إذا كانت ( تعرف العدالة الانتقالية على أنها جملة من الاستراتيجيات المتعددة الساعية لتدبير إرث انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي إلى جانب الاهتمام بالجانب التحليلي لهذه الاستراتيجيات وكذا مسألة تطبيقها عمليا بغية خلق مجتمع أكثر عدالة وديمقراطية.
والواقع أن العدالة الانتقالية مفهوم أوسع وأشمل، فهي تضم مفاهيم حديثة تحيلنا إلى حقول ومجالات متعددة كحقوق الإنسان، العدالة الجنائية، مسألة جبر الضرر…) المرجع: من صفحة 192 لكتاب هام للدكتور الجليل محمد زين الدين بعنوان :» المؤسسة الملكية في مغرب العهد الجديد» ولهذا نجد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي اعتبر في ما بعد من الوثائق التاريخية المهمة، على مجمل حقوق الإنسان في مجال العمل وغيره، تاركا أمر تفصيل ذلك للمواثيق الدولية الأخرى، والقوانين الوطنية، حيث كان هذا الإعلان بمثابة المرشد والدليل الذي تعتمد عليه الدول في رفع مكانة الإنسان واحترام حقوقه، ويعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المصدر الرئيسي والأهم بالنسبة للدول في مجال إثراء الجهود الدولية والوطنية لتقرير وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. كما أن هذا الإعلان مصدر مهم للكثير من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. ومن هذه الاتفاقيات الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والاتفاقية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة واتفاقية حقوق الطفل والاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين .
وبمناسبة الذكرى السنوية 72 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي أقرته الأمم المتحدة سنة 1948م بعد جهود حثيثة ومتواصلة لجماعات حقوق الإنسان وأنصارهم في مختلف دول العالم وخاصة بالدول الغربية. وفي الوقت الذي نجحت فيه الأمم لإقرارها لهذه الاتفاقية فإن أساس ذلك قد اعتمد على أن كل الحقوق التي نص عليها الإعلان ما هي إلا المثل الأعلى الذي لابد للدول من الوصول إليه. ومن بين هذه الحقوق، حق العمل الذي أدرج تحت بند الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث نصت المادة (23) من هذا الإعلان على ما يلي: 1ــ لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية كما أن له حق الحماية من البطالة.
2 ــ لكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر متساومع العمل الذي يقوم به .
3 ــ لكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل مرضي يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان تضاف إليه، عند اللزوم، وسائل أخرى للحماية الاجتماعية .
4 ــ لكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات حماية لمصلحته.))
أما المادة ( 24) فقد نصت على أنه: (( لكل شخص الحق في الراحة ، وفي أوقات الفراغ، ولاسيما في تحديد معقول لساعات العمل وفي عطلات دورية بأجر)).
إذا اشتمل هذا الإعلان الذي اعتبر في ما بعد من الوثائق التاريخية المهمة، على مجمل حقوق الإنسان في مجال العمل، تاركا أمر تفصيل ذلك للمواثيق الدولية الأخرى والقوانين الوطنية وكان الإعلان بمثابة الدليل والمرشد الذي تعتمد عليه الدول في رفع مكانة الإنسان واحترام حقوقه .
ويعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المصدر الرئيسي والأهم بالنسبة للدول في مجال إثراء الجهود الدولية والوطنية لتقرير وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. كما أن الإعلان مصدر مهم للكثير من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. ومن هذه الاتفاقيات الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والاتفاقية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة واتفاقية حقوق الطفل والاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين .
وهكذا بعدما كان الفرد يخضع خلال قرون طويلة للجماعة في كل شيء، من دون قيود أوحدود، وكانت سلطة الدولة إزاء حريات الأفراد وحقوقهم مطلقة، وقد ظل الأمر كذلك إلى أن اعترف القانون الوضعي الداخلي أولا، والدولي في مرحلة متأخرة، وذلك بشكل تدريجي وبقيود ترد على سلطة الدولة في علاقتها مع الأفراد .
