(…) تتمة
- إجراءات حربية بمعسكر الخروب بجبل الحبيب ضد الوجود البرتغالي بالثغور الشمالية الغربية المحتلة بعد انقضاء الهدنة الوطاسية البرتغالية سنة 1500م.
نتيجة الاحتلال البرتغالي لمدينتي أصيلا وطنجة وعملا باتفاق هدنة 24 غشت 1471م التي أبرمها ملك البرتغال ألفونسو الخامس مع السلطان الوطاسي محمد الشيخ والتي تضمنت « أن تدين بالولاء للملك البرتغالي كل القرى التابعة لكل من أصيلا وطنجة [كقرى جبل الحبيب السفلي]، وأن تخضع للمدينتين لمذكورتين »[1]، ينبغي الإشارة إلى الظروف الجديدة التي أحاطت بجبل الحبيب الذي يتصدر العمليات الجهادية في وجه كل من المدينتين المحتلتين المقابلتين له من الغرب والشمال على التوالي، فمند احتلالهما ورغم الهدنة فلانعدام قوة مغربية رادعة بالشمال الغربي استغل برتغاليو أصيلا – خاصة – ضعف السلطة المركزية ومساعدة بعض المقدمين المغاربة المتنصرين لانتهاجه سياسة الأرض المحروقة والقيام بغارات خاطفة ووحشية وصلت عدة مرات إلى قبائل جبل الحبيب وبني عروس وبني كرفط وبني ومراس وغيرها، وإلى مدن القصر الكبير والعرائش وأزجن، وكانت هده الغارات تنتهي في الغالب بمفاجآت للسكان، وبأسر المئات منهم والاستيلاء على أنعامهم، غير أن المقاومة الشعبية المؤطرة من لدن الفقهاء والمتصوفة من جهة، وقواد شفشاون القصر الكبير وتطوان وجبل الحبيب سرعان ما أكرهتهم على الانكماش داخل أسوار أصيلا، وزاد من مفعولية المقاومة الشعبية اعتلاء محمد الشيخ الابن المدعو ﺑ (محمد البرتغالي) العرش الوطاسي مستهل سنة 1500م بعيد انقضاء فترة الهدنة البرتغالية الوطاسية التي أبرمها أبوه.
ومن أبرز الإجراءات العسكرية المتخدة بالرباطات العسكرية بالشمال الغربي المغربي لمواجهة الغزو البرتغالي التالي :
- – تأسيس نظام العمال والشيوخ برباطات الشمال الغربي المغربي.
من بين الاجراءات العسكرية الجديدة التي عرفها الشمال الغربي المغربي نظام العمال مطلع القرن السادس عشر الميلادي، حيث عمل قواد مدن شفشاون والقصر الكبير وتطوان بتعيين عمال برباطات نفودهم الترابي، فقد عين قائد القصر الكبير طلحة العروسي عاملا له على رباطي بني عروس وبني كرفط، وهو المسمى سلام الغياتي، فيما عين الشيخ زيان على قبيلة بني زكار، وأحسبه كان عاملا على أهل سريف وبني يسف أيضا.
بينما سيعرف جبل الحبيب تعيين ابن مدينة خريس الأندلسية (الإسبانية) علي مارتين المدعو ﺑ (مارتينو لعلج) عاملا عليه سنة 1516م من قبل الإمارة الشفشاونية.
2 – تأسيس نظام المقدمية برباطات الشمال الغربي المغربي.
