لا يجادل اثنان، ونحن لا يفصلنا عن الانتخابات المقبلة الكثير من الوقت، في كون “المثقفين” لا يبالون بهذه المحطات ولا يعيرونها أي اهتمام، وكأن الأمر لا يهمهم، إطلاقا، لا يهم نمط وشكل حياتهم، ولا مستقبلهم أو مستقبل أبنائهم أو مستقبل وطنهم ، ذلك أن أغلبهم دأب على المكوث في برجه العاجي أو في السماء السبع، غير مكترث بأهمية الموضوع، بل دون أن يناقش هذا الموضوع، الجدير بالاهتمام، سواء في محيطه أو بيئته، حتى إذا ناقشه يظل حبيس الجدران أو سجين بعض المقاهي “الرومانسيةّ وينتهي الأمر في رمش العين ! أما إذا غادر الموضوع هذه الجدران، فيتم تناوله فقط في قصيدة، غير شعرية أصلا، أو من خلال قصة هي نفسها تبحث عن موطئ قدم في ساحة الاعتراف الإبداعي. بينما المطلوب من المثقف المشاركة الميدانية، سواء بدخوله باب الترشيحات، لكي لا يترك الفراغ للمصطادين في “التمثيلية الجماعية والبرلمانية” أو بمساهمته في تعبئة وتوعية المواطن، بخصوص أهمية المرحلة المعنية. ذلك أن “المثقفين” قادرون على النزول بثقلهم، لتغيير كثير من المفاهيم والمعتقدات والمعلومات الخاطئة لدى الناخبين إزاء الحملات الانتخابية، خاصة إذا نزلوا ميدانيا، واحتكوا بأجواء الانتخابات واقتربوا منها كثيرا وأدلوا بدلوهم فيها، مباشرة، أثناء التجمعات الانتخابية أو من خلال مكونات المجتمع المدني والتي أغلبها تنعت ب:”التخاذل” مع مثل هذه المحطات الحاسمة، المشكلة لمستقبل البلاد والعباد، ولو نسبيا.
يقال أن المثقف ينبغي له أن يظل محايدا، بعيدا عن السياسة، فهو يمثل الإنسان والمثالية والمبدأ، وكل انجراف له صوب السياسة أو الانتخابات قد يجعله موضع اتهام معين، وبالتالي سبة تلوكها الألسن. وفي هذا الصدد، كثيرا ما يطرح مثل هذا السؤال: “هل مطلوب من المبدعين بعامة ومن الشاعر على وجه خاص، أن يكون ذا موقف سياسي، أم أن موقفه الإنساني يملي عليه أن يقاطع التوجهات السياسية؟ وهذا سؤال إشكالي. لكن يمكن القول: في الحياة الإنسانية، يصعب مثل هذا التحديد، أن يكون أو لا يكون، أن يفعل وأن لا يفعل، فهذه خيارات تحددها الظروف العامة والمكونات الشخصية في آن واحد، وبالتالي فالانخراط في العمل السياسي ليس نقيضاً للموقف الإنساني، وربما كان الموقف الإنساني، وهو تعبير فضفاض، لا يعبر في مراحل الاحتدام الوطني، وبخاصة حين يكون الوطن يعاني كثيرا، وما ينبغي أن يؤدي المواطن، حتى لو كان فناناً عظيماً أو شاعرا كبيرا أو كاتبا وأديبا مقتدرا ، من دور إيجابي فاعل على الصعيدين الفكري والعملي ومنه الانخراط في الجهد السياسي والانتخابي، باعتباره جوهر الموقف الإنساني”.
وعلاقة بالموضوع، فقد ذكرت تقارير إعلامية أن وزارة الداخلية تتحرك بديناميكية، استعداداً للانتخابات المقبلة 2021، من خلال عقدها للعديد من الاجتماعات مع مختلف الأحزاب المغربية، بهدف طرح وتبادل وجهات النظر المرتبطة بهذه المحطة الاستحقاقية، ذات الأهمية، حيث تناول الجانبان مطالب عديدة، ففي الوقت الذي نادت الداخلية بضرورة الالتزام الجماعي بأخلاقيات الانتخابات وقيم الديمقراطية، ارتأت عدة أحزاب تغيير نظام القائمة بالاقتراع الفردي، بالإضافة إلى ضرورة اعتماد تشريعات تحاصر وتمنع استعمال المال، للتأثير على حرية الناخبين في الإدلاء بأصواتهم.
وبعد اجتماع في وقت سابق لزعماء ممثلي الأحزاب المُمثلة في البرلمان، عقد بعد ذلك عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، لقاء مع زعماء وممثلي أحزاب سياسية، غير ممثلة في البرلمان. كما كان الوزير ذاته حسم الجدل بخصوص تنظيم الانتخابات، مُؤكداً أن السنة المقبلة هي انتخابية بامتياز، إذ سيتم تنظيم جميع الاستحقاقات الانتخابية، سواء المُجددة لمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، والتي على إثرها يُعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي قد يحصل على المرتبة الأولى.
