إذا لم تتحسن الظروف الاجتماعية للمواطنين، ولم يحسوا باستقرار، أساسه مسكن ومأكل ومشرب وملبس وعمل وتطبيب، فإن كل المجالات الأخرى لا يمكن الحديث عنها، بل ستكون مضيعة للوقت وإتلافا للأغلفة المالية المرصودة لها، فكيف يمكن، مثلا، النهوض بالتعليم أو بالرياضة أو بالفنون أو بالثقافة إذا كانت هذه القطاعات موجهة لخدمة شريحة واسعة جدا من المواطنين الذين يتضورون جوعا ويسكنون بيوتا غير لائقة، يكترونها ويؤدون ثمنها، بشق الأنفس، كما يتألمون بسبب أمراضهم المتنوعة، دون تمكنهم من ولوج المؤسسات الاستشفائية العمومية، فبالأحرى المؤسسات الخاصة، لتلقي علاجهم. وما أكثر الأسر التي تعاني إكراهات جمة، لتتفاقم أحوالها، أكثر فأكثر، جراء تداعيات جائحة “كوفيد 19” وتأثيرها على الأخضر واليابس والتي لم تستثن حتى أولئك الذين لهم موارد معيشية قوية ومتميزة وكانوا يعيشون في يسر ورخاء ملموس.ذلك أن الظروف الاجتماعية للمغاربة هي المقياس الحقيقي لسياسات الحكومات المتعاقبة، دون استثناء، لملامسة فشلها أو نجاحها في توفير العيش الكريم لهم وضمان حاجياتهم في شتى مناحي الحياة.وهي الظروف التي يستشعر المغاربة قساوتها فيما بينهم ويلمسونها في معيشهم اليومي ومن خلال احتكاكهم ببعضهم البعض، دون الحاجة إلى معرفة الأرقام و الإحصاءات الرسمية الخاصة بأمورهم ولا إلى معرفة أرقام وإحصائيات المنظمات والمؤسسات الدولية، سواء كانت جميعها دقيقة وصائبة أو كانت مغلوطة ومزايدة، إذ يكفي المغاربة الكادحين أنفسهم ما يرونه وما يحسونه وما ينتظرونه من تغييرات وإصلاحات، تنعكس إيجابا، فعلا وواقعا، على نمط عيشهم وحياتهم.
لقد شهد المغاربة، على مر عقود، مجموعة من المحطات، شملت إحصاءات خاصة بنموهم الديموغرافي ومستوى عيشهم وشكل حياتهم، إلا أن الفوارق الاجتماعية كانت تزداد في كل مرة، إلى درجة أن المواطنين فقدوا الثقة في كل ما يتعلق بأخذ معلومات شخصية عنهم من طرف السلطات المختصة، تهم شؤونهم الخاصة، وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية، لأن أمور حياتهم تظل هي هي، إن لم تتعقد أكثر.
صحيح، أنه خلال العقد الأخير، وبالضبط مع “ثورة” دستور 2011، تم اعتماد إصلاحات نفذت بسرعة قياسية، كان الهدف منها تحقيق الاستقرار في البلاد . ورغم أن الدولة كافحت وحاربت الفقر، بإنشاء مجلس اقتصادي ومجلس اجتماعي، كما نهضت بالبنية التحتية، بمختلف مستوياتها، وقامت بأوراش اقتصادية كبرى، إلا أن أحوال المواطنين لاتتغير، فهم يشكون من البطالة وغلاء المعيشة وضعف الأجور وضعف القدرة الشرائية وانسداد الأفق، ليبقى الجانب الاجتماعي لديهم مقلقا في انتظار ما يأتي.
ويأمل المغاربة في أن يكون خلاصهم في مشروع “السجل الاجتماعي الموحد” بعد تنزيله وتفعيله، غدا، آملين ألا يكون مصيره يضاهي مصير بطاقة” الراميد” وغيرها من البطائق التي لم ترق إلى مستوى تطلعات المستفيدات والمستفيدين.
[divider style=”dashed” top=”20″ bottom=”20″]
مجلس المستشارين يصادق رسميا على مشروع القانون المتعلق بالسجل الاجتماعي الموحد
وافقت الغرفة الثانية بالبرلمان، مساء يوم الثلاثاء على مشروع قانون السجل الاجتماعي، المتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وإحداث الوكالة الوطنية للسجلات.
وحضي المشروع، خلال عرضه على جلسة تشريعية للدراسة والتصويت، بموافقة 55 من المستشارين البرلمانيين، من مختلف الفرق والمجموعات النيابية، في حين لم يعارضه أي أحد، مقابل امتناع 6 مستشارين هم أعضاء فريق الاتحاد المغربي للشغل.
وكانت لجنة الداخلية والجماعات الترابية والبنيات الأساسية، صادقت الخميس الماضي بالأغلبية، على مشروع القانون المذكور.
