تقديم:
هذه باقة نضرة، ومجموعة عطرة، من رسائل متبادلة بين الأديب الدبلوماسي الشريف التهامي أفيلال رحمه الله أيام دراسته بمدينة غرناطة نهاية الأربعينيات، وبداية الخمسينيات، مع والده وعمّه، تكشف لنا جوانب مهمّة من مظاهر حياة اجتماعية وثقافية التي كانت تربط غرناطة ببنتها تطوان..
–27-
الحمد لله وحده
ولدنا البارّ الزّكي الذّكي التّقي النّقي، السّيّد التّهامي رعاك الله، وعليك السّلام ورحمة الله.
وبعد، وصل كتابك بما تجدّد لأولي الشّأن هناك من الرّاي في برنامج رحلة الرّبيع في تلكم الجهات، وسواء أكانت تلك الرحلة شمالية أو جنوبيّة، شرقيّة أو غربية، أرضية أو سماوية، بريّة أو بحرية، سهلية أو جبلية، فإنّ التّنقّل إذا كان مبنيّاً على أساس علمي ومركّز على قواعد التّطبيق العلمي، هو لا شكّ من باب الدّراسة الفكرية، وتوسيع المدارك للتّلميذ من باب الاستجمام والمتعة وكفى. فإذا زاد التّلميذ المتجوّل من الاستفادة، وساعدته ظروفه وقوانين الجولة، فاتّخذ له مذكّرة لما يقع تحت بصره وسمعه ولمسه وبلعه… كان إلى كونه تلميذاً سائحاً كاتباً باحثاً، فإذا اتّخذ صورا لما يتعشّقه ذوقه وشاعريّته من عجائب ما في هذا الكون من جمال، وطرّز بها مذكّرته كان إلى صفاته السّابقة تلميذاً مبنيّاً، فلتكن أنت أحد هؤلاء أو أولئك، وقد بعثنا لك برسالة سي عزيمان، فنرجوك أن تحترس دائماً الوقوع في مخالفة ما لقانون ذاك البيت، فإنّا نكره أن يكون لك في صحيفتك ما يغيّر بياضها ولو بالتّافه، وإذا رأيتم أن تعتذروا للمدير بشيء يرى لكم فيه المبرّر فعلتم، ويصلكم مع البريد مائتان وخمسون من البسّيطة، والكلّ بخير، والسلام.
18 رجب الفرد الحرام عام 1373.
والد: عبد السلام أفيلال
-28-
الحمد لله وحده
ولدنا البارّ مولاي التّهامي رعاك الله والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
وبعد الدّعاء لكم برضى الله ورسوله، والتّضرّع إليه سبحانه أن يلهمكم رشده وتوفيقه فيما أنتم بصدده، ومتغرّبون لأجله، فإنّي كنتُ قررت لكم أن الكتابة يلزم أن لا ينقطع حبلها عنّا أزيد من أسبوع على أكثر تقدير، لأنّ نهار الأحد تكونون متفرغين فيه من كدّ الدّراسة، فيجب أن تملؤوا قسطاً منه لمناجاة روحنا بالكتابة، وإذا لا حظتم قلّة كتبنا لكم، فحالة عمّكم الصّحّيّة وخاطره لا يسمحان له بالكتابة على ما تحبّون منه وتعهدون من النشاط الفكري والتّوسّع في جولان الفكر، ونحن كلّنا بخير والحمد لله.
في ثاني الجمادين عام 1371هـ. وقد وجّهنا لكم الإعانة الألمانية قبيل وصول كتابكم بطلبها.
عبد السلام أفيلال
-29-
الحمد لله وحده صلى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلم
ولدنا البارّ العزيز، السيّد التّهامي متّعك الله برضاه، وسلام عليك ورحمة الله.
وبعد، فقد استسلمتُ كتابك السّامي صبيحة يوم الثلاثاء 27 يناير بعدما كنت مشتاقاً إليه، وفرحتُ به غاية الفرح، ووجدتُ طيّه ثلاث صورك الطيفة، واستفدتُ منه عافيتك التي هي عندي أهمّ كلّ شيء، كما استفدتُ منه أنّك استسلمت أربعمائة بسّيطة، وإنّي كنت خلال هذه الأيّام في ضيافة الله تعالى، والآن قد منّ الله والحمد لله عليّ بالعافية، نرجو الله أن يديمها علينا وعليكم.
وكنتُ يوم استسلام الكتاب في دار أختك فاطمة، وقضيتُ معها هذا اليوم …وأخواتك وفامة وهم يسلمون عليك كثير السّلام، وكان غذاءنا (الباهيّة)، وكلّهم بخير وعافية، كما يسلّمون عليك جميع الأهل والأقارب، ويطلبون الله تعالى أن يعينك على ما أنت بصدده، ويتمنّون لك كلّ خير وسعادة ونجاح.
وإن كنت محتاجاً في شيء فأعلمني به والسلام.
في 11 جمادى 1 عام 1372 ق 27 يناير سنة 1953.
عبد ربّه: عبد السلام وفّقه الله.
-30-
الحمد لله وحده وصلى الله على سيّدنا ومولانا محمد وآله
ولدنا البارّ الأنجب، السّيّد التّهامي رعاك الله ورضي عنك، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
وبعد مزيد سؤالنا عنك ورجاء أن تكون بخير وعلى قدم وساق للاستعداد والأهبة للاختبار السّنوي الذي نرجو أن تحرسك فيه عناية الله من الأخطاء والتراجع، وإن تيسر معك وفي ركبك وفي كلّ خطواتك توفيق الله ورضاه حتّى تعود لهذا البيت وأنت ذلك الطّالب الموفّق المآرب، الذي ينشد في حقه قول شاعر همذان للرّشيد في ولده المأمون:
رأيتك أمس خير بني لؤي** وأنت اليوم خير منك أمسِ
وأنت غداً تزيد الخير ضعفاً ** كذاك تزيد سادة عبد شمسِ
بعد كلّ ما قلنا، نعلمك أنّ زميلاتك في الدّراسة قد حضرن مع الأساتذة، واستدعيناهن للدّار، وكان ممّا قمنا به نحوهنّ من حُسن الوفادة والرّفادة، هو أفضل المجهود، ولا تجود يد إلا بما تجد. على قدر الكساء مددت رجلي.
وقد راقهنّ ما شاهدناه في البيت العربي، وما قُدّم لهنّ من شاي وحلوى، ولعلّ رغبتهنّ لم تتحقّق كما كنّ يؤملن، فإنّ لباس ربّات ذاك البيت لم يكن عربياً كما هو البيت وفرشه وحرائره، ولكن يكفي أذا كنّ محافظات على تقاليدهن لا يرين بها بديلاً، ولو ألبسة الصّين، وجواهر الهند، ودربلة هدّاوة، ونحن بخير والسلام.
في الأربعاء 29 شعبان عام 1372هـ.
والدك: عبد السلام أفيلال