تقديم:
هذه باقة نضرة، ومجموعة عطرة، من رسائل متبادلة بين الأديب الدبلوماسي الشريف التهامي أفيلال رحمه الله أيام دراسته بمدينة غرناطة نهاية الأربعينيات، وبداية الخمسينيات، مع والده وعمّه، تكشف لنا جوانب مهمّة من مظاهر حياة اجتماعية وثقافية التي كانت تربط غرناطة ببنتها تطوان..
-12-
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا ومولانا محمد وآله
ولدنا البارّ الأنجب، السيّد التّهامي رضي الله عنك ورعاك، والسلام عليك ورحمة الله.
وبعد، وصل مكتوبك من مدينة قادس التي اختارها الله لك مقرّاً جديداً لإكمال دراستك، والخير كلّه فيما يختاره الله، أنبأتنا فيه بخلاصة حالكم وترحالكم، وما أنتجه تطلّعكم على حالة العيش هناك، بالنسبة للطالب الغريب بالطرق الاقتصادية والمتوسطة، وأومأتم إلى موقع البلد وطقسه ومركزه، وحالة ساكنيه حسبما ظهر لكم لأوّل عبرة خاطفة، إنّا جدّاً فرحون بكلّ ما ذكرتم، وبالمقابلة الطّيّبة التي فاتحكم بها مدير الجامعة، مع قبولكم في مقاعد الدّراسة كطالب رسمي، وإنّنا لنأمل أن تصل من مدير جامعة غرناطة وثيقة الانتقال التي تخوّلكم بداءة الدّرس من حيث انتهيتم في تلكم الجامعة، مع الاعتداد بالسنوات الأربع التي طويتموها بها، لتكون سنوات الدّراسة منسجمة، ونأكّد عليكم في عمل وسيلة جديدة لاستعجال المدير الغرناطي في بعثها لكم. أمّا موضع الاستقرار فلا بدّ أن تزيدوا بحثاُ في المناسب لكم من الوجهتين، وجهة الصلاحية لسكنى الطالب الغريب، الكفيلة له بتأدية واجباته الدراسية على أتمّ الوجوه وأكمل الحالات، ووجهته الاقتصادية التي تناسب دائماً طالب العلم، وتفيدونا بذلك لنعمل فيه رأينا، على أنّنا نرى الآن مبدئيّاً أنّ المدرسة الدّاخلية الحكومية التي أشرتم إليها، مناسبة إن كان ممكناً من ناحية قانون المدرسة، وكنتم عازمين على القيام بأعباء شرائطها، أمّا الشاب الإسباني الذي قتلتم به وقت ترحالكم بدلاً من تلك السيّدة المثرثرة التي أراحت وأراحت، فلا بأس بمعاشرته الآن، وللضّرورة أحكام، وربّما نكتب لكم عن قريب رسالة توصية بكم، والاعتناء بكم لأحد المغاربة المتاجرين هناك، سيصدرها له أحد أصدقائه بطنجة، وقد كتبنا لكم هذا استعجالاً، ونطلب زيادة بيان عمّا ترّجح لكم أن يكون صالحاً للسّكن في هذه الأيّام التي قضيتموها هناك، والكتب قد بعثناها لكم أمس مع البريد، …فلتحسن لنفسك كما أحسن الله إليك، والسلام. في 25 صفر عام 1374هـ.
والدك
-13-
الحمد لله
الولد البارّ الشابّ المهذّب، مولاي التّهامي رعاك الله والسلام عليك ورحمة الله.
وبعد، وصل كتابك الذي اختصرت فيه حركة الرحلة اختصاراً، كنّا على علم به من البرنامج السّياحي، ومن الصور المبعوثة من كلّ بلدة نزلتموها، ولنا أمل أن تكونوا أسستم في مخيلتكم أو مذكرتكم ما يصح أن تبنوا عليه مذكّرة تحرّرونها لتاريخ دراستكم، ولمن لم يشهد الرحلة، وحسبه أن تلغى التلغرافات وبطائق الوصول. وإنا نهنّيكم بالتوفيق لتلكم السّياحة التي نرجو أن تكونوا أصبتم منها ما تتممون به الغرض من الدّراسة، وأن تكونوا قد اكتسبتم فيها قوّة جسم، ونشاط أعضاء، لمتابعة عملكم، ولأداء فرائض مولانا سبحانه في هذا الشهر العظيم على أكمل وجه، وأحسن حال، ونحن جميعاً بخير، والله يرعاكم ويرضى عنكم، والسلام.
في السبت 19 رمضان المعظّم عام 1373هـ.
والدك: عبد السلام أفيلال
-14-
الحمد لله وحده
محلّ الولد البارّ، الشّابّ الأنجب، السيّد التهامي رعاك الله، وسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
وبعد، فقد كان وصلني كتابك حول الحادث الذي ألمّ بساحتك، وقاك الله شرّه، وكنتُ أجبتُكم عنه حالاً، أعني قبل هذا التأريخ بنحو 18 أيام، بعد أخذ رأي الأخ سيدي محمد بأنّه لا يمكن أن يأذن في شيء يتعلّق بالعملية بدون استطلاع رأي الوالد، وأنّ الذي ترجّح عنده هو أن تستوثقوا بحزام هندي كدعامة للمحلّ المتفتّق، ثمّ تواصلوا الدّراسة، ولما تكون الرخصة الميلادية وتحضروا لدينا، يقام بإجراء هذه العملية بحضور الأهل والأصدقاء. وكنت اقترحتُ عليك أن تجيبني ليطمئن الخاطر من جهتك، وقد عجبتُ من إهمالك وتضايقك من أجله، وقد طلبتُ الاتّصال بك بطريق التيلفون البارحة، فألفيتُ الأمر متعذّراً بالحوادث الجوّيّة التي كانت ليلة الإثنين.
وفي هذا اليوم زارني العربي بنونة قادماً من الرباط يذكر أنّه استلم منك رسالتين بالحادث، وأنك لازلت تنتظر جوابي بالإذن في الإجراء العملي الجراحي…مدير البيت المغربي هناك بالمفاوضات مع نيابة التعليم هنا، واحرز على المأذونية المعلّقة على الإذن من جانب الوالد وأحد العمّين الخ.
وقد علمتُ من رسالتك له أنّ جوابي لم يصلك، وأنك لا تزال تنتظر، وإنّ هذا لأغرب شيء كان عليك، حيث لم يصلك جوابي أن تعيد الكتب بالتّأكيد لأسارع إلى إفادتك، لا أنّ تتقاعس وتتواني، ثمّ إنّ الذي يظهر لي هو ما أشرت به عليك من ملازمة الدراسة بعد التحزّم بالمنطقة الهندية التي يستعملها غالب المصابين بالفتق، بل ويستغنون بها عن إزالته، أمّا العملية فأنتم غير موافَقين عليها مطلقاً، ومدة الزيارة قد اقتربت، والشيء بسيط، ومقاومته أبسط منه، وممّا أفادني به بنونة أنّكم شرعتم في الدرس، ونعم ما فعلتم، والله يرعاكم…آمين.
21 صفر عام 1371هـ.
البشير
د. يونس السباح