وجاء إقرار القوانين الداخلية بحقوق الإنسان ثمرة الكفاح إنساني مرير وطويل المدى خاضته البشرية عموما، والثورات الإنسانية الكبرى ذات الأبعاد العالمية خاصة، ولكن مجرد النص على الحقوق والحريات في دستور الدولة والقوانين الداخلية الأخرى، ووضع ضمانات داخلية قصد مراعاة هذه الحقوق والحريات لا يكفلان بالضرورة تمتع الإنسان فعليا بها، ومن هنا بدت ضرورة اللجوء إلى ضمانات دولية تكون مكملة للتدابير الداخلية، ولا تحل محلها أوتقليل بأي حال من أهميتها .
وقد كان القانون الدولي التقليدي يولي عنايته للعلاقة المتبادلة بين الدول، وتجديد حقوق كل منها وواجباتها. كما كان ينظر إلى الدول على أنها أشخاص القانون الدولي الوحيدة التي يمكن لها اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات الدولية. أما معاملة الدولة لرعاياها، فلم يكن القانون الدولي التقليدي يعنى بها، لأنها تدخل ضمن الاختصاص الداخلي لها، ولم يعترف القانون المذكور لكل فرد بحقوقه على الصعيد الدولي، ولا بشخصية قانونية دولية يمكن لها معها أن يطالب الدول بصون حقوقه على هذا المدمار، وقد وقف مبدأ السيادة عقبة أمام سلطة دولية أعلى من الدول، للنظر في تجاوزاتها لحقوق الإنسان، واتخاذ التدابير التي تكفل بوقف هذه التجاوزات .
بل، وحينما كان القانون الدولي التقليدي يلتفت إلى المسائل الإنسانية، فقد كان منطقه في ذلك الاعتبارات السياسية، كما أن المبدأ الذي كان يحكم حقوق الإنسان في ظل هذا القانون، هومبدأ المعاملة بالمثل، الذي هوأساس القانون الدولي الاتفاقي، وقد أولى هذا القانون عنايته أساسا لحماية الوطنيين في الخارج، وخاصة وطنيي الدول الغربية خارج بلادهم، عن طريق مؤسسات معروفة: نظام الامتيازات الأجنبية ، ونظام الحماية الديبلوماسية، ونظام التدخل (( الإنساني)) أو(( المصلحة الإنسانية )) وفكرة (( الحد الأدنى في معاملة الأجانب )) كما عرف هذا القانون أنظمة اتفاقية لحماية حقوق فئات معينة من البشر يخاطب بعضها سكان الأقاليم المشمولة بنظام الانتداب، والأقليات والعمال .
لكن أن القانون الدولي لم يعد، منذ الحرب العالمية الثانية مقصورا على تنظيم العلاقات المتبادلة بين الدول. ومع مرور الزمن، أصبح ينظر إلى الفرد كشخص من أشخاص القانون الدولي، يتمتع بحقوق على الصعيد الدولي، ويخضع لالتزامات على الصعيد ذاته. وهناك الآن مجموعة كبيرة من القواعد الدولية، التي يقرر حقوقا للأفراد في مواجهة الدولة. وهذه القواعد تشكل في الإعلانات والاتفاقيات الدولية العالمية منها والإقليمية، ما يطلق عليه اليوم اصطلاح (( القانون الدولي لحقوق الإنسان )) .
وقد أرسى ميثاق الأمم المتحدة سنة ( 1948) الحجر الأساسي لهذا القانون، بعد أن بدت لواضعيه الصلة التي تربط بين السلم والأمن الدوليين من جهة، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع من دون تمييز من جهة أخرى. ولم تكتف الأمم المتحدة بتضمين ميثاقها عددا من النصوص الخاصة بحقوق الإنسان، بل استكملت هذه النصوص باعتماد العديد من الصكوك والاتفاقيات الدولية التي تشمل مختلف حقوق الإنسان والحريات الأساسية. ويأتي في مقدمة هذه النصوص ما يطلق عليه عادة اسم الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، التي تشمل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام (1948) والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان لعام ( 1966) ،( العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية )، والبروتوكول الاختياري الأول الملحق بالمعهد الدولي الذي تعترف بموجبه الدولة الطرف في العهد، والتي تصبح طرفا في البروتوكول، باختصاص اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، المنشأة بموجب العهد، في تسلم ونظر الرسائل المقدمة من الأفراد الداخلين في ولاية تلك الدولة، والذين يدعون أنهم ضحايا أي انتهاك من جانبها لأي حق من الحقوق المقررة في العهد .
