إعداد: دة. زبيدة بن علي الورياغلي
ولدت السيدة للا السعدية بمدينة طنجة عام 1922م وبها نشأت في أحضان أسرة رفيعة القدر والنسب، اشتهر أفرادها بالعلم والشرف والتصوف المنتسب للزاوية القادرية. ووالدها هو الشريف سيدي محمد القادري انتقل من مدينة فاس رفقة عائلة آل گنون إلى طنجة « التي هي نهاية الرحة الداخلية للإبحار منها إلى المشرق قصد الهجرة، وكان خروجهما عام 1332هـ/1913م، لكن الرحلة تعطلت إلى حين بعيد بسبب نشوب الحرب العالمية العظمى (1914-1918م) حتمت استقرارهم بطنجة »(1).
والدتها هي الشريفة العفيفة السيدة حفصة بنت العلامة سيدي عبد الصمد بن التهامي گنون (-1352هـ) (-1933م)، أخت العلامة سيدي عبد الله گنون (-1989م).
في سنة 1943 تم عقد قرانها بالمناضل الحاج أحمد معنينو (1906-2006م) سليل أسرة سلاوية عريقة، وأحد رجالات الحركة الوطنية المقيم آنذاك بمدينة طنجة منفاه الاختياري خلال فترة العهد الدولي. في سنة 1946 غادر وأسرته مدينة طنجة ليعود إلى سلا بعد رفع المنع المفروض عليه من طرف السلطات الفرنسية ليباشر نشاطه السياسي والثقافي في حزب الشورى والاستقلال الذي تأسس هذه السنة.
انضمت للا السعدية إلى صفوف هذا الحزب، وكانت تواظب على الحضور في التجمعات المحلية والمؤتمرات الوطنية، وتنشط داخل جمعية « أخوات الصفا » التابعة للحزب التي تأسست سنة 1947م بعد عقد المؤتمر السنوي العام للحزب بمدينة فاس، « وقد استمرت هذه الجمعية تتنامى وتتوسع طوال الأربعينات والخمسينات والستينات، وقدمت خدمات جليلة للنساء والفتيات في المدن والقرى خاصة في الميادين الاجتماعية والثقافية »(2) وكان تأسيس هذه الجمعية بادرة تاريخية في المغرب ساهمت في فتح نقاش مجتمعي حول حقوق المرأة، ولم تجعل عملها عملا نسائيا مغلقا بل دعت الرجال إلى مساعدة الحركة النسائية وتأييدها.
انخرطت للا السعدية في مجال العمل الخيري الإحساني والثقافي وساهمت بشكل فعال في ميدان النضال الاجتماعي والإنساني، واتخذ نشاطها أشكالا متعددة، وعطاءات متميزة، وتجاوزت الصعاب من أجل تحقيق الغاية المنشودة. قدمت خدمات جليلة في سبيل الدعوة إلى ضرورة تعليم البنات، وتشجعهن على الإقبال على طلب العلم فكانت تحتضن التلميذات المعوزات المنتظمات بمدرسة الأميرة للاعائشة الحرة بسلا التي أساسها وأدارها المناضل أحمد معنينو سنة 1946م والتي أضفى عليها المغفور له الملك محمد الخامس اسم كريمته، فكانت توفر لهن المساعدات اللازمة لمواصلة الدراسة، كما كانت لا تدخر جهدا في رعاية أبناء وأرامل المقاومين والمنفيين والمعتقلين وأعضاء جيش التحرير شهداء للحرية والتكفل بالمرضى المحتاجين والأطفال المشردين.
لم يقتصر اهتمامها بالجانب الاجتماعي فحسب، بل تعداه ليشمل المجال الثقافي والدراسي بتقديمها الدعم اللازم لطلبة العلم لمتابعة دراستهم العليا استضافتهم بمنزلها الذي كان ملجأ لهؤلاء جميعا وغيرهم.
كانت للا السعدية لا تدع أي مناسبة إلا استغلتها للتعبير عن محبتها لوطنها وملكها، وكان هذا دأبها خاصة عندما امتدت يد الطغيان إلى ملك البلاد المغفور له الملك محمد الخامس وأسرته الكريمة سنة 1953 وأبعدوا عن الوطن إلى المنافي البعيدة كانت حينئذ تسكن في إحدى غرف مدرسة للا عائشة يرافقها أطفالها صغارا أكبرهم عمره كان لا يتعدى عشر سنوات وكانوا يعيشون دون عائل بعد أن دخل زوجها السجن وحوكم سنة ونصف قضاها متنقلا بين عدة معتقلات كان محل إقامتها قريب من المسجد الأعظم بسلا، ومن هذا المسجد تنطلق الاحتجاجات والمظاهرات الوطنية كانت للا السعدية في هذه المرحلة بمجرد سماعها هتافات وتهليلاته المتظاهرين تبادر بالخروج إلى باب المنزل لترش عليهم ماء الزهر، ثم تصعد إلى سطوح المدرسة وهي تحمل صورة الملك محمد الخامس تصيح بأعلى صوتها يحيى السلطان، يحيى المغرب، وظلت على هذا الحال إلى أن تحقق النصر بعودة الملك وعانق زوجها الحرية.
كانت للا السعدية عالية الهمة كريمة النفس، سامية الأخلاق، تسدل رداء الرحمة والعطف على كل محتاج، ويسع قلبها حب الناس جميعا، ذاعت شهرتها بفضل صلاحها وتدينها وانتسابها إلى النسب الشريف، ومؤازرتها لزوجها المجاهد أيام الشدة والمنفى والسجن، وحافظت على أولادها في التربية والدراسة حتى أصبحوا من خيرة أبناء هذا الوطن.
انتقلت الشريفة المحسنة للا السعدية إلى الرفيق الأعلى عند أداء صلاة ظهر الجمعة 13 جمادى الأولى 1427هـ/ 9 يونيو 2006م، تغمدها الله بواسع رحمته وأسكنها فسيح جناته.
======
الهوامش:
1- كتاب: مذكرات غير شخصية، عنوان الأصل الأصيل. تأليف عبد الله كنون الحسني، الطبعة الأولى، طنجة، ص: 22 (بتصرف).
2- كتاب أخوات الصفا، الحركة النسوية الشورية. منشورات مؤسسة محمد حسن الوزاني 1417هـ/ 1996م. ص: 6.