- رباط قلعة الخروب في العصر الوسيط وإمداداته العسكرية تجاه الثغور الشمالية المحتلة.
الخروب قرية وقلعة، وقاعدة جبل الحبيب الجهادية ببلاد الهبط، عرفت بهذا الاسم منذ العهد الإسلامي الأول حسبما أخبرنا به عبيد الله البكري، وقرية الخروب التي كانت نقطة عبور بين الشمال والجنوب، إذ أنها كانت محطة تجارية بين فاس وطنجة شمالا وتطوان وسبة شرقا .
وحسب التقسيم الإداري الحالي فإن قلعة وقرية الخروب تقع على السفح الشمالي الغربي من جبل الحبيب الأصلي (جبل الحبيب الفوقي) ضمن الجماعة الترابية (جبل الحبيب) من أقاليم تطوان، وقد تشكلت بهدا القسم من الجبل مجموعة سكانية عرفت مند القرون الأولى، إذ اشتهرت به قبل القرن الرابع الهجري ( 10م )، وخلال القرن العاشر الهجري ( 16م ) أمكن لنا عد سبع قرى مستقرة بالقسم الفوقي، الجبيلة، والريحانة، وأخشابش، والروسييش، وتازروتان، والفلالسة، لكن قرية الخروب كانت أهمها وأشهرها والدالة عليه، وحسب البكري فهي قرية ابن الخروب، حيث قال « … ثمّ الطريق كما تقدّم من سبتة إلى طنجة حتّى تأتي فجّ الفرس، ثمّ إلى فجّ الصاري بطرف جبل حبيب، وبسند هذا الفجّ ممّا يلي الجوف حارة تعرف بمراد، وبين هذا الفجّ ومدينة أفتيس مرحلة. ثمّ من أفتيس كما تقدّم آنفا. وبين الفجّ وأفتيس قلعتان إحداهما قلعة ابن خرّوب المذكورة »[1].
وتوجد دور قرية الخروب اليوم موزعة على ارتفاع 400م، منتظمة بالمنحدر الدي يخترقه وادي صغير سريع الجريان يسمى (واد الخروب) وهو ليس الوادي الكبير الدي يسمى أيضا بواد الخروب في المصادر البرتغالية عن العصر الوسيط.
وعرفت القرية بقرية الخروب من باب إطلاق الكل على الجزء، حيث كان الجبل يعرف بجبل الخروب في القرن السادس عشر الميلادي، وهو ما نجده في المصادر المغربية ﻛ (مرآة المحاسن ) والمصادر البرتغالية ﻛ (حوليات أصيلا، لبرناردو رودريكس) وما عرف الجبل ﺑ (شجرة الخروب)، حيث يقول صاحب (حوليات أصيلا) برناردو رودريكس : « (…) وظهر من جهة شجرة الخروب »[2] و « (…) وراء أصيلا يمتد جبل حبيب، المعروف جيدا من خلال شجرة خروب تعلوه، تبدو للبحارة من مسافة خمس عشرة الى عشرين ليكوا »[3] أي ما بين 75 و 85 كيلومترا، وإﺫ كانت ترى من العرائش، فتكون بوصلة لسفن المسلمين والبرتغاليين.
ويقول المؤرخ عينه في موضع آخر من كتابه : « (…) جبل يسمى جبل حبيب الدي يسمى كدلك جبل الخروب، لوجود شجرة خروب كبيرة في قمته تعرف المنطقة بواسطتها، لأنها تشاهد من البحر على بعد عشرين ليكوا [110 كلم]، ويعتمد البحارة عليها في التوجه عند مدخل المضيق (…) وتنتشر في نفس الجبل قرى أخرى، كانت قرية الخَرُّوب أكبرها (…) »[4]، وبها « مطاحن الماء، الموزعة على ضفاف الأودية، وهي تختص بطحن الحبوب »[5].