إلى جانب القصر الكبير عرف رباط الخروب بجبل الحبيب تأسيس نظام المقدمين مطلع القرن السادس عشر الميلادي ابتداء من سنة 1501م أو 1502م، فنتيجة للاحتلال البرتغالي الغاشم لمدينتي أصيلا فطنجة ومعاهداته المتجددة المجحفة ظهر بالجبل منداك فرسان شجعان ومحاربون جريؤون ومقدمون مرمقون يتقدمونهم ويوجهونهم خلال الغارات الحربية والهجمات والعسكرية على الثغور المحتلة، ولمواجهة الوجود البرتغالي وصده عن التوسع نحو الداخل المغربي والعمل على طرده من سواحله إلى جانب كل من نهض لدلك من أبناء المغرب الأحرار وقتها، ومن المعلوم – وهده ملاحظة ينبغي تسجيلها – أن جبل الحبيب كان من الجهات السباقة الى تأسيس نظام المقدمين خلال المرحلة الثانية لجبل الحبيب (1471 – 1550م)، إﺫ أنه بدون أي منازع الجبل الوحيد المتزعم لحركة الجهاد في الشمال الغربي المغربي، بعد الوهن الذي أصاب كل من جبل مجكسة وأنجرة و واد راس خلال المرحلة السابقة من القرن الخامس عشر، وعلى الرغم من أننا نسجل أول اهتمام محمد الشيخ الوطاسي بترتيب المقدمين ابتداء من سنة 1502م من خلال المقدم علي مكيك، إلا أننا نعتقد أن الأمر لا يعدو كونه مجرد إعادة لدلك الترتيب فقط، سيما وأننا نعلم أن الإمارة الشفشاونية بقيادة علي بن راشد كانت دائبة النشاط الجهادي قبل هدا التاريخ مند سنة 1471م، سواء ضد طنجة أو أصيلا، ولم يكن في إمكانها الاستغناء على مواقع جبل الحبيب، وحاجتها إلى قائد يضبط شؤونها الجهادية، ومقدم يتقدم محاربيه وفرسانه، وأن جبل الحبيب كان يجاهد على أكثر من جبهة محتلة خاصة جبهتي طنجة وأصيلا المجاورتين للجبل، فيما كانتا جبهتا سبتة والقصر الصغير بعيدتين شيئا ما عنه من جهة، وتخضعان لغارات حاكم تطوان أبي علي المنظري وهجماته من جهة أخرى، وهدا يحتاج من الجبل توفره على عدة مقدمين معاصرين يتولون قيادة محاربيه في الغارات والهجومات على الثغور المحتلة. كما ثبت من جهة مشاركة ثلاث مقدمين من جبل الحبيب سنة 1526م في حملة على أصيلا للملك الوطاسي أحمد بن محمد البرتغالي، وهم علي بن يعيش ومحمد يونس وعلي سعدان.
وزيادة في تأكيد تعددية المقدمين بجبل الحبيب في فترة واحدة نستدل بقول المؤلف في سياق حديثه عن تمجيد المقدم عبد الملك الخمليشي الآتي الدكر والإشادة بمجموعته : « لا ينطبق على محاربي جبل حبيب المثل الشائع بيننا القائل بأن : ” قبعة واحدة لا تسع رأسين “، فقد كان جل المشاركين في مجموعته من المقدمين العارفين معرفة جيدة بميداني طنجة وأصيلا، ومع ﺫلك كانوا يتشاورون فيما بينهم، ولا يختلفون أبدا، ويوافقون على كل رأي سديد ويسارعون إلى تنفيذه، وقد اعتدنا كلما قتلنا أحدا منهم أو أسرناه أن نلقبه بالمقدم، وعلى الرغم من أن “علي بن يعيش” و “محمد يونس” و “علي حراش” و”الأطرش” كانوا جميعهم مقدمين من جبل حبيب، فإنهم كانوا جميعا يأتمرون بأوامر عبد الملك، ويعترفون بشجاعته وجرأته، على الرغم من قصر قامته، وجسمه النحيف (…) »[2].
تناوب على رئاسة الجهاد بجبل الحبيب – في ظل الامارة الراشيدية الشفشاونية – أسر معروفة لدينا، كبعض العروسيين (علي مكيك 1502 – 1508م) و ( علي بن يعيش 1526 – 1534م)، والرواوسة العلميين (علي الرواس 1514-1519م) ، وبعض الريفيين الخمليشيين (عبد الملك الخمليشي 1519 – 1526م)، وغيرهم…
وقد أحصينا من خلال المصدر التاريخي البرتغالي (حوليات أصيلا) عشرة مقدمين على جبل الحبيب استشهدوا كلهم بميداني طنجة وأصيلا ما بين (1501 – 1534م).
