…هو ديوان لشعر حرّ ، بين دفتيْ كتاب من القطع الصغير ، من ست و ثمانين لوحة رومانسية . غلافه بلوْن “الكناري” في أعلاه يجثو فيه العنوان ، للتعبير بداية عن نوع من الطمأنينة ، ثم تأتي بعدها سحب شاحبة حمراء عند الغروب ، كي يعود اللون الأصفر الفاقع ، ليسود الأسوَد في أسفل الغلاف ، بمعية خيال امرأة تُعطي ظهرها للحياة . – الشاعرة حياة النفوس العسري أبدعتْ بفرشة من حبر الحياة بروائع الرسم للتعبير عن سيرتها الذاتية بكل أحداثها . وهي التي استطاعت الاحتكام إلى آليات اللغة العربية ، لتشرح لنا تلك التناقضات في حياتها . و هذا الملمح الثقافي يساعدُنا على سبر أغوار النص اللغوي التي نزلت الشاعرة الأديبة بثقلها ، فأبدعتْ لعقود من الزمان من رحلة العمر ، في شكل لوحات تجريدية و كلاسيكية ، فكتبتْ في الأنتروبولوجيا و دنيا العجب و دوْر القضاء و القدر . فنمنمتْ للحبيب و ارتشفتْ من مُقلتيْه بعضاً من الحنين لإطفاء لهيب صبرها ، ثم تغضب العاشقة الولهانة على المُخادع و تنعته بالنفاق الذي قال فيه الله جلَّ في علاه : فما لكم في المنافقين فئتين و الله أركسهم بما كسبوا ، أتريدون أنْ تهدوا من أضل الله (سورة النساء، الآية 88) . – ثم لقول الشاعرة للغشاش : تختفي وراء قناعك اللعين، و اللعنة عليك تنزل من ربّ العباد . وقد نزلت الشاعرة بثقلها اللغوي و الأدبي لتبدع صُوَر حياة رسومات ، و إنْ لم تمْسكها إطارات . – و رأيتني أعدُّ الحروف التسعة عشر التي تمَّ للأديبة استثمارها في عناوين أشعارها من أبجدية اللغة العربية الثماني و العشرين . – هذه العناوين التسعة عشر بدْءاً بالألف : 1- الإضاءة / الباء-2: بوْحٌ على أهبة الظنون / التاء-3 : تلك المرْأة أنا / الحاء-4 : حبي فياض لا ينتهي / الدال-5 : دنيا العجب/ الراء-6 : رسالة مجهولة /السين-7 : سأنتظر / الصاد-8 : صدق/ العين-9 :على شاطىء البحر/ الفاء-10 : فاتنتي لا تخجلي /القاف-11 : قل ما شئت / الكاف-12 : كنْ مُبتسماً / اللام-13 : ليتني أنا / الميم-14 : منافق أنت / النون-15 : أنا و أنت (لكثرة استعمال النون) / الهاء-16 : هذا الليل الأصمّ / الواو-17 : وقت الغروب / الياء-18 و 19(لاستعمال حرف النداء عدة مرات) : يا حزْني ترَفق – و ، يوم أطلَّ علي القمر . و بهذه العناوين التسعة عشر قد تبدع نثراً فنياً و شعراً عمودياً . أرهفتْ سمعي الشاعرة حياة التطوانية لحمامتها البيضاء وهي تتحسرُ بحرْف الياء : يا رشيقة المكان و يا فيحة العود والخيزران. ، يا تطوان .. و أين جمال روعة الفدان . . و يا أنت من هذا ؟! بالاستفهام و التعجب . – هي الشاعرة التي تخاطب قلبها إلى توْبة نصوحة عن احتمال تبعات الماضي ليستسلم القلب إلى ربّه المعبود / و لا تشعل فتيل الحزن .. على عمرك بكل الوقود .. أنصحك يا قلبي .. أنْ تبتعد و تستسلم .. لربّك المعبود . و كيْ تسترجع أنفاسها من سداجتها و تستيقظ من غفلتها لعلَّ الشفاه كانت ظامئة و الحلق جاف و التنفس شهيق من شدَّة حبّ الحبيب / لأستمع إلى دقات قلبي .. أحسبها بعداد الثواني .. لأسترجع أنفاسي .. التي ضاعت مني .. فترة سذاجتي و ثقتي ..من أقرب الأقرباء لي . فتفتح نافذة لدخول الهواء ببحَّة صوْت “مطرب أمريكي أسود البشرة” ، أعيته آهات الحزن ، فتستطلب من البحر عطر أمواجه لإكرام منزلتها على غرار خيال لقصة يوسف عليه السلام .