بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدا مباركا طيبا ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
هذه وقفة أولية مع منجز علمي أول للمرحومة هدى المجاطي يسجل اختيارها لرصد المنجز العلمي لعلماء شمال المغرب بدءا من حاضرة الشاون.
بدأ تفعيل اهتمام المرحومة هدى المجاطي بالأدب المغربي باكرا . ولفظ الأدب ينصرف معناه إلى إطار عام، فهو يشمل الأدب بأجناسه الشعرية والنثرية قديمها وحديثها ومعاصرها.
وللإشارة فكلمة “الأدب ” عرفت تطورا تاريخيا ، ففي صدر الإسلام كانت دلالة الكلمة تشير إلى التهذيب والتربية، وفي العصر الأموي توجهت إلى الارتباط بالجانب التعليمي وتحديدا في دراسة كتاب الله وسنة رسوله والتاريخ والفقه.. ثم انتقل ليشمل علوم البلاغة واللغة.. بعد ذلك تخصص في العصر العباسي بعلوم اللغة والنثر والشعر، إلى أن انتهت كلمة ” الأدب” في الوقت الحالي إلى الدلالة عن الكلامة المتقن بلاغيا ،فشمل النقد ونقد النقد والأنساق الثقافية والفكرية والعلوم الدينية وغيرها..
كان أول إنجاز علمي للمرحومة هدى بإشراف أستاذ الأجيال المرحوم سيدي الله المرابط الترغي في مطلع ألفية هذا القرن عندما أعدَّت بحثا قيما في موضوع:” القاضي أبو عبد الله محمد العلمي الحسني الحوات الشفشاوني: حياته وإنجازاته الأدبية” وهو بحث قدمته لنيل شهادة الإجازة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان.
بحث جدير بالطبع والنشر لمادته الغنية ولموضوعه الهام.
وقد بنت المرحومة معماره على الشكل التالي:
1 مقدمة أو تقديم ، أشارت فيها رحمها الله إلى:
– بداية صلتها بالموضوع.
– توكيدها على أهمية العودة إلى الينابيع التراثية.
– اختيار الموضوع بناء على توجيه من المرحوم سيدي عبد الله الترغي
– تجميع أكبر كم من المعلومات عن حياة القاضي أبي عبد الله محمد العلمي الحسني الحوات
– الإلماع إلى أهم جوانب شخصيته العلمية والأدبية.
2- فصل أول اشتمل على فذلكة مركزة عن نسب الحوات ودراسته بين شفشاون وفاس، كما تم التطرق إلى انتظامه في الطريقة الناصرية بتامكروت.. ثم عودته إلى شفشاون ونوليه القضاء بها إلى حين وفاته.
3- فصل ثان تم التطرق فيه إلى تآليف الحوات ، ومنها:
- تحفة المعاصر في بعض صالحي تلامذة أبي عبد الله محمد بن ناصر.
- قصيدة التوسل بالأقطاب وغيرها من الأمداح النبوية.
وهذه الآثار نادرة ماعدا ما احتفظ به ابنه أبو الربيع سليمان الحوات في مؤلفاته بنصوص مقتبسة منها خاصة في كتابه ” السر الظاهر فيمن أحرز بفاس الشرف الباهر من أعقاب الشيخ عبد القادر” وكتابه” الروضة المقصودة والحلل الممدودة في مآثر بني سودة”.
ومما يؤكد ندرة هذه المؤلفات أن ابنه سليمان الحوات صرح في كتابه” ثمرة أنسي بالتعريف بنفسي” فقال:” إن كتب والدي تبدد غالبها على يد من لم يراقب الله من الأقارب”.
وقد أشارت المرحومة إلى هذا الأمر.
وذيلت المرحومة هدى بياناتها الأدبية والتارخية بالنتقاء نماذج أو مختارات من أعماله الشعرية في المدح والرثاء والتوسل وتابعت ذلك بمعلومات مفيدة عن تلمذته على يد الشيخ أبي العباس أحمد بن ناصر الدرعي( نجل الشيخ الأكبر سيدي محمد بن ناصر الدرعي صاحب الدعاء الناصري المشهور والذي مطلعه:
يا مَن إلى رَحْمَتِهِ المَفَرُّ …… ومَنْ إِلَيْهِ يَلْجَأُ المُضْطَرُّ
وقامت الرحومة هدى باستدعاء نصوص من كتابه ” تحفة المعاصر في بعض صالحي تلامذة أبي عبد الله بن ناصر” في موضوعات تتعلق بالنسب وتلقين الذكر أو سند الأذكار.
ومن جميل هذا العمل وحسنه إرفاق المرحومة هدى له بملاحق مصورة عن:
- قوس الشرفاء حيث كان يسكن الشرفاء العلميون بالشاون.
- مسجد الأندلس بالشاون حيث كان الحوات إماما به.
- الزاوية الناصرية بالشاون.
- ضريح الفقيه أحمد بن موسى بن محمد بن ناصر الذي توفي بالشاون عام 1155هـ ودفن بالزاوية الناصرية.
- جانب من مقبرة ” جنان القايد” بالشاون حيث يوجد قبر أبي عبد الله محمد العلمي الحوات.
يعد هذا العمل باكورة المسير العلمي للمرحومة هدى، وهو ثمرة أولى من ثمرات اجتهاداها واتسام أعمالها بترتيب وتدقيق واستفصاء للأخبار والمعلومات والبيانات استرشادا بتوجيهات أستاذها المشرف رحمه الله وترجمة لنبوغها المبكر.
رحمها الله يوم ولدت ويوم تعلمت ويم علمت ويوم ماتت ويوم تبعث في الخالدين، وتقبل الله منها عملها وجهدها وعطاءها.
فلها الرحمة والغفران وإلينا وإليكم حسن العزاء.
دة. نجاة الصباحي