وإن كان مؤلف حوليات أصيلا برناردو رودريكس اقتصر على ﺫكر أخبار مقدمي جبل الحبيب وأعمالهم ضد الثغور المحتلة بالشمال المغربي ابتداء من سنة 1514م، واختفت عنا أخبارهم مند سنة 1534م، فقد غابت عنا – من جهة ثانية – أخبار مقدمي الجبل مند الاحتلال البرتغالي لأصيلا سنة 1471م إلى حدود المقدم الأول المسطر بالحوليات والمعين سنة 1501م من طرف محمد الشيخ الوطاسي الأب ( ﺗ سنة 1505[3])، بل غاب دلك عنا إلى حدود سنة 1508م بالأحرى، سنة شروع سرد صاحب الحوليات لأحداث أصيلا وأحوازها، إلا ما أطلعنا عليه من القائمة التي قدمها لنا ما بين سنوات )1508 – 1535م(، والحق أنه رغم تنقيبنا في حولياته المقتصرة على النطاق الزمني المبتدإ به انطلاقا من سنة )1508م( فإن أول ما سطره عن مقدمي الجبل هو “علي الرواس” رحمه الله انطلاقا من سنة 1514م، أي أنه قد غاب عنا الاطلاع على مقدمي الجبل وأعمالهم لست سنوات )1508 – 1514م(، فهل حالت أعمال علي الرواس وشهرته دون تسطير صاحب الحوليات لأعمال من سبقوه من مقدمي الجبل ؟ أم أن المؤلف ما كان ليدون أعمال جبل الحبيب بالأحرى لولا المقدم الرواس الذي فرض عليه لشهرته تسجيل إنجازاته وإنجازات من بعده من المقدمين وشيء عن ما سبقه من أحداث بجبل الحبيب مبثوثة بين الصفحات دون روابط ولا إطار زماني يحددها ويحتاج من ناحية جهدا لجمعها وترتيبها، ثم ما هي إلا أسطر في نهاية الأمر؟ أم أن المؤلف الجندي – لصغر سنه وقتها وعدم مشاركاته في الغارات والهجومات – تعذر عليه جمع شهادات معاصري المقدمين الجبلحبيبين الدين سبقوا الرواس كيما يدونها وقتها كما قام مع بعض مقدمي أصيلا من عملائها المغاربة الكرفطيين المتنصرين كونصالو فاش وبيرو دو منيزش؟
ومع كل هدا لم يمنعنا الاطلاع على مقدمي الجبل عن السنوات الاثنا عشر )1502 – 1514م( السابقة على المقدم الداهية علي الرواس، وإن كانت ليست إلا نتفا مبثوثة – بشكل عابر – بين طيات الحوليات دون أي رابط زمني متسلسل أو أحداث منتظمة تجمعها، وقد لاقينا في هدا صعوبة بالغة في جمع شتاتها وتحديد زمانها كما سيأتي، خصوصا وأننا نعلم أن الموت لم يمنح صاحب الحوليات فرصة النظر في مسودته كيما تصل إلينا على غير حالها اليوم.
وإن لم نعلم أسماء البعض منهم ولا أعمالهم فإنه من الإنصاف ألا نغفل تسطير سطور عن من وقفنا عليهم من البعض الآخر الدين حفظت لنا حوليات أصيلا شيئا عن أحداثهم على استحياء، بل حري بنا هنا أن نوثق ما تجلى لنا من غاراتهم على الثغور المحتلة ونسجل ما تحصل عن مشاركاتهم ضمن الحملات العسكرية الوطاسية التي شنت على أصيلا أو طنجة، أو عند هجومات قواد مدن الشمال المغربي عليهما، أو تلك التي كانت يخوضونها ببسالة وجرأة كبيرتين رفقة أمراء شفشاون، المولى علي بن راشد، ومن ثم ابنه المولى إبراهيم، فالمولى محمد بن إبراهيم، باعتبارهم القواد الأعلى لجبل الحبيب مركز الحركة الجهادية بالشمال الغربي المغربي العصر الوطاسي كله، بل من الواجب علينا أن نسجل الجهود العسكرية لهؤلاء الأمراء بجبل الحبيب وإسهاماتهم في الدفاع عنه من غارات العدو البرتغالي وحمايته من الهجومات الفردية أو المشتركة بين برتغالي أصيلا وطنجة كما سيأتي.
ولصد العدوان ومواجهة الاحتلال كان لابد أن يتعاقب على « (…) جبل حبيب (…) المقدمون والفرسان الشجعان (…) علي مكيك (…) وتميم حريش، والوسطاسي، وعزوز الكبير (…) والرواس، وعلي بن يعيش، وعبد الملك (…) وغير هؤلاء كمحمد يونس، وعلي سعدان، والنجار، وقد قتل هؤلاء جميعا طعنا بالرماح في ميداني أصيلا وطنجة، وهم يستحقون أن تخلد أسماؤهم، لشجاعتهم الكبيرة ولفروسيتهم »[4]. زيادة عن علي حراش، وعبد المعطي، والمدعو أليما، والأسرة النجارية (يعقوب وعمر وابنه الحسين)، ممن اطلعنا عليهم و وقفنا على شيء من أعمالهم الحربية بميداني أصيلا وطنجة، يضرب لهم ألف حساب لإرعابهم الثغور الأربعة المحتلة، وهو ما سطره الجندي البرتغالي “برناردو رودرﻳﮝس” فقال « كان شائعا بيننا وبين المسلمين على السواء من أن سكان جبل حبيب فرسان ومحاربون »[5].
