بين يديَّ العدد 756 من جريدة الشمال الغراء، أتصفح صورة أخي وصديقي العزيز الأستاذ محمد العربي العسري، وهي تتوسط الصفحة الثالثة، تحت عنوان: “رسالة إلى صديق عزيز” التي حررها الأستاذ أبو الخير الناصري.
فقد حملتْني الرسالة والصورة، إلى سنوات خلت، حملتْني إلى اليوم الذي وضعتُ فيه رجلي على عتبة الثانوية المحمدية بالقصر الكبير.
كان ذلك -حسب التعيين، الذي لا زلت أحتفظ به في مكان أمين- في فاتح أكتوبر من سنة 1968.
لا أنسى هذا اليوم ما حييت، فقد تطوع ابنُ خالتي السيد يوسف الفاسي الفهري -بارك الله فيه- بمرافقتي إلى الثانوية المذكورة، ليشد أزري وأنا أوقع محضر الدخول، وليقدمني لصديقه الأستاذ عبد الوهاب البقالي -طيب الله ثراه- ليأويني في منزله إلى حين.
وما أن درستُ الموقع، واستأنفت العمل، حتى وجدتني وسط أساتذة كرام، أذكر منهم إلى جانب أخي محمد العربي العسري، الأساتذة الأجلاء السادة: عبد القادر الساحلي- الخليل أطاع الله- مصطفى اليعقوبي- عبد السلام بن مسعود- سالم يفوت- والأستاذة نفيسة الناصري- رحم الله من انتقل منهم إلى دار البقاء، ورحم من لا يزالون على قيد الحياة، فالرحمة مطلوبة للحي وللميت.
ورغم أن مدير المؤسسة السيد عبد اللطيف بندريس، لم يكن على وفاق معي، وكان يجد لذة ومتاعا في مناوشتي، وإمطاري بعدد من الاستفسارات والتنبيهات والإنذارات، فإنني أشهد -والشهادة لله- أنه كان رجلا إداريا، يحب عمله، ويتفانى فيه.
دليلي على هذا، أنني حين انتقلت إلى مسقط رأسي تطوان، افتقدت النظام الذي عايشتُه في القصر الكبير ست سنوات متواليات.
فقد كانت الثانوية المحمدية، مقسمة إلى مناطق نفوذ، يترأسها المعيدون، ويتصرفون فيها باقتدار. فالمعيد هو الذي يضبط دخول التلاميذ وخروجهم، وهو الذي يراقب الأساتذة، ويحصي حركاتهم وسكناتهم، وهو الذي يربط الصلة بينهم وبين الإدارة، وبينهم وبين التلاميذ وأولياء أمورهم. وهو… وهو…
كنا -نحن الأساتذة- نُسهل مأمورية الإداريين، فنتكفل بصعود التلاميذ إلى أقسامنا، فلا يمكن ان يتحرك التلاميذ المصطفون في صفوف متراصة، من الساحة، إلا إذا قادهم أساتذتهم، ولا يمكن أن يغادروا الأقسام في الاستراحة، أو عند الزوال والمساء، إلا إذا تقدمهم أساتذتهم.
وكنا نضبط ساعاتنا على جرس الثانوية، فلا تأخُّر ولا تقاعس ولا تكاسُل، الكل منخرط في هذه المنظومة ومتكيف معها.
وكان المدير -طيب الله ذكره- يرسم ويخطط ويضع خريطة الطريق دون أن يبدو في الصورة إلا نادراً.
لا أريد أن أطيل، وإنما أريد أن أبوح لقارئي الكريم، بأنني أحاول أن أزور القصر الكبير، وأرتاد الأماكن التي كنت أرتادها، فلا يتيسر لي ذلك. وكم حاول أستاذنا السيد عبد الله الفاسي متعه الله بالصحة والعافية، أن يستدرجني لهذه الزيارة، فلم نتفق على موعد محدد لها.
تحياتي الطيبات، لأخي الأستاذ محمد العربي العسري، وللأستاذ أبو الخير الناصري، فإليهما يرجع الفضل فيما كتبت. وعسى أن أعود إلى هذا الموضوع، لأوفيه حقه في القادم من الأيام.
مصطفى حجاج