شكل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة -في الآونة الأخيرة-أهمية إضافية باعتباره وسيلة لإرساء هوية ثقافية. ويحيي هذا التقليد المتجذر في الحكايات الشعبية القديمة شمال أفريقيا، التوازن الذي ينبغي على الإنسان أن يحققه مع الطبيعة.
الاحتفال بالسنة الأمازيغية كثقافة لها جذور عميقة في تاريخ المغرب. بدأ الاهتمام بها من طرف شرائح كبيرة من المواطنين ذوي الأصول الأمازيغية، حيث أن العديد من الجمعيات المهتمة بالتراث الأمازيغي انتقلت في مطالبها بترسيم اللغة الأمازيغية على اعتبار حلول السنة الأمازيغية التفاتة لها دلالة عميقة على الهوية، إذ تطالب هذه الجمعيات اعتبار اليوم الاول من السنة عطلة رسمية. وابتداء من يوم 12 يناير، يحتفل أمازيغ كل من الجزائر وتونس والمغرب وليبيا وأجزاء من مصر وكذلك الشتات، برأس السنة الأمازيغية الجديدة والذي يُطلقون عليه اسم “ينّاير”.
الاحتفال بالسنة الأمازيغية له جذور قديمة، فهذا الاحتفال مرتبط بالحكايات والأساطير الشعبية في شمال افريقيا، كما أن له علاقة وطيدة بين الأمازيغ والأرض التي يعيشون عليها، اعتبارا لكونها مصدراً للسخاء والعطاء والخيرات. وعليه فيناير في عرف الأمازيغ يعد احتفالا بالطبيعة والحياة الزراعية والوفرة.
متى يُحتفل بينّاير؟
التقويم الزراعي للأمازيغ يبداُ يوم 13 من يناير من كل سنةً وهو مُستَوحىً من التقويم “اليولياني” الذي فرضه يوليوس قيصر سنة 46 قبل الميلاد وذلك في محاولة لمحاكاة السنة الشمسية التي تتكون من 365.25 يوما مقسمة على 12 شهراً وكان سائداً شمال افريقيا خلال فترة الهيمنة الرومانية.
ويوافق “يناير” بداية ما يعرف باسم “الليالي السود” التي تدوم 20 يوما، وهي من الفترات التي تسجل انخفاضا قياسيا في درجات الحرارة.
متى احتفل بينّاير لأول مرة؟
تعود احتفالات “يناير” إلى العصور القديمة، لكن من الصعب تحديد تاريخ دقيق. إذ تشكّلت العديد من الأساطير والخرافات لشرح أصل الاحتفال، تتضمن إحدى الحكايات الخرافية الشائعة في الغالب قصة سيدة عجوز عنيدة.
في التقاليد الأمازيغية كان يناير يتكوّن في الأصل من 30 يوما فقط. ويقال في الأساطير إن عجوزا تحدت غضب الشتاء بأخذ ماعزها للرعي خلال اليوم الأخير من يناير وبعد أن شعر هذا الشهر بالإهانة بسبب غطرسة المرأة، اقترض يوما إضافيا من فبراير وفرض ليلة شديدة البرودة على العجوز انتقاما منها.
وتعبر هذه القصة الرمزية عن أهمية العيش في وفاق مع الطبيعة، وضرورة الصبر وأخذ الحيطة. ففي منطقة معروفة بشدة برودة الشتاء وحرارة الصيف، واجه سكان شمال أفريقيا تحديات شاقة في حماية محاصيلهم وصحتهم.
رمزية الاحتفال
يذكر رأس السنة الأمازيغية بمدى التناغم بين الطبيعة والإنسان الأمازيغي على الرغم بأنها في أحايين كثيرة قادرة على تدميره وتهديد حياته، من أجله فإن الإنسان الأمازيغي كان يُؤلِّهُ الطبيعة، لكن هذه العادات ما فتِئت أن تغيرت بعد نزول الشرائع السماوية كالمسيحية واليهودية والإسلام لاحقا في شمال افريقيا ومع ذلك بقيت العادات القديمةً مستمرة في التواجد إلى حدود تاريخه.
