باعتبارها أزمة صحية وبائية أطاحت بأركان العالم، لن تمر جائحة “كوفيد” مرور ضيف عابر على جميع وسائل الإعلام، كما هو الحال أيضا بالنسبة لمستهلكي المنتج الإعلامي، إذ نلحظ ظهور إرهاصات التحول منذ اللحظة. فالجائحة تركت بصمة بارزة على علاقة الجمهور ووسائل الإعلام.
إن الأزمات عموما بشتى أنواعها غالبا ما تعيد ترتيب المشهد، قد تبدو بعض الأمور التي لم نكن نولي لها أهمية في السابق، تحتل قمة الأولويات وألح الضرورات. ففي معظم الأحيان ترسم الأزمات حدودا فاصلة بين مرحلتين: مرحلة ما قبل الأزمة، وما بعدها، أي حين ينصرف الفيروس تاركا وراءه آثارا وتغييرات وتلك بدورها ستبقى معنا وستسهم في صياغة بعض أحوالنا.
- الإعلام وإدارة الأزمة:
عادة ما تكون الأزمة ظاهرة متفجرة عن مشكلة ما، وتتصف بالتشابك وتداخل العناصر والأسباب، إلى جانب ما تخلفه من آثار اقتصادية واجتماعية ونفسية.
وإعلام الأزمة يمكن أن نعرفه نظريا أنه مجمل الممارسات الإعلامية الرامية إلى نشر رسائل تهدف إلى التوعية والتثقيف وشرح السيناريوهات الكفيلة لتفادي الأزمة. والملاحظ أنه خلال الأزمات تنتاب المواطن حالة من القلق التي تدفعه إلى طرح العديد من الأسئلة من قبيل: ما الذي يحدث؟ كيف حدث؟ وما الأسباب؟ … الأمر الذي يبرز الحاجة إلى الإعلام بشكل ملح قصد الإجابة عن جل التساؤلات قصد التخفيف من الهلع والخوف.
باعتبار الإعلام ” قوة ناعمة” فقد لعب دورا أساسيا في ساحة الأزمة وكواليسها. وسواء بالمغرب أو خارجه فقد كثر الحديث عن الإعلام ودوره في إدارة الأزمة التي اجتاحت البشرية دون سابق إنذار. فهناك من أشاد بهذا الدور كون أن وسائل الإعلام تتهافت على نقل الخبر والفوز بالسبق الصحفي مع مراعاة المصداقية في ذلك، بينما يذهب آخرون إلى لوم الإعلام في نشر الذعر والتضخيم المبالغ فيه من مخاطر الفيروس وفسح المجال أمام الوسائط الإلكترونية التي كانت تهيمن مقارنة بالإعلام التقليدي.
- استرجاع الثقة:
بالرغم من كون شبكات التواصل الاجتماعي قد احتكرت بشكل شبه كامل الأخبار من قبل وسائل الإعلام، إلا أن هذه الأخيرة استعادت الثقة التي كانت في زمن غير بعيد ” مفقودة” لدى فئات واسعة من مستهلكي الأخبار عبر العالم خاصة الشباب منهم.
خلال ظرفية الجائحة ووطأة الإغلاق الليلي الكلي أو الجزئي، برزت أهمية وسائل الإعلام الجماهيرية، حيث أظهرت معطيات البحث التي قامت بها المندوبية السامية للتخطيط خلال شهر أبريل عام 2020، أن المواطنين أصبحوا يستخدمون ” لمتابعة الأخبار عن تطور جائحة كوفيد 19، بشكل رئيسي، الراديو والقنوات التلفزية الوطنية (المغربية) بحصة بلغت 87 بالمائة، وتظل هذه النسبة أعلى في الوسط القروي منها في الوسط الحضري “.
إضافة إلى ما سبق، فشبكات التواصل الاجتماعي عي الأخرى تعد مصدرا للمعلومة، إلا أن تطورها المستمر فتح المجال أمام الأخبار الزائفة والإشاعات للانتشار بشكل أسرع من الأخبار الحقيقية، الأمر الذي يفضي إلى “تحريف” أو “تهجير” النقاش العمومي تجاه بعض القضايا التي تستحق أن نصفها أحيانا ب “التفاهة”.
- الإشاعة أفتك من كرونا:
أكد العديد من العلماء أن ضرر الإشاعات أشد من القتل، كونها من الوسائل التي تشعل شرارة الفتن بين الناس. ومنذ تفشي الوباء وجدت الإشاعة وسائل التواصل الاجتماعي مرتعا لها، حيث استفحلت حرب الإشاعات حول كورونا ومدى صحة الوباء من عدمه، ومدى ضرورة اعتماد الإجراءات الاحترازية من عدمها. فانتشرت الإشاعات، وتم ترويجها وإحاطتها بجزء خيالي حتى صدقها البعض، وأصبح مستعصيا عليهم فصل الحقيقة عن الخيال، كل ذلك وأكثر دفع الجهات الرسمية المختصة للخروج علنا ببلاغات وبيانات تؤكد زيف المعلومات المتداولة دون مصدر موثوق، متوعدة ناشريها بأقسى العقوبات.
كما لجأت بعض المؤسسات إلى تطوير آليات تواصلها مع الرأي العام من قبيل وزارة الصحة التب أطلقت بوابة رسمية خاصة بمستجدات الحالة الوبائية بالبلاد، عبر تحديث معطياتها مرتين كل يوم.
كل ذلك حتى لا تنصهر الحقائق والأرقام الرسمية في غمرة وضجيج الإشاعات المنتشرة بالفضاءات “الافتراضية”.
حفيظة اغبالو