ظاهرة إهمال الوالدين وهم على قيد الحياة باتت متفشية بشكل مثير بمجتمعنا ولا من يحرك ساكنا، فحتى أيام الشهرالفضيل لم تشفع لهم ولم تحرك شعرة واحدة في رؤوس أبنائهم، خاصة الذين يعيشون في بحبوحة وهذا ما يثير أكثر ويترك غصة أليمة في حلق النفوس الخيرة والضمائر الحية. أما القلوب الميتة “للمساخيط” فقد طبع الله عليها وإلا لما كانت تستطيب العيش غارقة في ملذاتها وشهواتها وتجلس إلى موائد الإفطار”المتفجرة” بكل ما لذ وطاب من أنواع الطعام والشهوات وأحد الوالدين أوهما معا نزيلان بإحدى دور العجزة، يقاسيان قساوة العزلة والحرمان والتهميش ونحن قد تجاوزنا النصف من شهررمضان.
والمثيرللدهشة أن بعضهم لم يزروالده أو والدته بدارللعجزة، منذ خمس سنوات أو أكثر، فأي مصيبة أعظم من هذه ؟
وبالمناسبة، لابأس من استعراض قصة واقعية، جرت أحداثها بدولة شقيقة.وتتمثل في أن ابنا بارا (65 سنة) كان يرعى والدته في بيته، لمدة ثلاثين سنة، بينما الابن الاصغر (60 سنة) كان يرسل لهما المال ، كل شهر، لقضاء جميع أغراضهما.وعندما أحيل هذا الأخير على المعاش، طلب من شقيقه السماح له، باستضافة والدتهما للعيش معه ما تبقى من عمرها، فلم يوافق له على ذلك، رغم أن الشقيق الأصغرتوسل إليه وبكى كثيرا، موضحا أن من حقه أن تقضي معه والدته ما تيسر من سنوات عمرها ويبر بها بدوره.ولما طال بينهما الأخذ والرد في الكلام، كان الحل هو اللجوء إلى القضاء، حيث كان الموقف مؤثرا، حيث بكى القاضي نفسه الذي لم يصادف ملفا كهذا في مساره المهني وعندما سأل والدتهما مع من تريد العيش، ردت عليه باكية هي الأخرى : “كلاهما ابناي، واحد في عيني اليمنى وآخر في عيني اليسرى”.وبعد البت في القضية ومداولتها، حكم القاضي بأن تعيش الوالدة ما تبقى من حياتها مع ابنها الأصغر.طبعا هذا الحكم كان قاسيا على الابن الأكبر الذي خاصم النوم جفنيه، قبل أن يعود إلى القاضي ويخبره بأنه تقبل الحكم ويلتمس منه فقط أن يلتزم معه شقيقه الأصغركتابة بأن يبر بوالدتهما جيدا كما بر بها هو، طيلة 30 سنة وهكذا كان الأمر.
إنها والله قصة خليق بها أن تدرس لكل الأجيال، لكي يعضوا عليها بالنواجذ.أما واقع مجتمعنا اليوم، فما عاد فيه شيء يعجب…
محمد إمغران