رأس السنة الأمازيغية “يناير” تتكون من ثلاثين يوماً فقط. وفي العُرف الأمازيغي كما تقول الأسطورة أن من يأكل حتى الشبع في “يناير” فهذا مؤشر بأن عامه سيكون خالياً من المجاعة ومن الفقر، كما أن العوائل تعبر عن وفرة ثروتها من خلال إعداد وجبة الكسكس المُتشكّلة من سبعة أنواع من الخضر وسبعة “بهارات” مختلفة.
في الماضي، كان على كل واحد من أفراد الأسرة أن يتناول دجاجة بمفرده إلى حد الشبع وهو ما يشير إلى ضمان الامتلاء والازدهار لمدة عام كامل. ومن التقاليد أيضا أن تأخذ النساء بعضا من الفتات وتنثره بالخارج للحشرات والطيور، وهي حركة رمزية للتأكد من عدم بقاء أي مخلوق جائعا في يوم يناير.
أشهر السنة الأمازيغية
رأس السنة الأمازيغية له عدة اشتقاقات من اللغة اللاتينية القديمة حيث تتوزع الأشهر في التقويم الميلادي إلى 30 أو 31 يوماً، توجد أيضا سنة عادية وأخرى كبيسة والتي يصل عدد أيامها إلى 366 يوما وأسماء هذه الأشهر بالترتيب هي كالتالي:
يناير: ينار
فبراير: فورار
مارس: ماغرس
ابريل: ايقرير
مايو: ماقو
يونيو: جوان
يوليو: جويلية
اوت: غوشط
سبتمبر: شتونبر
اكتوبر: توبر
نوفمبر: وانبر
ديسمبر: جنبر
وفعاليات الاحتفال تكون كل سنة جميلة ومختلفة عن كل سنة لكن هذا العام سيكون أكثر اختلاف بسبب جائحة كورونا في العالم والذي يتضمن إجراءات وقاية احترازا من حدوث إصابات.
كيفية الاستعداد
تتركز الاحتفالات لاستقبال السنة الأمازيغية في إطار تجمعات عائلية والاستمتاع بما لَذّ وطاب من طعام فضلا عن الاستماع للموسيقى التي تدخل البهجة والسرور على النفس، للإشارة فهذا الاحتفال بدأ يخضع لتطورات في طقوسه حيث أصبح مقرونا بوقائع الحياة كالزفاف، العقيقة والختان.
وقد تمتد هذه الاحتفالات لمدة ثلاثة أيام، بحيث تجتمع الأسرُ يوميا لتناول وجبة احتفاليةً، في الأغلب الأعم “عصيدة” وهي مزيج من الدقيق والماء والملح والزبد والعسل، إلى جانب وجبات وأطباق أخرى من قبيل “أوركيمن”، وهي حساء من الخضر، و”إينودا”، وهي مزيج من الفواكه الجافة، والكسكس بسبعة خضراوات والدجاج في اليوم الثالث، إذ تتخلل هذه الاحتفالات أجواء من الأماني بالعام الجديد ومن الصِّيَغ الدالة على ذلك “أسغاس أمغاز” أو “يناير أمرفو (سنة جديدة سعيدة)”.
خلال إعداد هذه الوجبات، يتم وضع حبة تمر أو لوز وسط الطبق، مع الحرص على إخفائها ومن يعثر عليها من أفراد العائلة يُتنبأ له بأن يكون أكثر حظاً وسعادة خلال العام الجديد. وأصبح من المعتاد ارتداء الأزياء والمجوهرات الأمازيغية التقليدية الخاصة بهذه المناسبة. ومواكبة لقيم التجديد والحياة أصبح يناير مناسبة للاحتفال بأحداث الحياة المهمة كالزفاف والختان وقصة شعر الطفل الأولى.
دعوات لإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية
دعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إلى إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلةً رسميةً في البلاد. جاء ذلك وفق رسالة بعثتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش.
وأفادت الرسالة بالدعوة لإقرار رأس السنة الأمازيغية كعطلة رسمية، على غرار التقويمين الميلادي والهجري، كمبادرة رمزية للاعتراف بالهوية الثقافية الأمازيغية للشعب المغربي”.
وأوضحت أن “الاحتفال برأس السنة الأمازيغية يعد إرثا تاريخيا لكل الأمازيغ في شمال إفريقيا، كما يأتي من أجل رفع التمييز الذي طال إرث الثقافة والهوية للأمازيغ”. ويحتفل الأمازيغيون برأس السنة في 13 يناير من كل عام.
سهيلة أضريف