وبحسب المذكرة التقديمية لمشروع القانون، فإن “السجل الاجتماعي الموحد”، هو نظام وطني لتسجيل الأسر، قصد الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي، على أساس تحديد المستفيدين، عبر اعتماد معايير دقيقة، وموضوعية، وباستعمال التكنولوجيات الحديثة.
المنظومة تقوم على أربعة مرتكزات
ترى المذكرة التقديمية أن مشروع القانون المذكور، أحدث آليات لتعزيز التناسق بين برامج الدعم الاجتماعي، من خلال وضع تصور موحد لتنفيذ هذه البرامج بشكل منصف، وشفاف.
وشددت الوثيقة على “ضرورة تجاوز الإشكالات التقنية، التي تعيق إيصال الاستفادة الفعلية من هذه البرامج إلى الفئات، التي تستحقها فعليا”.
وتقوم المنظومة على أربعة مرتكزات أساسية، وهي السجل الوطني للسكان، والسجل الاجتماعي الموحد، ثم ضمان حماية المعطيات الشخصية للأشخاص المقيدين في السجلات، وأخيرا، إحداث الوكالة الوطنية للسجلات.
سجل السكان
يهدف السجل، بحسب مشروع القانون، إلى توفير المعطيات ذات الطابع الشخصي، المتعلقة بالمغاربة والأجانب المقيمين بالتراب المغربي بطريقة إلكترونية.
وينص المشروع على فتح باب التقييد في السجل، للمواطنين المغاربة، والأجانب
وتكلل عملية التقييد بمنح معرف مدني، واجتماعي رقمي، يمكن من التحقق من صدقية المعطيات الشخصية، المدلى بها من قبل الأشخاص الراغبين في التقييد في السجل الاجتماعي الموحد، من أجل الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي.
السجل الاجتماعي
يعتبر السجل الاجتماعي الموحد بمثابة سجل رقمي، يتم في إطاره تسجيل الأسر قصد الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي، بناء على طلب يقدمه الشخص المصرح باسم الأسرة.
ويرى القانون أن هذا السجل، سيشكل المنطلق الوحيد للولوج إلى كافة برامج الدعم الاجتماعي، من خلال تحديد مدى قابلية للاستفادة منها، عبر اعتماد معايير دقيقة تتم وفق عملية تنقيط.
الوكالة الوطنية
ينص القانون أيضا على إحداث وكالة وطنية للسجلات، لتدبير السجل الوطني للسكان، والسجل الاجتماعي الموحد.
وتتولى المؤسسة العمومية مهمة السهر على ضمان حماية المعطيات الرقمية، وسلامة المنظومة المعلوماتية.
كما تتولى المؤسسة مهمة منح المعرف المدني والاجتماعي الرقمي للأشخاص، المقيدين في السجل الوطني للسكان، بالإضافة إلى تقديم خدمات التحقق من صدقية المعطيات.
وسيدير الوكالة مجلس إداري، وسيعين مدير عام لها، وفق أحكام القانون الجاري به العمل.
إضاءة حول المشروع
رقم مدني واجتماعي لكل مواطن
سيصبح السجل هوالمنطلق الوحيد لدخول أي برنامج اجتماعي، وسيتم إحداث سجل وطني للسكان، حيث كل مقيم في المغرب سيصبح له معرّف رقمي مدني واجتماعي.
وسيعتمد المغرب أنظمة معلوماتية بمجرد إدخال الرقم الخاص بكل مواطن مغربي أو أجنبي مقيم بالمغرب، يتم التعرف على الوضعية الاجتماعية له.
تسهيل التعامل
يرى بنيونس المرزوقي، الباحث في العلوم السياسية في جامعة محمد الأول في وجدة، أن”السجل سيسهل طريقة التعامل مع الإشكالات الكبرى، خاصة صندوق المقاصة”.
موضحا ، في حديثه لوسائل الإعلام أن هذا سيحدث “من خلال العمل بنظام البطاقة على غرارعدد من الدول، ولتتمكن الفئات المستهدفة من اقتناء السلع بالثمن المدعم، فإن هناك عملا ينتظر الحكومة لتدقيق أرقام برامجها الاجتماعية”.
ولم تحسم الحكومة طريقة الدعم، إذ هناك سيناريوهات ما تزال قيد النقاش، مثل الدعم المالي المباشر، أو بطاقات تسمح باقتناء سلع.
ودعا المرزوقي الحكومة إلى تدقيق الأرقام والمعطيات والإحصاءات الاجتماعية، لأن مختلف البرامج الاجتماعية والصناديق والمشاريع تعطي أرقاما منفصلة (مختلفة) عن بعضها البعض، وبالتالي تعطي صورة مغلوطة عن الواقع الاجتماعي.
محمد إمغران
صحافي