يناير ونكبة الأندلس ..
الجمعة 06 ينايـر 2017 – 19:47:21
قبل البَدء … يجب توضيح بأن الآتي من الحديث لا يتعلق بسرد تاريخ نهاية حكم الإسلام في الأندلس ، وما صاحب ذلك من حوادث وصراعات، وإنما يتعلق بذكرى سقوط الأندلس الإسلامية. وأثر ذلك في الوجدان العربي، وخاصة في مناحي الأدب والشعر العربيين ، حتى يكون القارئ على بينة من فحوى الموضوع …
في يوم 2 من شهر يناير من سنة 1492 م، انتهى الحكم الإسلامي في الأندلس ، أو نهاية دولة الإسلام في الأندلس ، وضياع الفردوس المفقود ، ونهاية آخر ملوكها السلطان أبي عبد الله محمد النصري ابن الأحمر (1460 – 1534م )، سلطان مملكة غرناطة، و أسدل الستار عن آخر صفحة لحقبة من الحكم الإسلامي في الأندلس . وذلك نتيجة معاهدة التسليم التي تنص على مغادرته . يقول محمد عبد الله عنان : ( وطويت إلى الأبد تلك الصفحة المجيدة المؤثرة من تاريخ الإسلام ، وقضى على الحضارة الأندلسية الباهرة وآدابها وعلومها وفنونها وكل ذلك التراث الشامخ بالفناء والمحو . ودخل النصارى غرناطة في الثاني من ربيع الأول سنة 897 (2 يناير 1492) ، واحتلوا حمراءها وباقي قصورها وحصونها وخفق علم النصرانية ظافراً فوق صرح الإسلام المنهار. ). (1).
وعند مغادرة السلطان أبي عبد الله قدم مفاتيح غرناطة إلى الملكين الكاتولكين إيزابيلا وفرناندو، وعند مسيره وقف ينظر ويتأمل مملكته آخر مرة ، وهو يبكي ويتأسف على هذه النهاية المحزنة والمؤلمة التي لحقت به وبمملكته ، فخاطبته أمه السيدة عائشة الحرة بنت محمد الأحمر بقولها :
ابكِ مثلٙ النساء مُلكاً مُضاعاً X لم تحافظ عليه مثلٙ الرجال .
حيث يعرف المكان الذي وقف به ب ” زفرة العربي الأخيرة ” وبالإسبانية : (SUSPIRO DEL MORO EL ULTIMO ) . يقول محمد عبد الله عنان : ( … وفي أوائل شهر اكتوبر سنة 1493 م ، غادر أبو عبد الله الوطن القديم في غمر من الحسرات والأسى ، وجاز البحر إلى المغرب ، بأسرته وأمواله وحشمه ، من ثغر أدرة الصغيرة الواقع جنوبي برجة في سفينة كبيرة أعدت لجوازه ، وعبر في نفس الوقت من ثغر المنكب ، عدد كبير من الوزراء والقادة والأكابر ، من صحبه من آثروا الرحيل …) (2).
عند وصوله إلى المغرب نزل في مليلة ، وبعدها قصد مدينة فاس التي كانت تحت حكم الوطاسيين، واستقر بها إلى أن توفي بها .
وكانت هذه النهاية المأساوية التي ذهبت معها دولة الإسلام في الأندلس وأصبحت تعرف بالفردوس المفقود ، فأوحت إلى بعض الكتاب والشعراء بجميل الإبداع وبليغ التعبير ، فجادت قريحتهم بنظم رائع وشائق . ويوجد جماعة من الشعراء تناولوا نفس الموضوع ، وغدت قصائدهم من أجمل ما نظم من شعر في رثاء المدن.
وأذكر من الشعراء الذين خلدوا هذه النهاية الحزينة الشاعر الأندلسي أبو البقاء الرندي (1204 – 1285م). والشاعر السوري نزار قباني ( 1923 – 1998 م ) .
1) أبو البقاء الرندي : قصيدة : لكل شيء إذا ما تم نقصان . وهي قصيدة طويلة ، يقول مطلعها :
لكل شيء إذا تم نقصـــــــــــان |
فلا يغرن بطيب العيش إنســان |
هي الأمور كما شاهدتهـــا دول | من سره زمن ساءته أزمـــــان |
وهذه الدار لا تبقى على أحــــد |
ولا يدوم على حال لها شـــــان |
يمزق الدهر حتما كل سابغـــــة |
إذا نبت مشرفيات وخرصــــان |
وينتضي كل سيف للفناء ولــــو | كان ابن ذي يزن والغمد غمـدان |
أين الملوك ذوو التيجان من يمن |
وأين منهم أكـاليـل وتيجــــــــــان |
2) نزار قباني : قصيدة : أحزان في الأندلــس. وهي قصيدة طويلة ، يقول مطلعها :
كتبت لي يا غاليه..
كتبت تسألين عن إسبانيه
عن طارق، يفتح باسم الله دنيا ثانيه..
عن عقبة بن نافع يزرع شتل نخلة..
في قلب كل رابيه.. سألت عن أمية..
سألت عن أميرها معاويه.. عن السرايا الزاهيه
تحمل من دمشق .. في ركابها حضارة .. وعافيه..
***
لم يبق في إسبانيه
منا، ومن عصورنا الثمانيه
غير الذي يبقي من الخمر،
بجوف الآنيه..
وأعين كبيرة .. كبيرة
ما زال في سوادها ينام ليل الباديه..
لم يبق من قرطبة
سوى دموع المئذنان الباكيه
سوى عبير الورد، والنارنج والأضاليه..
لم يبق من ولادة ومن حكايا حبها..
قافية. ولا بقايا قافيه..
***
لم يبق من غرناطة
ومن بني الأحمر..
إلا ما يقول الراويه
وغير ( لا غالب إلا الله )
تلقاك بكل زاويه.
لم يبق إلا قصرهم
كامرأة من الرخام عاريه..
تعيش – لا زالت – على قصة حب ماضيه..
المراجع والهوامش :
1 ـ محمد عبد الله عنان. كتاب دولة الإسلام في الأندلس . العصر الرابع. نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين. ص : 264 و 278. الطبعة 4 . 1997.
2 ـ كتاب أزهار الرياض في أخبار عياض . تأليف شهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني. ضبطه وحققه مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي. المعهد الخليفي للأبحاث المغربية بيت المغرب. 1939م.
3 ـ كتاب مواقف حاسمة في تاريخ الإسلام. تأليف محمد عبد الله عنان. الطبعة الرابعة. 1962.
4 ـ كتاب تراجم سلامية شرقية وأندلسية. تأليف محمد عبد الله عنان. الطبعة الأولى. 1947.
5 ـ كتاب الآثار الأندلسية الباقية في إسبانيا والبرتغال. دراسة تاريخية أثرية. تأليف محمد عبد الله عنان. الطبعة الأولى 1956.
6 ـ كتاب العربي أندلسيات. تأليف محمد عبد الله عنان. العدد العشرون. 15 يونيو 1988. ( معاهدة بيع الأملاك).
7 ـ مجلة الهلال عدد أول يونيه 1936. دفاع أبي عبد الله آخر ملوك الأندلس بقلم محمد عبد الله عنان.
8 ـ كتاب نفح الطيب. الجزء الرابع. تأليف شهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني.
9 ـ كتاب في الأدب الأندلسي. تأليف جودت الركابي. الطبعة الثالثة. 1970.
10 ـ أبو البقاء الراندي. الديوان .
11 ـ نزار قباني . ديوان الرسم بالكلمات .