حملات انتخابية فاترة وبرامج مستنسخة ووعود مسترسلة الرّهان محصور بين “الأصالة والمعاصرة” و”العدالة والتنمية”
الخميس 06 أكتوبر 2016 – 10:31:04
بعد يومين، تحل “القيامة”، ويهرع الناس ، ممن صدقوا برسالة الديمقراطية، إلى صناديق الاقتراع، يدعونها أصواتهم، ويسرون إليها بما تبقى لديهم من أحلام وغايات، ومن قدرة على تحمل الوعود والأكاذيب والخيبات، باسم الديمقراطية ، هذه التي تبقى، على كل حال، أسوأ طريقة مقبولة للحكم ! لا شك أن اقتراع 7 اكتوبر، يحمل نوعا من التميز، إذا قورن بما سبقه من الاستشارات الشعبية، بعد “نكبة” عهود التزوير والتدوير والتحوير التي شهدتها البلاد، وعلى طول عقود الاستقلال، حيث كانت “الداخلية” وبتزكية من لا يرد له أمر أو رجاء، “تحتضن” كوزينة” الانتخابات، فتفرخ الأحزاب على هواها، وتوضب النتائج على هواها، فترفع من تشاء وتخفض من تشاء……. بغير حساب! النتيجة ما كانت لتكون إلا كارثية، أفقدت الديمقراطية المغربية جديتها و”جاذبيتها” ومصداقيتها، وفتحت الباب على مصراعيه أمام كل أنواع التحايل والغش، وطلعت علينا ب”ليكسيك” انتخابي جديد على الممارسة الديمقراطية كما كنا نتصورها، من قبيل “المال الحرام” الموصل إلى “الثلث الناجي” و “التزكية المليونية” ووهَلم جرّا…. الوضع تغير اليوم، بعد أن تفهمت الدولة أن أحزابا “مفبركة” داخل مصانع الداخلية، لامصداقية لها ولا تأثير لها ولا مستقبل لها !…
وأن خير ضمانة لاستمرار واستقرار النظام، هي الحرية ، حرية الشعب في اختيار مؤسساته وبسط حاجياته والدفاع عنها داخل هيئات شعبية، يشكلها بمحض إرادته، ودون تدخل من أي طرف من أطراف السلطة التي هي، أولا وأخيرا، مأمورة تحتكم إليه ولديه !…. الوضع تغير فعلا، بعد الدستور الجديد، الذي خلق وعيا جديدا لدى الشعب بحقوقه وواجباته، وقدرته ، نسبيا، على ممارسة حقه في حرية الرأي والتعبير عنه دون أن يتعرض لـ “زوار الصباح” وما أدراك ما “زوار الصباح”، وبعد تكريس بعض الحقوق الأساسية ، بنصوص قانونية، في ما يخص الصحافة والنشر وقطاعات أخرى مرتبطة بحقوق الإنسان، ما أوجد أرضية صالحة ، نسبيا، لممارسة بعض أشكال الديمقراطية السياسية والتمثيلية، ولو أن جهة ما، كادت أن تفسد اللعبة، حين أرادت استنساخ تجربة سابقة فاشلة، فطن الشعب إليها وإلى خطورتها وتعامل معها، كل حسب نيته ، “وإنما الأحزاب بالنيات ! ..فمن كان…ومن كان… !!! خصوصية المرحلة الراهنة، أن البلاد تتوفر على ثلاثة وثلاثين حزبا سياسيا لا يبرز منها سوى ثمانية أحزاب، هي كل ما تحصل من انتخابات سابقة.
