالب العروضي أصْلاً، فإنه يبقى دون النص الأصلي في بنائه اللغوي، وفي حرارة العاطفة المُعبَّر عنها موضوعاً. وربما كان هذا سبب غربة نص صاحبنا واحتجابه إلا من ذاكرة السيد ابن تريفت كمهتم محترف في المجال، والذي ذكر لنا أنه التجأ إلى مُلِمِّين في الميدان للاستعانة بذاكرتهم في بيتين نسيهما من النص، وهما الثالث والرابع ترتيباً فما أفادوه بشيء.
وللإفادة نورد النص الأصلي المعارَض إجلاءً لمعالمه، وإبرازاً لشأنه. يقول النص:
يامُحمدْ ياجَـوْهَـرَةْ عِقْدِي يــاهِــلالَ التَّمامْ
اَلمَحَبَّة قَدْ هَيَّجَــتْ وَجْدِي وَفَنَانــي الغَرَامْ
أنتَ أَسْكَرْتَنِـــــي عَلَى سُكْرِي مِنْ لَذِيــذِ الشَّرَابْ
ثُمَّ خاطَبْتَنِــي كَمَا أَدْرِي فَفَهِمْــتُ الخِطابْ
ثُمَّ شاهدتُ وَجْهَـكَ البَدْري عندَ رَفْـــــعِ الحِجَابْ
نِلْتُ سُؤْلي ومُنْتَهى قَصْدي وَبَلَغْـــتُ الْمَرامْ
قدْ شَغُفْـتُ بِدُرَّةِ المَجْدِ تاجِ الرُّسْـــــل الكـــــِرامْ
ويبقى السيد الهاشمي السفياني ممن برعوا في فن المديح والسماع بشفشاون، وتميزوا فيه حضوراً بما ملكوه فيه من رصيد كلامي معرفي، وموهبة فنية فذة تعدت في إيقاعها وإشعاعها مدينة شفشاون عن طريق التلقي عنه، ومن خلال شهرته التي أطبقت ربوع المغرب التي عرفت هذا الفن في أصالته، وعرفته فناناً مشاركاً في تجمعاته المتنوعة بمجالاتٍ مختلفة في مناسبات معينة، وليبقى ببلدته علماً مشهوداً له بالريادة بعد أستاذه سيدي مَحمد بالأمين العلمي بعد وفاته سنة 1973 رحمهما الله معاً بما قدموا من صالح الأعمال، وأجزل لهما الثواب بفضله.
الإحالات
1 ـ انظر في شأنه كتابنا عنه بعنوان: “الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون” 1914 ـ 1986. إصدار سنة 2009. وكان الكتاب معتمدنا في الكثير من الأخبار التي أوردناها عن المترجَم سياقاً.
2 ـ راجع في موضوعه ترجمتنا له في جريدة الشمال بعدديها: 1138 و1139/ 19 فبراير و 26 منه 2022.
3ـ فقراء الدليل: اسم فرقة اشتهرت في مجال الذكر والمديح والسماع، نأسست منتصف أربعينيات القرن الماضي، وعُمِّرَتْ حتى سنة 1979. للتعرف عليها إحاطةً بها يرجع إلى كتابنا: “الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون” 1914 ـ 1986. إصدار سنة 2009. ص: 37 ـ 55.
4 ـ جامع ابن يلون: مسجد صغير بُنِيَ في القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي. بمساحة 5م×7م، على مستوى بلاطين و يقع أسفل حي السويقة.
5 ـ عبد السلام حرازم: انظر ترجمتنا له في “جريدة الشمال”: العدد 1088 / 6 مارس 2021. ص:9.
6 ـ مما حدثنا به في موضوعه أخوه السيد محمد السفياني (تـ: 2004م) قيد حياته بتاريخ سابق عن وفاته رحمه الله.
7ـ براول: مقاطع منظومة في الدارجة المحلية تُنشد أزجالاً في نوبات موسيقية أندلسية.
8 ـ أحمد الوكيلي: راجع في موضوعه الإحالة رقم: 8، في ترجمتنا للسيد مَحمد بالأمين العلمي بالعدد 1138 / 19 فبراير 2022 . ص: 17.
9 ـ عبد اللطيف بلمنصور: ولد بالرباط سنة 1926، نشأ وتربى بين أحضان الزاوية الحراقية الشاذلية، في وسط صوفي متميز، أحد رموز المديح والسماع بالمغرب.. من أنشطته: إصدار كتاب الحائك محققاً بعنوان: “مجموع الأشعار والبراول المعروف بالحائك سنة 1977”. [مجلة: عوارف. ع: 3/2007].
10ـ عن جاره السيد علي بن محمد الرحموني العلمي (1979 ـ 1986). وهو من مواليد شفشاون سنة 1943م بإفادته لنا في جلسة كانت لنا معه موضوعاً ذات يوم من شهر أبريل سنة 2003 بمقهى ياسمينة بشفشاون، متقاعد عن وظيف كان له ببلدية شفشاون متعه الله بالصحة والعافية.
11 ـ عن الشيخ حمزة شقور العلمي صدر الزاوية الشقورية اليوم حفظه الله.
12 ـ رحوم البقالي: فنانة رائدة ومبدعة في مجال الحضرة الشفشاونية، من مواليد شفشاون سنة 1965، متخرجة من المعهد الموسيقي بشفشاون في تخصص العود. لمعرفتها: يُرجَعُ إلى ترجمتها في كتابنا: [“شفشاون : ظواهر وعادات من معالم التراث اللامادي. الجزء الأول/ ملامح من التراث الروحي: “مبحث الحضرة النسائية الشفشاونية. ص: 107 ـ 114”. إصدار سنة 2016.]