وأما عن تشكل عمرانها في العصر الوسيط فليس كما وصفها وجبل الحبيب ككل المؤرخ زورارا في معرض الحديث عن هجوم على قرية الخروب سنة 1462م من قبل برتغالي القصر الصغير إذ قال : « (…) جبل الحبيب (…) منطقة كثيرة العمران بسبب خصوبة أراضيها »[6]، فلا يعود السبب فقط إلا خصوبة أراضي القرية ولا الجبل عامة، وإنما أيضا بما شهدته القرية من هجرات مكثفة من سكان مدينة طنجة بعد سقوطها في أيدي البرتغاليين.[7]سنة 1471م، لكن بلا شك تضاعف العدد بسبب الهجرات الاندلسية، فقد توافدت عليه واستوطنته بعد سقوط الأندلس عوائل أندلسية، ابتداء بهجرة اشبيلية وهجرة سقوط غرناطة، الى آخرها سنة 1609م نتيجة عملية التهجير القسري التعسفي على يد محاكم التفتيش الظالمة، وتعد سنة 1609م تاريخ طرد آخر العناصر الموريسكية من الأندلس من طرف الملك فيليب الثالث، لكن تبقى أهم فترة في تاريخ القرية هي فترة هجرة بعض القرى الأنجرية والفحصية والحزمرية والمصورية والغربية إليها، فبعد احتلال القصر الصغير سنة 1458م ضاعف البرتغاليون ضغوطهم ضد قرى بني حزمار بهدف احتلال طنجة البالية، فكانت النتيجة هجرة عدد من الأسر نحو الجبال الجنوبية ومنها جبل الحبيب بقرية الخروب خاصة، ويمكن الإشارة إلى أهل واد أليان، وخاصة سكان جبل ابن العيش، وإلى أهل فحص طنجة أمثال : سط، وعمر، والنخلة، والعنصر، وشجرة التين، وبني مكادة، ونضيف إليهم أهل غاروزم الشرفاء العلميين الشفشاونين. فكان لهدا وللهجرات الاندلسية خاصة سنة 1492م عند السقوط الغرناطي علاوة على احتلال الثغور الشمالية الغربية المغربية الأثر الكبير في تشكل النسيج الديمغرافي لقرية الخروب.
وأما عن إلاحصاء الرسمي لساكنة الخروب في العصر الوسيط فمن الصعب التكهن في دلك، لكن إدا كان الإحصاء الشبه الرسمي لساكنة اصيلا بالكتب التاريخية المغربية والأجنبية بلغ عند اقتحامها 5000 نسمة فلن أبالغ في القول أن جبل الحبيب كان تترواح نسماته بين 1000 و1500 نسمة ( 30 بيتا ضرب 5 اشخاص ضرب 7 قرى ).
ومن جهة إدا كنا متفقين على أن اختلاف أدوار الجبال المغربية بالنسبة للجهات التي تنمتي إليها راجع الى الظروف التاريخية المتأثرة بها أمكن لنا هنا ملاحظة أن دور قرية الخروب بجبل حبيب من خلال قلعته برز خلال الفترة الممتدة بين احتلال البرتغاليين لمدينة سبتة سنة 1415م وجلائهم من مدينة أصيلا سنة 1550م، حيث كانت قلعة قرية الخروب منطلق عمليات امراء بني راشد في اتجاه طنجة وأصيلا وتقع على بعد 40 كلم من تطوان.
وفي المقابل تأثرت القرية بالغزو البرتغالي لأصيلا وطنجة وتحصن أهلها بالقلعة المعروفة بنفس الاسم بقرية الخروب، ولم يعد إليها أهلها إلا بعد الجلاء عن أصيلا 975ه – 1550م، ولسنا على بينة من الدور التاريخي المرتبط بالقرية إلا في اطار المحيط الجغرافي للقبيلة كلها، وكل ما نعلم عنها في الأخير سوى أنها كانت في بداية القرن العشرين تضم 46 كانونا، وعانت ما عانى منه الجبل من الغزو الاستعماري الاسباني في مستهل عهد الحماية.
ولقرية الخروب قلعة عتيقة احتفظت بشهرتها القديمة منذ الفتح الإسلامي. وحصانتها الطبيعية المستندة الى موقعها المرتفع بظهر جبل الحبيب بعلو 915م. عرفت من طرف البحارة الأجانب بارتفاع باسق لشجرة الخروب بأعلى قمة جبل الحبيب بجوار ضريح المجاهد الكبير والشهير فاتح فتوحات بالاندلس وإفريقيا وصقلية حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري القرشي، وقد اتخذوا منها منارة برية للدلالة عليه. اذ انها كانت تشاهد من عرض بحر المضيق.
وبقلعة الخروب انشأ العقل المدبر لحركة الجهاد بالشمال الغربي المغربي سنوات (1415 – 1440م) حاكم طنجة وأصيلا المريني صالح ابن صالح العزيفي الياباني المتوفى عام 844 ه – 1440م قصره قبل سنة وفاته في وقت لم تشير إليه المصادر التاريخية، ليكون مقر إحدى زوجاته حماية له ولأهله، إذ كان على خلاف مع أبي عمرو لدرجة أنه « قتل عددا كبيرا من السكان المستقرين بجهة سبتة، من بني حزمار وأنجرة (…) ونهب المنطقة كلها، وأسر عددا كبيرا من سكانها لمساندتهم للملك بوعمار، كما اطلعوا [بعض الأسرى] الكوند [قبطان سبتة] على أمور أخرى، مما جعله يأخذ حذره »[8].