وللأحزاب الأخرى التي ترفض أن تنعت بـ “الصغيرة” أعذارها، بدء من “العتبة” العتمة التي وقع التراجع عنها، ووصولا إلى طريقة توزيع الدعم المالي الذي تدعي تلك الأحزاب أنها غير منصفة. وبينما كان من المنتظر أن تشهد حواضر المغرب وبواديه حملة انتخابية متقدة، محتدمة، سياسيا، نظرا لعدد الأحزاب المتبارية، وعدد البرامج الانتخابية المعروضة بطابع الاستنساخ ، وعدد التجمعات الخطابية المبرمجة، اتضح أن الحملة الانتخابية اتسمت بطابع البرودة والفتور، باستثناء حالات قليلة، هنا وهناك، نجح زعيم العدالة والتنمية ، بصفة خاصة، في إثارة الانتباه إليه، بعنف خطابه ضد خصومه وحلفائه على حد سواء، وباستدرار عطف الجموع، بذرف سيل من الدموع، أمام مناضلي حزبه و من تم حشدهم لخلق نوع من الانبهار لدى خصومه ولدى وزارة الداخلية التي يتهم رجالها، علنا، بمحاولة التأثير على نتائج الاقتراع لفائدة جهة معينة، لا يخفيها على مناصريه وأصحاب دعوته ! وباستثناءات محدودة، لم تحترم في الحملة الانتخابية شروط المنافسة المتحضرة، المطبوعة بخطاب سياسي مسؤول ، بل كانت مناسبة لاستعراض العضلات، والاستقواء على الخصوم، بخطاب عنيف، وتراشق بالكلمات، كما كان الشأن بالنسبة لابن كيران حين وصف خصومه المعلومين، في أكثر من مناسبة، بـ “البانضية” و “الكذابين”، و”المخلوضين”، و”رباعة ديال المكلخين” هؤلاء الذين قال عنهم إنهم ساعدوا على ارتفاع شعبيته شخصيا وشعبية حزبه.
وبالرغم من أن بنكيران واجه الفساد والمفسدين بأن طلب لهم عفو الله “في ما جرت به المقادير” ، فإنه لا يزال يجعل من محاربة الفساد شعارا لحملته الجديدة من أجل ولاية ثانية ويطالب بقطع الطريق على المفسدين “الذين يحتلون مواقع تمكنهم من الفساد والإفساد” والفاهم يفهم ! …. إنه يطالب بولاية ثانية، ولربما ثالثة ورابعة، من أجل “رد الحقوق للمواطنين حتى يكون هناك عدل وإنصاف ومساواة ولكي يشعر كل مواطن بمواطنيته” .
فولاية واحدة لا تكفي والأمر كله لله ! في العرائش، كما الشأن في مدن أخرى، ألح بنكيران على أن حكومته جاءت “بقدر من الله” وأنها “حكومة مباركة” لأن الله أرسل السماء علينا مدرارا، بعد أن خرج المغاربة طلبا للاستسقاء، السنة الماضية، وأن ” فلوكة المغرب ” كاد أن “يهزها الماء” و “تغرق” لولا أن تدخل حزبه لسد الثقوب وإصلاح الأعطاب…. إلا أن مهرجان العرائش سجل حدثا “مرعبا” يسير في” الاتجاه المعاكس” لتوجهات المغرب نحو الأمن والاستقرار حين ردد وكيل لائحة البيجيدي بهذه المدينة بحضور الزعيم، شعار ” غد تشعل غد تشعل، وخا تعيا ما تطفي وخا تعيا ما تضيق” !!!…. أما في تطوان، فقد جاء دعم بنكيران لوكيل لائحة حزبه المدعو “إد عمار” مخيبا لآمال العديد من أهل تطوان الشرفاء، المتحضرين، المنتسبين إلى مدينة العلم والثقافة والأدب والشعر والفنون ، حتى ان هذا “الإيد” قوبل بصفير حاد وبشعارات الاحتجاج والاستنكار، حينما شرع في إلقاء كلمة المهرجان للمطالبة بولاية ثانية، للعدالة والتنمية، بالرغم من محاولات البلطجية التغطية على احتجاج المستنكرين لتزكية “الإيد” وكيلا باسم تطوان ضدا على ابن تطوان بوخبزة….الأمين ، الذي انتفض ضد ما أسماه “الكولسة” و “التطاحن على المناصب “داخل مجموعة الإيد” التي اختطفت الحزب من “أصحاب المبادئ والأخلاق والمروءة” .