هذا، وقد أثار إنشاء الأمم المتحدة آمالا واسعة في العالم أجمع، فقد تولد الانطباع لدى ملايين المضطهدين من البشر بأن المنظمة سوف تجلب معها العدل والحرية اللذين طالما حرموا منهما، وتتلقى المنظمة عددا هائلا من الالتماسات من الأفراد والمنظمات غير الحكومية، والتي تشير إلى خروقات حقوق الإنسان، وتطالب الأمم المتحدة بالتدخل، وقد أعد المجلس الاقتصادي والاجتماعي في عام 1959 صيغة موحدة لإجراءات التصرف في الرسائل أوالبلاغات المتصلة بحقوق الإنسان والمرسلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة والتي لا تسفر في حقيقة الأمر عن أي إجراء. غير أن المجلس ابتدع في عام 1967 نظاما للنظر في (( المعلومات المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان)) وفي قراره رقم 2 .15 ( د48) المؤرخ ب 27 مايو1970، حدد المجلس إجراءات النظر في الرسائل التي يبدوأنها تكشف عن نمط ثابت من الانتهاكات الجسيمة، والمؤكدة ، بدليل موثوق به ، لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وهي إجراءات يمكن نظريا أن تسفر عن تحقيق في الدولة المنسوب إليها الانتهاك، ولكن شريطة موافقة هذه الدولة بالتعاون معها . وطبيعة الإجراء سرية، والسرية، كما هومعروف، دليل على خشية الحكومات من الظهور بصورة ــ غير مناسبة ــ أمام الرأي العام العالمي ، وهي بلا شك أهم نقاط الضعف في الإجراءات المحددة في القرار 2.15 وفي الواقع العملي يلاحظ أن لجنة حقوق الإنسان لم تجر دراسة معمقة لهذه الرسائل إلا مرة واحدة ( حالة أوغندا عام 1987)، كما أنها لم تباشر أي تحقيق، والنتيجة أن مئات آلاف الرسائل الفردية الموجهة إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة حول انتهاكات الفردية الموجهة إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة حول انتهاكات حقوق الإنسان العرضية وغير العرضية ( الصارخة والمنهجية أوالمنظمة)، تبقى من دون أي إجراء، وتصدق هذه الملاحظة أيضا على الآليات المنشأة بموجب الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان .
وفي الختام لابد من الإشارة إلى ما ذكره الأمين العام السابق للأمم المتحدة الدكتور الجليل والوطني الغيور بطرس غالي المرحوم برحمة الله الواسعة من جمهورية مصر العربية المتحدة الشقيقة في البيان الذي ألقاه بمناسبة افتتاح المؤتمر العالمي بحقوق الإنسان في 14 يوينو1992: (( الدولة أفضل حام لحقوق الإنسان، فالدولة هي من يتعين على المجتمع الدولي أن ينهض بالمسؤولية، بدلا من الدول التي لا تؤدي ما عليها من التزامات، وهذا تفسير قانوني ومؤسسي ليس فيه ما يصدم أحدا، ولا أعتقد أنه يمس فكرتنا المعاصرة عن السيادة)).
ونجد أن القانون الدولي مدعوإلى مواصلة دوره في منظمة الأمم المتحدة للانتصار لقضية حقوق الإنسان، ولطالبيها من ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، وخاصة في الدول النامية أوالسائرة في طريق النموالمتصاعد، لأنه يواجه تحديات جديدة ولابد من أن يبحث عن حلول مناسبة لها … وخاصة في هاته السنوات الأخيرة …
عبد القادر أحمد بن قدور.