13 ـ الحضرة النسائية: وصلة من الأذكار الصوفية القائمة على المديح النبوي ومدح آل البيت تؤديها فرقة االحضرة بإنشادٍ مصاحَب بالضرب على الطبل والدفوف والتعاريج، و تتوج بالقيام إلى رقصة جماعية بطقوس معينة وبترتيب معين محفوظ كلاماً وحركات. راجع في موضوع هذه الحضرة كتابنا:
14 ـ محمد الرحموني: راجع في موضوعه في الإحالة رقم: 5، في ترجمتنا للسيد مَحمد بالأمين العلمي بالعدد 1138 / 19 فبراير 2022 . ص: 17.
15 ـ العياشي الشلياح: من تلامذة المرحوم السيد الهاشمي السفياني في فن المديح والسماع، وأستاذ من أساتذة هذا الفن اليوم بشفشاون. وقد انتهى به نشاطه العملي معلماً بكتاب الحسن الثاني للتعليم الأولي إلى الآن. زاد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية.
16 ـ أحمد أجبار: من كبار المولعين بفن المديح والسماع والمُعتمَدين فيه بشفشاون. وحسب إفادته لنا بتاريخ سابق؛ فهو من مواليد سنة 1931م ببشفشاون. وهو اليوم متقاعد عن إمامته راتباً بمسجد العمارتيين المعروف بزاوية مولاي التهامي أطال الله عمره.
17 ـ هو السيد المفضل ابن تحايكت: من المولعين بالطرب الأندلسي والسماع. توفي رحمه الله ـ حسب جريدة: صدى شفشاون. ع: ماي/2000م ـ في: 17/4/2000م. عرفناه قيد حياته موظفاً بنظارة الأوقاف بشفشاون.
18 ـ التهامي بن التهامي العلمي: توفي سنة 1984 حسب مذكرة السيد الهاشمي السفياني (تـ: 1986م). كان رحمه الله من كبار المولعين بالمديح والسماع، والظاهرين فيه على مستوى المدينة حفظاً وأداءً.
19 ـ الحسن ابن عزوز: توفي رحمه الله برواية ولده الأستاذ السيد عبد الرزاق سنة 1978م، كان من المعدودين في فن المديح والسماع ـ قـَيْدَ حياته ـ بشفشاون. عرفناه موظفاً ببلدية المدينة.
20 ـ مذكرة الهاشمي السفياني: هي كناش بيوميات تخص المنسوب اليه المرحوم السيد الهاشمي السفياني المتوفى سنة 1986م، وينحصر تاريخ مضمونها بين 1969م و 1985م. [للتعرف على المذكرة أكثر يُرجع الى كتابنا: “الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون” الصادر سنة 2009. ص: 33- 34].
21 ـ محمد بلمختار العلمي: راجع في شأنه مقالنا عنه في جريدة الشمال الصادرة بطنجة في عددها 1022/ 3 ـ 9 ديسمبر 2019. ص: 14.
22 ـ هو الفقيه العلامة المرحوم السيد: محمد بن عبد السلام السفياني. ولد سنة 1927م بشفشاون، عالم فاضل، وملمٌّ جيد بفن المديح والسماع ونوبات الموسيقى الأندلسية وطبوعها. توفي رحمه الله سنة 1425 هـ،/ 2004م.
23 ـ هو الأستاذ السيد: عبد العزيز بن عبد الجليل، ولد سنة 1931م بفاس، عمل مديراً للمعهد الوطني للموسيقى، وشارك في عدد من الندوات والمؤتمرات العربية والدولية ، نشر عدداً من الدراسات والبحوث ، ومن كتبه: ” التربية الموسيقية لمعلمي المدارس الابتدائية “.الدار البيضاء 1966، و”الموسيقى الأندلسية المغربية – فنون الأداء. سلسلة: عالم المعرفة. ع: 129. سبتمبر: 1988”. ومن هذا الأخير أخذنا هذه الترجمة عن الكاتب. ص: 263.
24 ـ أحمد عيدون: من مواليد مدينة الخميسات سنة 1952، باحث متخصص في الموسيقى الأندلسية، له أبحاث ومشاركات تنظيرية بمهرجانات ولقاءات وطنية بمدن مغربية كفاس وشفشاون. [الهامش: 61 من كتابنا: “الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون”. إصدار سنة 2009. ص: 22].
25 ـ عمر الفران: اسمه الكامل – مما أفادنا به الأستاذ محمد بالمختار العلمي ـبتاريخ: 10/4/2008 مصححاً محققاً- هو: عبد المجيد بن عمر ، ولقبه : الفران، وأصله من مراكش، وهو أحد منشدي جوق الوكيلي.
26 ـ عبد السلام بن تريفت: من مواليد شفشاون يوم 23/03/1956 بإفادته، متقاعد عن وظيفته بجماعة شفشاون، من تلامذة السيد الهاشمي السفياني الظاهرين على يده في مجال “السماع والإنشاد”، ومن المعدودين في الميدان عندما يتعلق الأمر بتمثيل المدينة شأناً في المناسبات الدينية والوطنية. مكننا مشكوراً من النصين المذكورين مما لم نجده إلا عنده، و ذلك بتاريخ 23/12/2005.
ذ.محمد ابن يعقوب