موسم الصيف يشرف على النهاية، بقايا المصطافين يقتنصون ما تختزنه الشمس من حرارة قبل توديع البحر.
أحس بشيء من الكآبة في هذا الوقت من السنة، فشيء رمادي ينسل إلى دواخلي و لا أدري ما علي فعله للتخلص من ضغطه الغريب.
بموازاة هذا تنطلق استحقاقات محلية و جهوية ووطنية ستنبثق عنها مجالس و وحكومة جديدة للست و الخمس السنوات المقبلة.
بماذا تختلف هذه الاستحقاقات عن سابقاتها؟ وهل ستأتي بتغييرات-بتقدم إلى الأمام أم ،لاقدر الله، بتراجعات- أم ستظل دار لقمان على حالها؟…
أسئلة كثيرة تتبادر إلى الأذهان إثر تكرار التجارب التي عمقت اليأس لدى شرائح واسعة من الشعب، خاصة الفئات المحرومة والمتوسطة، وعمقت هوة عدم الثقة بين المجتمع والنخب، والمجتمع والمؤسسات.
الأخبار التي تصلنا من حين لآخر عبر الصحافة والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي…، نستقي منها مؤشرات لا تبشر بتحول إيجابي في السلوكات الانتخابية، فهناك على الأقل ظاهرتان سلبيتان تستمران في تمييع المشهد الانتخابي هما: الترحال و إغراق السوق الانتخابي بالتشرذم والتفتيت والبلقنة…
أما على المستوى الإجرائي للانتخابات البرلمانية ، فإن الجديد هو إلغاء اللائحة الوطنية للشباب و إضافة مقاعدها للائحة النساء، في إطار التمييز الإيجابي وسعيا إلى المناصفة، والتي تحولت من لائحة وطنية إلى 12 لائحة جهوية، في حين على مستوى المضمون السياسي تحول التصادم الذي كان وجها لوجه، في الانتخابات السابقة، بين حزب العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، و الذي نشطه بدهاء و حنكة و وأداره بتشويق عبد الإله بن كيران المنحدر من فاس وغريمه إلياس العماري المنتمي للريف، إلى مناوشات باردة، في الانتخابات الحالية، بين العدالة و التنمية كلاعب أساسي و بين منافسه القوي التجمع الوطني للأحرار لاختلاف شخصية الطبيب النفسي سعد الدين العثماني التي يطبعها الهدوء والتفاؤل المستفز عن سابقه بن كيران، وشخصية عزيز أخنوش رجل الميدان و الأعمال، التقنوقراطي المغرم بالأرقام والمال، الأقل دهاء و حنكة سياسية عن العماري.
قد يكون تصادف انتماء المرشحين الرئيسيين لقيادة دفة الحكومة من نفس المنطقة له تأثير خفي كذلك على مزاج المعركة الانتخابية الحالية؛ و في هذا الصدد ومن أجل تسخين”الطرح” وخلخلة الخطوط والمواقع، لم تخل التقاطبات المشرئبة إلى المقاعد الوثيرة للحكومة المقبلة ومنافعها، من مناوشات كان حصان السبق فيها قائدا آخر ينحدر كذلك من سوس العالمة هو المحامي المشاكس عبداللطيف وهبي الذي يريد أن يبصم أن الأصالة والمعاصرة لم يفقد بعد كل هيبته وإن كان فقد ، بعد نزول العماري و”شعبيته”، الكثير من قوته وراكبيه، و تظل كل الأحزاب في وضعية غياب استفراد زعيم أو حزب بالمساحة العظمى، تسابق الزمن و تستنفر كل ما تبقى في خزانها من وقود طامعة في توسيع مساحتها الانتخابية علها تظفر بموقع متقدم أو بالريادة في التفاوض من أجل تشكيل الحكومة المقبلة.
على مستوى آخر من المتوقع أن تكون المدن الكبرى بالإضافة إلى الجهات التي تفرز مجالسها بالانتحاب اللائحي قطب رهان الأحزاب الكبرى وقد تعرف بعض التقاطبات المستجدة انطلاقا مما ستكون عليه تشكيلة الائتلاف الحكومي، وقد يتحكم في بعض الائتلافات أو التحالفات الأمر الواقع حينما لا تتعدد المخارج.
كل الاحتمالات واردة في ظل نمط الاقتراع الجديد، إلا أن احتمال انفراد حزب بقيادة الحكومة والمدن الكبرى و الجهات شبه منعدم.
فهل سيشهد المشهد السياسي مرحلة جديدة للتوافقات الجادة المفيدة للتوازنات الاجتماعية والمجالية، أم ستختل جميع الموازين وينحدر المشهد السياسي إلى تفاقم مرض “الطفولية السياسية” الذي قد تستفيد منه مجموعات و لوبيات وشبكات و يخسر من جرائه الوطن سنوات من مساره العسير في اتجاه التعافي من هزة وباء كوفيد19 المربكة و المستمرة، و ماقبلها من تراكمات سلبية على مختلف المستويات، وبالتالي يضيع فرصا أخرى في تحسين وضعه المستقر ضمن الشعوب النامية و المتحضرة؟.
عبدالحي مفتاح