وسيتم انتخاب المجالس الجماعية والمجالس الإقليمية والمجالس الجهوية والغرف المهنية، بالإضافة إلى ممثلي المأجورين، ومجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، علما أن ممثلي المأجورين هم أشخاص يتم انتخابهم في جميع شركات القطاع الخاص والمؤسسات العمومية ، حيث يتم انتخاب ممثلين عن كل مؤسسة بحسب عدد الموظفين، ومن هؤلاء يتم إجراء انتخابات أخرى، الفائز فيها يحصل على عضوية بالغرفة الثانية للبرلمان. كما كان وزير الداخلية حرص على الاستماع إلى مقترحات ومطالب الأحزاب، غير الممثلة في البرلمان، بخصوص المحطة الانتخابية القادمة.
وأكدت مصادر متطابقة أن القيادات الحزبية طالبت بإدخال تعديلات على القوانين التي تُنظم الانتخابات في المغرب، خاصة على مستوى نمط الاقتراع، والعتبة الانتخابية، وهي أدنى نسبة من الأصوات التي تُمكن الحزب المعني من الحصول على أحد المقاعد المتنافس عليها. وشدد المشاركون على ضرورة العودة إلى نمط الاقتراع الفردي، بدلا من الاقتراع الجماعي الذي تعتمده المملكة منذ سنوات، وفي الوقت الذي تُطالب أحزاب بتخفيض العتبة الانتخابية، تنادي أخرى بإلغائها، بشكل كلي. بينما ارتأت باقي الاقتراحات ضرورة اعتماد تشريعات تحاصر و تمنع استعمال الأموال لاستقطاب الناخبين، ضمانا وحفاظا على التنافسية، بشفافية ونزاهة، بين جميع المُرشحين. وذكرت ذات التقارير الإعلامية أنه من بين النقاط التي أثيرت أمام وزير الداخلية، مسألة التمويل العمومي للأحزاب، إذ تمت الدعوة إلى أولوية ربط حجم الدعم بنتائج الأحزاب في صُنع الكفاءات والكوادر السياسية، وكذا بناء على برامج عملية في هذا الصدد، يتم فيها التركيز على النتائج أكثر.
كما كان ا بعض المشاركين قد دعوا إلى ضرورة التعبئة الكاملة لجميع المكونات السياسية، لإقناع أكبر فئة من المواطنين بالمشاركة في هذه الاستحقاقات. ولإنجاح هذه العملية تم التشديد على أهمية تكاتف الجميع لتكون هذه المحطات الانتخابية شفافة ونزيهة، وبالتالي تعمل على تعزيز ثقة المواطن في المؤسسات، تنفيذا لتعليمات جلالة الملك محمد السادس التي أعطاها في أكثر من مناسبة.
وكان عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، كثيرا ما التقى بقيادات وممثلي الأحزاب المُمثلة في المؤسسة التشريعية، بهدف الوقوف على وجهات نظرها، فيما يتعلق بالمحطات الانتخابية التي لم يعد يفصلنا عنها الكثير من الوقت. ومن المنتظر، كالعادة، أن تنعقد لقاءات أخرى، مع مختلف مكونات المشهد السياسي وذلك في إطار مقاربة تشاركية، واظبت عليها وزارة الداخلية، منذ سنوات.
وكثيرا ما شدد لفتيت على أهمية الالتزام الجماعي بأخلاقيات الانتخابات، وكذا واجب النزاهة والتنافس الشريف، فضلا عن التحلي بقيم الديمقراطية، مُعتبراً ذلك ضروريا لمساعدة القائمين على الشأن الانتخابي في محاربة كل التجاوزات، مضيفا أن وزارته مستعدة ومجندة للعمل إلى جانب الأمناء العامين ورؤساء الأحزاب السياسية، بغية الشروع في طرح وتدارس الشؤون والقضايا التي لها علاقة بالانتخابات المقبلة، مع البحث عن الحلول الناجعة لهذه القضايا، على أن تكون في جو من الحوار البناء والمسؤول والصريح. أي، بمعنى آخر، “القيامة” قائمة في هذا الإطار، استعدادا للانتخابات المقبلة، من خلال تحرك المشهد السياسي المغربي، من فترة إلى أخرى، بينما كالعادة ليس غريبا ومثل المحطات الانتخابية السابقة، أن يخلو هذا المشهد السياسي من دور أو تحرك “المثقفين” على مستوى تسجيل حضورهم البارز، للإسهام في تشكيل الخريطة الانتخابية المستقبلية لوطن، يسع الجميع بإيجابياته وخيراته، فإلى متى سيظل “المثقفون” متخاذلين مع الانتخابات، بل ومع أنفسهم ؟
محمد إمغران
صحفي بجريدتي الشمال وطنجة