إلى روح الفقيدة هدى المجاطي في ذكرى رحيلها الأولى
أتذكر الآن و أنا أبدأ في كتابة هذه الشهادة، أنني أحسست بغير قليل من اللوم بل بتأنيب الذات عندما بلغني خبر نعي الفقيدة الدكتورة هدى المجاطي، لكوني تماطلت في السؤال عنها وقد لا حظت غيابها عن المشهد الإعلامي قبل أشهر من رحيلها الأبدي، هذا التماطل أو التلكؤ لم يكن مرده لنقص في الوفاء للأوفياء الأنقياء…؛ و إنما سره العميق في تربية أسرية تقليدية بالإضافة إلى طبعي الخجول.
فالفقيدة الغائبة الحاضرة كانت بالنسبة لي من الهبات الإنسانية القليلة التي وضعها الله في طريقي في العقد الأخير، وأنا مقل في الصداقات لحد الندرة، فالدكتورة هدى بدماثة خلقها و كرم علمها، و لباقة حسها، و لطف معاملتها لا تترك لك مجالا للتردد في أنك تلتقي بإنسانة قل مثلها؛ أصيلة المعدن، تمد لك يدها لتنعما معا بالخير.
أتخيل أن المرحومة هدى، قبل أن أعرفها شخصيا، كانت على معرفة بي من خلال جريدة “الشمال” التي كنت أشارك فيها بتغطيات من حين لآخر، وقد يكون لاسم أخي المرحوم الدكتور محمد مفتاح أستاذها و زميلها في كلية آداب تطوان ارتباط بذلك، لكن معرفتي المباشرة بها توطدت بفضل صديقنا المشترك الدكتور عبدالجواد الخنيفي الذي قدمني إليها، و قد كان تحفيزه لي الذي عززه التشجيع المستمر الوارف للمرحومة هدى دافعا على المواظبة على النشر بوتيرة أقوى في جريدة “الشمال”، ثم القطع مع مزاجية هيمنت على شخصيتي لسنين، وزكى كل ذلك و أعطاه مذاقا خاصا أستاذنا و موجهنا و معيننا سيدي الدكتور عبداللطيف شهبون الذي ما يزال يفيض علينا بنور إنسانيته، و بحر علمه، و راسخ خبرته، و مديد تجربته.
لم أخطئ إلا لعذر قاهر نشاطا نظمته أو شاركت فيه أو أطرته المرحومة هدى، و كانت تحرص شخصيا،في الغالب، على دعوتي، و كان هذا يترك في نفسي أثرا طيبا و عميقا، بل كانت غير ما مرة، تدعوني إلى المساهمة بالتغطية لفائدة جريدة “الشمال”؛ التي كانت تشتغل بنكران ذات ضمن هيئة تحريرها، سواء كان النشاط الثقافي ندوة أو توقيعا لكتاب أو..، موحية لي بأهمية ما أقوم به، لأنها تعرف بحسها الجميل أنني دائم التردد في الكتابة و إن كنت مولعا بمتابعة كل ما هو ثقافي و أدبي، وذلك لابتعادي، بسبب اشتغالي في الإدارة، عن الدوائر الأكاديمية المتخصصة أو العلمية البحتة منذ ما يقارب عقدين من الزمن.
و للحقيقة فقد شكلت الفقيدة دينامو الحركة الثقافية بشفشاون لسنوات، إذ كان حضورها وازنا في الإشراف، و تعدته إلى المشاركة بوافر علمها في الحلقات الدراسية التي تتعلق بالحياة الثقافية والأعلام بشمال المغرب أو بتقديم كتبها المتميزة و الغنية التي تتالت و كأنها تسابق القدر، و كذا إلى المساهمة بجدية شخصيتها العلمية في توجيه الطلبة والطالبات الذين يقصدونها في مدراج البحث، كما كانت تقوم مقام صلة الوصل بينهم وبين الحلقة الأكاديمية العلمية للدراسات المغربية الأندلسية الذي ضمت خيرة أساتذة كلية الآداب بتطوان.
الأيادي البيضاء للفقيدة هدى على الحياة الثقافية والأدبية و الفكرية في شفشاون في العقد الأخير لا يمكن أن تنسى و لا يمكن أن يتجاهلها إلا جاحد، فغياب هدى ترك أثره واضحا نلمسه بشدة الآن، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر، فقلما أنجبت حاضرة شفشاون امرأة مبادرة ثقافيا و أدبيا بنفس المثابرة و الحرص و الكرم التي أبانت عنه الفقيدة هدى، لذلك فرحيلها إلى دار البقاء، و كل من عليها فان، يعتبر خسارة للحركة الثقافية بالشمال عامة و لمساهمة المرأة في الحياة الثقافية بشفشاون خاصة.
على المستوى الشخصي، أقول بكثير من التواضع و منتهى الصدق أنني برحيل د. هدى، فقدت صديقة عزيزة توطدت عرى الأخوة بيننا بتلقائية و دون مساحيق، فقد كانت بالنسبة لي سندا قويا، و مثالا إنسانيا أحتذي به في مجاهدة الذات والانتصار بكبرياء حزين على الظروف، كما كانت قدوة في كرم التعامل مع الآخرين يطبعه الوفاء للخير و الترفع عن الحسابات الصغيرة و الرؤى الضيقة و الحساسيات المفرطة، و سفائف الأمور و حطام الدنيا الذي سيبقى حطاما…
ليس من مات فاستراح بميت*****إنما الميت ميت الأحياء
رحم الله الفقيدة هدى و أكرم مثواها وجعل قبرها روضا من رياض الجنة. و اللهم ألحقنا بها مسلمين طائعين تائبين.
عبد الحي مفتاح