عجيب أمر هذا السائق المسكين! فهو يجلس أمام مِقْوَد حافلته منذ تطلع الشمس إلى العاشرة ليلا، دون أن تطرف عيناه، أو تهتز فيه شعرة.
ينطلق من “الفنيدق” في السابعة والربع صباحا، ويحط الرحال بالخميسات في الثانية ظهرا، ليستريح مدة خمس وأربعين دقيقة، ثم يبدأ رحلة العودة في الثانية وخمس وأربعين دقيقة، ليقطع المسافة الرابطة بین الخميسات والفنيدق، والمقدرة بثلاثمائة وثلاثين أو أربعين كيلومترا، في سبع ساعات أخرى، تنتهي في العاشرة أو التاسعة والنصف ليلاً بمحطة الفنيدق.
ولكم أن تتصوروا هذا المخلوق –وأمثاله كثيرون– وهو يقضي أربع عشرة ساعة يوميا، ينهب فيها الطريق نهبا دون كلل ولا ملل، ودون أن يتأوه أو يتململ.
وعُدّوا –إن شئتم– عدد الساعات التي ينامها، واحسبوا عدد الساعات التي يقضيها بين أهله، وقدروا عدد الساعات التي يخصصها لقضاء حاجاته.
هي عشر ساعات، اجمعوها واطرحوها واقسموها بالكيفية التي ترونها ممكنة، لتخرجوا بنتيجة واحدة، هي أن قانون الشغل عندنا شيء، وتطبيقه شيء آخر.
أين منظومة النقل، وترسانة القوانين التي رُصدت لها؟ أين المراقبة الطرقية؟ أين أدوات الرصد؟ أين أد وات الردع والزجر؟
إن الأمر هنا أمر الحرب الطرقية التي تحصد أرواحا بريئة.
وهذا مجرد نموذج أردت أن أورده في هذه الدردشة، عسى الله أن يفتح عيون مراقبي الطرق عليه. وهو لا يقتصر على المسافات الطويلة، وإنما يشاهَد حتى في المسافات القصيرة الرابطة بين تطوان وطنجة مثلا، فسائقو الحافلات التي تربط بين هاتين المدينتين، يقطعون نفس المسافة التي يقطعها سائق “الفنيدق–الخميسات“. فالسائقون هنا وهناك وفي اتجاهات أخرى أطول أو أقصر، قاسمهم المشترك، المغامرة بأرواح الناس دون حسيب ولا رقيب، وكأنهم خارج التغطية، أو فوق القانون.
مصطفى حجاج