وقد كان هؤلاء الفرسان والمحاربون تحت إمرة مقدم، ويصاحبونه في حركاته الحربية أينما ولى وارتحل، ولم يكن يتجاوز عددهم العشرون عند الغارات على أصيلا أو طنجة أو القصر الصغير، ولم يكونوا كلهم من أبناء البلد، بل معظمهم كان من مهاجري الاندلس، وبعضهم من القبائل المجاورة كبي ومراس وبني مصور وبني احمايد وبين يدر وبني عروس والاخماس وبني حسان، ومن بادس وبعض الريفين، بل كان جبل الحبيب يتعزز أيضا بفضل رجال يقدمهم جامع القرويين، ولم يكن عدد الفرسان بالجبل يتجاوز أربعين فارسا، ومعظمهم كان من قرية الخروب والريحانة والجبيلة.
والحق أنه ينبغي أن نقف عندهم وأن تسجل وقائعهم واحدة واحدة، وقصدي من ذلك تسطير فضل هؤلاء علينا، تجسيدا لثقافة الاعتراف للتضحية التي بذلوها من أجل الدين والوطن، وأن لا تضيع مساهماتهم دون أن تذكر، ونذكر بها الأجيال الحاضرة واللاحقة، وأن هوية الوطن ووحدته لم تكن بالأمس سهلة المنال، ومن ثم من أجل تنوير مسؤولي الشأن المحلي بجبل الحبيب وإثارة انتباههم لهاته الشخصيات التي لها فضل على الجبل، وحيث وجب تخليد أسمائها بإطلاقها على شوارع وأزقة الجبل، عرفانا لهم على ما أسدوه له عوض تسميتها بالأشجار والورود والأزهار… فتخليد أسمائهم يربطنا بماضينا التليد.
- مساعدات مالية وعتادية ورجالية لرباط الخروب من طرف جامع القرويين وإمارة شفشاون.
سيتعزز رباط الخروب المركز الجهادي بجبل الحبيب أكثر عهد دولة بني الوطاس – وبالأخص فترة السلطان محمد البرتغالي – بفضل المساعدات المالية والعتاد الحربي التي يقدمها نظام جامع القرويين – بفضل نظام أحباسه – من أفراس وتسليح مجاهدي الجبل بالرماح والزرود والسيوف والخناجر والجزمات، كما كان له دوره الكبير في مساندة الجبل بالرجال كالمقدمين (عزوز الوطاسي الكبير 1511- 1514م)، والوطاسي الصغير.
كما كان لأمراء بني راشد بشفشاون فضل هو الآخر على رباط الخروب بإمداده عتادا ورجالا ومالا وبتحرير أسراه، خاصة فترة إمارة المولى إبراهيم بن علي بن راشد (1516 – 1539م).
[1] – حوليات أصيلا (1508 – 1535م) (مملكة فاس من خلال شهادة برتغالي)، برناردو رودريﮝس B. Rodrigues، تعريب الدكتور : أحمد بوشرب / دار الثقافة، الطبعة الأولى 2007 م، الكتاب الأول، الملحق الاول، ص 104.
[2] – نفسه، ص 333 – 334 .
[3] – يظن بعض المؤرخين أن وفاة محمد الشيخ الوطاسي الأب كانت سنة 1502م، وخلفه ابنه محمد الملقب ﺑ “البرتغالي” في نفس السنة، وإذا كان هدا الرأي صحيحا فالأغلب أن من قام بتأسيس نظام المقدمين – أو بالأحرى تجديده- إنما هو محمد البرتغالي لا أبوه، حيث عرف عن أبيه ضعفه الحربي تجاه البرتغاليين والتهادن معهم، فيما كان ابنه شديد الشكيمة عليهم ، لا يفتر عن محاربتهم وحصارهم مدة أربع وعشرين سنة (1502- 1526م)
[4] – حوليات أصيلا، الكتاب الثالث، الفصل الخامس، ص 442
[5] – نفسه، 244
محمد أخديم