وكما هدد ا بعض قيادة لعدالة والتنمية بالنزول إلى الشارع ضدا على ما أسماه “التحكم” نبه إلياس العماري في مدينة الصويرة، إلى أن “المغرب ـ ياخوتي ـ داخل في حوايج خايبة، ويلزمنا إنقاذه”. “راه كل واحد منكم كبير أو صغير في عنقه دين بمليونين وثلاثمائة ألف درهم” في إشارة إلى الدين العمومي الذي ارتفع إلى 312,9 مليار درهم، عند نهاية النصف الأول من السنة الجارية.
وبينما تشهد تجمعات الأحزاب الأخرى المصنفة في خانة الأحزاب الكبرى فتورا في الحضور وفي الحماس، كذا الشأن بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتجمع الوطني للأحرار، وبنسبة أقل الحركة الشعبية ، والتقدم والاشتراكية، حتى أن زعيم حزب من الأحزاب التي “على بالكم”، “خطب” أمام كراس فارغة، يبدو واضحا أن القطبية الثنائية ببن العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، هي التي تستقطب الجماهير بالآلاف وتطغى على الحملة الانتخابية ، منذ انطلاقها وإلى الآن، ولو أن بنكيران كاد أن يفسد اللعبة بكثرة البكاء في تجمعاته سواء بالعرائش أو بتطوان أو بمراكش، وفي مدن أخرى، قال إن سبب بكائه تأثره الشديد من الحفاوة البالغة التي تخصه بها جماهير المواطنين أينما حل وارتحل. تلك مشاهد من الحملة الانتخابية التي ستنتهي ليلة الخميس ـ الجمعة، بتوجه المغاربة المسجلين باللوائح، وهم حوالي ستة عشر مليونا، إلى صناديق الاقتراع يوم الجمعة سابع اكتوبر، ولا عليهم أن يؤخروا صلاة الجمعة، فقد أفتي عالم من علماء المناسبات السعيدة بجواز ذلك، والله أعلم !…. ولو أن خبراء الداخلية حذروا من نشر توقعات “برونوستيكية” لنتائج هذه الانتخابات، إلا أن الرأي العام استقر رأيه على أن الرهان يظل محصورا بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة وهما خصمان عنيدان يوجدان على طرفي نقيض سواء على مستوى إيديولوجية الحزبين أو مشروعهما المجتمعي ، “الحداثي” المتحرر، بالنسبة للأصالة والمعاصرة ، والمرتبط بالخلفية الاسلامية ، بالنسبة للعدالة والتنمية : للتذكير فإن عدد لوائح الترشيح المقدمة برسم كافة الدوائر الانتخابية المحلية والوطنية بلغ 1.410 للائحة، تشمل في المجموع 6.992 مترشحة ومترشح يتبارون لملء 395 مقعدا بمجلس النواب. وتتوزع لوائح الترشيح المقدمة بتزكية من الهيئات السياسية لتغطية الدوائر الانتخابية المحلية المحدثة على الصعيد الوطني على الشكل التالي: – حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال :92 لائحة لكل حزب، أي بنسبة: 100 بالمائة. حزب الاتحاد الاشتراكي: 91 لائحة (98,9)، ـ حزب التقدم والاشتراكية، وتحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي: 90 لائحة لكل واحد منهما أي بنسبة: 97,8 بالمائة.
90 لائحة لكل واحد منهما أي بنسبة: 97,8 بالمائة.-حزب التجمع الوطني للأحرار: 84 لائحة أي بنسبة: 91,3 بالمائة.
-حزب الحركة الشعبية: 78 لائحة أي بنسبة: 84,8 بالمائة.
-حزب الاتحاد الدستوري: 72 لائحة أي بنسبة: 78,3 بالمائة.
-حزب جبهة القوى الديمقراطية: 69 لائحة أي بنسبة : 75 بالمائة بالإضافة إلى الأحزاب الأخرى التي تشكل المشهد الحزبي بالمغرب والتي كانت تغطيتها للدوائر الانتخابية ما بين 71,7 بالمائة و 13 بالمائة، فضلا عن لائحتين اثنتين بدون انتماء سياسي أي بنسبة 2و2 بالمائة.
ويلاحظ أن حزب التجمع الوطني للأحرار حل في المرتبة السابعة بعد الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، والاستقلال، والاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية، وتحالف فيدرالية اليسار..