ويظهر أن صالحا كان له اهتمام بجبل الحبيب، فهو الذي أعاد بناء قلعة الخروب هناك كما يتضح، فأضحت مقرا جهاديا لتنظيم الغازات على سبة منذ احتلالها سنة 818 ه – 1415م وعلى اصيلا إلى إخلائها سنة 1550م – 857ه، ومن ثم طنجة الى استرجاعها من يد الانجليز.
ولا ننسى أن قرية الخروب الذي أدارتها شفشاون العلمية خلال القرن العاشر الهجري (16م) كانت مقر القيادة الجهادية لعدد المقدمين الهبطيين المتعاقبين على تسيير شؤون الجهاد خلال هذه الفترة .
واشتهر سهل الخروب الفسيح بين شفشاون و طنجة واصيلا كخط للمواجهة بين المجاهدين من امراء بني راشد وغيرهم بين البرتغاليين، حيث كانت قرية الخروب رابطا جهاديا وقلعة عسكرية – في ظل الإمارة الشفشاونية – لانطلاق الهجمات والغارات منها تجاه أصيلا وطنجة خاصة، بإشراف أمير شفشاون، باعتباره القائد الأعلى للقلعة، وبتدبير أحد قواد الجبل (كعلي مارتين ابن مدينة خريس الإسبانية)، أو مُقَدَّمِيهم، كعلي الرواس، أو عبد الملك الخمليشي…، فكلما استشهد أحدهم عيَّنَ أمير شفشاون خلفا له من فرسان الجبل الأشداء في الأغلب، فمن قرية الخروب وقرى الجبل « (…) انطلق أولائك المقدمون والفرسان الشجعان، الدين ذكرت بعضهم سابقا، كان من بينهم علي مكيك (…)، وتميم حريش، والوسطاسي، وعزوز الكبير، والرواس، وعلي بن يعيش، وعبد الملك (…)، وغير هؤلاء كمحمد يونس، وعلي سعدان، والنجار (…) وهم يستحقون أن تخلد أسماؤهم لشجاعتهم الكبيرة ولفروسيتهم …»[9].
احتفظت قلعة الخروب بمكانتها الى العهد السعدي منذ وصولهم الى الشمال الغربي المغربي سنة 1549/956 . وكانت القلعة بعد الجلاء البرتغالي تابعة لحاكم اصيلا الأول عبد الواحد العروسي ثم لخلفه عبد الرحمن تودة العمراني حوالي سنة 1554.
غير أننا نجهل مصيرها بعد ذلك، إذ أن التاريخ يتحدث عن جبل الحبيب بدون الإشارة عن القلعة . وغير بعيد أن ما تعرضت له من الإهمال أدى بها إلى الاندثار التدريجي. ولا تزال آثارها في الوقت الحاضر. بعيدة عن الأنظار. معلقة في أعلى جبل الحبيب متداعية العمران. وبجوارها ضريح حبيب بن يوسف الفهري.
وارتباطا بشهرة القلعة والقرية سمي النهر المحيط بجبل الحبيب من الجهة الجنوبية بواد الخروب او الواد الكبير، وهو ينبع من بني احمايد ويتصل بواد الحريشة عند نهاية جبل حبيب التحتي ليشكل معا رافد واد تهدرات ويصبان شمال أصيلا.
[1] – المسالك والممالك، أبو عبيد البكري الأندلسي، دار الغرب الإسلامي، عام النشر: 1992 م، 2 / 795 .
[2] – حوليات أصيلا (1508-1535م) (مملكة فاس من خلال شهادة برتغالي)، برناردو رودريﮝس B. Rodrigues، تعريب الدكتور أحمد بوشرب / دار الثقافة، الطبعة الأولى 2007 م، ص 283
[3] – نفسه، ص 300
[4] – نفسه، ص 442
[5] – نفسه، ص 343
[6] – شمال المغرب من خلال مصادر برتغالية (1415 – 1490م )، نقلا عن ( تاريخ الكونت دوم بيردرو دي منيزيش، جوميز إيانس دي زورا) طبعة ودراسة من قبل مؤسسة ماريا تيريزا بروكاردو، لشبونة، ومؤسسة كالوست جولبنكيان والمجلس الوطني للبحث العلمي والتكنولوجي، 1997، القسم الثاني، الفصل 113، ص 288
[7] – وصف افريقيا، الحسن الوزان، 1/323
[8] – شمال المغرب، ص 177.
[9] – حوليات أصيلا الكتاب الثالث، الفصل الخامس، ص 442 – 443
محمد أخديم