ثم تستحضر الشاعرة فيلم الرسالة المجهولة و تتخيل ، و تستلف استعاراً قلب أدواره من الحبيب إلى المحبوبة / فيكفيني خيالك مؤنسي و حبيب .. و إنْ قتلوني .. فما أنا تارك من أحبّ .. وسأنتظر حتى تشرق الشمس وقت المغيب . هي حياة الحياة تنبض بالحيوية و تمتلك من لغة البيان ما يؤهلها لتلتحق بمقام فرْسان الشعر .. و بصوْت كوكب الشرق ، من كلمات بيرَم التونسي : هو صحيح الهوى غلاَّب ..و الهجر قالوا مرار و عذاب ..فالشاعرة الملحاحة بنظمها ، ستظل تكتب .. – و ما العمر إلاَّ مراحل من نثر و شعر يطويها الراحل . فقد أضافت الشاعرة “للغة العربية” ، صيغة فكرياء على وزن كبرياء .. – يحتاج القارئ الاطلاع على التراث اللغوي للشاعرة حياة ، فإذ أسلمتُ لفكري أنْ يُبدي إعجابه و تقديره لإبداعات الأديبة ، و من أجل ذلك أخط في حق المُعلمة الكلمة الطيبة : منذ سنوات و سنوات خلتْ ، كانت مدرستي الابتدائية هي دُنياي ، حيث كنا نشترك جميعا في طفولة بريئة ، و في ذلك الطفل الذي يسكننا إلى يوم الناس هذا . وهو الذي ألف بيننا ، و أراني في “باكر” الشباب أتواثب وراء الفراشات الملونة كالزهور ، مع جيلي من الابتدائية ، و نحن بين أزهار البريّة ، في منطقة الزرقاء ، نسبح في مياهها العذبة الزلال . بتلك الفطرة الإنسانية ، ومن خلالها نستسمع لهمسات الذكرى ، لاسترجاعها من ذاكرتنا . و لنستنشق عبير هذا اللقاء ، وهو يتخطى بنا الزمان و المكان . و لأني أرى وجوها طيبة كأوَّل عهدنا يوم التقينا ، فتعارفنا على فضاء المدرسة الابتدائية ، و في أقسامها منذ عهود مضتْ ، حيث كان يُغالبنا النعاس في الصباح الباكر ، ونحن نتثاءب عند اصطفافنا مثنى مثنى على أبواب الأقسام ملبين و مستمعين لصوت المعلمة و المعلم ، لتحصيل أبجدية العلم . وقد نسعى في هذه اللحظة السعيدة لنصل يومنا بماضينا ، و لم و لن نسأل الزمان أنْ يرُدَّ علينا ما فات من أحداث ؟ – ورأيتني و أطياف الحبّ ترفُّ رَفيف الحياة بيننا . فالفضل لله ثم لتلك المَعلمة للتعليم العمومي . فالمدرسة العمومية هي اللبنة الأولى في بناء عمارة الطفل ، إذ لم يكن ذلك الفعل بالماضي أوْ المضارع بل كان بفعل الأمر من الله جلَّ و علا في محكم كتابه ، قائلاً : “اقرأ” وهي كلمة كقطرة الندى التي رَوَتْ و أنعشتْ العُشب الذابل ، فأصبحت و أضحتْ و أمستْ القراءة قبل أنْ تكتمل أضراسنا ، لنا غراماً و هياماً و حباً مُزمناً . هؤلاء الأطفال هم أزهار بألوان الربيع ، و قد أصبحوا عطراً يُستنشى و جمالاً يُشتهى . فمنهم المعلمة و المعلم و الطبيبة و الطبيب و المهندسة و المهندس و الصانع و التاجر ، و لا ضيْر ، إذ الحياة أنْ يكون الإنسان شيئاً في الوجود . فنحن جزءٌ من صناع الحدث كما قال “فرانز روزينطال” المؤرّخ الباحث . فالتاريخ رواية و جَوْهرها أسلوب ألحكي الذي يُرْوى به الحدث ، و في مجموعة من الحقائق لا يتجاوز الحدّ الأدنى من الصنعة الأدبية . و على لسان ابن حزْم القائل : الاعتزاز بحرمة الفكر . فقد تعلمنا من مُعلمينا كيفية التلاقح الفكري و التعددية اللغوية اللسانية في صياغة الدلالة الأصلية . الشاعرة المبدعة لست و ثمانين نصاً أدبياً لتتوج ديوانها على الشكل التالي : في استحالة.. هواك..سقط قلبي من علوّ.. سماك.. تهت باحثة عن ظلال.. عُلاك.. لا العمر يكفي لنيل.. رضاك.. و لا الفؤاد ملَّ من.. مُناك.. سر بين جنات الذكرى .. خذني مع أنفاسك.. و قل لي : متى لقياك ؟! ..بعنوان: من علوّ هواك. و ما العمر إلاَّ مراحل من نثر و شعر يطويها الراحل ..
عبد المجيد الإدريسي .