حظيت الجريمة النكراء التي كان ضحيتها الطفل عدنان ذي 11 ربيعا في مدينة طنجة، باهتمام جمهور الحقوقيين والمواطنين العاديين، حيث تم العثور على الضحية في بداية شهر شتنبر، مدفونا في حفرة بالجوار غير بعيد عن سكن والديه، في مشهد أثار العواطف وأشعل غضبا كبيرا داخل المجتمع، وكان ذلك بعد أن تم اختطافه واحتجازه وهتك عرضه ومن ثمة قتله، خلال ظروف لا زال التحقيق جاريا بخصوصها.
وكان المغاربة المبحرين عبر شبكات التواصل الاجتماعي قد شنوا حملة واسعة من أجل العثور على الطفل عدنان أثناء فترة اختفائه، فلما تم اكتشاف مقتله أصبح النقاش داخل وسائل التواصل الاجتماعي، حول العقوبة التي يستحقها مرتكب هذه الجريمة، وانقسم العالم الافتراضي إلى قسمين بين مطالب بتطبيق عقوبة الإعدام في حق مرتكبها، وجميع مرتكبي الجرائم المشابهة، وبين مستنكرين لهذه الجريمة مع احتفاظهم بموقفهم من إلغاء عقوبة الإعدام .
إن النقاشات العمومية تلعب دورا مهما في تعديل القوانين، ومساعدة المشرع على فهم التطورات المحيطة بالمجتمع، والإتيان بما هو أفضل وأنسب للمجتمع والأفراد، فقد شهد المغرب في بداية الألفية الثانية واحدا من النقاشات التي كان لها دور مؤثر في منظومة العدالة ومسار التشريع، همت هذه النقاشات المطالبة بإصلاح قانون الأحوال الشخصية ومؤسسة الأسرة بصفة عامة وكانت المطالبة بمدونة جديدة ضرورة لا محيد عنها، وتمت الاستجابة لهذه المطالب والتفاعل مع هذا النقاش مما أدى إلى وصول المغرب إلى مدونة للأسرة تضمنت طفرة حقوقية وقانونية يضرب بها المثل في العالم العربي والإسلامي، كما نالت تنويها من المنتظم الدولي الحقوقي، مما يعيد إلينا أهمية النقاش العمومي والزخم الذي يخلفه من أفكار و مناظرات وآراء.
وعلى خلفية حادثة الطفل عدنان ظهر جليا كيف عاد النقاش القانوني والحقوقي للهيمنة على الرأي العام في المغرب طيلة أسابيع، غير أن الأدوار المؤثرة والحيوية التي أضحت تلعبها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تجعل الفرق جليا بين اللحظتين التاريخيتين شاسعا وواضحا للعيان، فبعد أن كانت هذه المطالب تمر عبر القنوات الكلاسيكية من أحزاب وجمعيات وإطارات مدنية ووسائل الإعلام التقليدية معبرة عن رأي النخب والفاعلين السياسيين، هاهي اليوم تتجاوز هذه الفئات إلى ملايين المبحرين المغاربة وآلاف الصفحات والنقاشات، وملايين التعليقات ما يمنح إمكانية لا متناهية للاقتراح والرأي والاحتجاج التي تدعمها القوة التأثيرية الهائلة للسوشل ميديا والتي تعاظمت منذ الربيع العربي، كل هذا يقودنا إلى طرح السؤال، ألا يمكن إدماج الرأي العام المنبثق عن وسائل التواصل الاجتماعي ضمن آليات تعديل ومراجعة القوانين؟ أو على الأقل ألا يجد الفيسبوك وغيره من المواقع التواصلية صوتا داخل المؤسسة التشريعية ؟
ورغم أن المشهد الحقوقي كان دائما يناقش عقوبة الإعدام وإلغائها، إلا أن هذه الجريمة وما ظهر إثرها من جرائم مشابهة، أحيت النقاش من جديد ونددت بهذا النوع المشين من الجرائم. وتجاوز هذا النقاش المغرب للوصول إلى العديد من الدول الأخرى، مما قسم أراء المتفاعلين إلى تيارين، تيار يطالب بتطبيق عقوبة الإعدام على هذا النوع من الجرائم، وتيار آخر يطالب بعدم تطبيقها وإلغائها بشكل نهائي كونها تتعارض مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وأن الحق في الحياة هو أسمى الحقوق، فحسب المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه” غير أن هذا النقاش أبان على أن مواقع التواصل الاجتماعي بكل قوتها وتأثيرها لم ترق بعد إلى أن تكون مبررا من مبررات أو محفزات التعديل أو المراجعة المتعلقة بالقوانين وكذا السياسة العقابية، وذلك لأن القوانين لم تستثمر بعد هذه القوة في المجال التشريعي، رغم أننا شهدنا مرارا الاعتماد على ما ينشر بمواقع التواصل الاجتماعي في حل العديد من القضايا وكذلك في الكشف على العديد من الجرائم والتي تمت معاقبة مرتكبيها..
إن القانون بصفة عامة يجب أن يواكب مختلف التطورات التي نشهدها، خصوصا مع التغيرات المحيطة بالمجتمع، وذلك من أجل تكييفه وملاءمته وفقا لهذه التطورات واعتماد النقاشات والآراء وتفعيلها من أجل الوصول إلى نتيجة أفضل، كما يجب تنظيم هذه النقاشات وتفعيلها من خلال مأسستها ووضعها في إطارات ترقى إلى مستوى مؤسسات الدولة، فكما تم منح آلية العرائض تلك القدرة على مناقشة القوانين بل واقتراحها، يجب التفكير في تأثير هذه المواقع والتي يصل رقم المنتمين إليها إلى أزيد من 15 مليون مغربي حسب إحصائيات سابقة لوزارة الاتصال.
وفي نفس السياق، فان النقاشات المجتمعية التي تظهر من حين إلى آخر على هذه المنصات مع ظهور كل قضية جديدة وكل مستجد، يجب استثمارها من أجل الرفع من مستوى القوانين وكذا الحد من الاختلالات والنواقص التي تحول دون نتيجة أو دون الحد من ارتكاب الجرائم والخروقات..
ولم تغفل التوصيات الصادرة عن المؤتمر الدولي لمسؤولي إدارات التشريع في الدول العربية ببيروت 26-2000/9/28 الجانب المتعلق بدور المجتمع في منظومة التشريع حيث أسفر اجتماع المسؤولين عن ثماني توصيات جاء في المركز الخامس منها: ” الاهتمام باستطلاع آراء المخاطبين بالتشريع وسلطات تطبيقه وتنفيذه والمتخصصين في مشروعات القوانين قبل اتخاذ إجراءات إصدارها، ومتابعة التطبيق ورصد النتائج” ، ولعل أفضل وسيلة لاستطلاع الآراء تتجلى حاليا في شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام
من هنا تظهر الحاجة الآنية والمصلحة العامة التي نتوخاها من قدرة هذه المواقع على التأثير، حيث اجتمع فيها عنصر الانتشار الجماهيري من حيث الشكل، بما يضمنه من ديمقراطية وتعدد في الآراء، ومن حيث المضمون عنصر الاقتراح وجدية النقاشات، ومستواها المعرفي والقانوني.
فهل يفكر المشرع جديا في استضافة القوة الاقتراحية للمغردين المغاربة، واعتبارها في العملية التشريعية، خصوصا وأن البرلماني والوزير وأستاذ القانون أصبحوا يساهمون في هذه النقاشات عبر حساباتهم على مواقع التواصل، أو على الأقل يتابعون لحظة بلحظة كل النقاشات والمستجدات التي تدور داخل هذه الفضاءات.
دة: زينب الخروف