3 ـ الشاعر محمد الفاطمي الصقلي
يقول الأستاذ عبد الله كنون: ” هو أبو عبد الله بن الحسين بن أبي بكر بن الرشيد بن الحسين الصقلي الحسيني. فقيه عدل ، موثق وأديب وشاعر وناثر. صاحب خط جميل . كانت له منزلة سامية في نفوس الناس تقديرا لنسبه وأدبه. توفي بمكة بالوباء في ذي الحجة عام 1310هـ .
اهتم طول حياته بتصحيح الكتب التاريخية والأدبية التي أخرجتها المطبعة الحجرية بفاس، والتعليق عليها إذا استوجب الحال ذلك، وتقريظها شعرا ونثرا .”
ويذكر المرحوم والدي الأستاذ عبد الصمد العشاب : ” أن الأستاذ الباحث سيدي عبد السلام بن سودة يذكر في ( دليل مؤرخ المغرب الأقصى رقم 1402 ط 1 ص 438 ) أن للشاعرمحمد الفاطمي بن الحسين الصقلي، ديوانا في سفرين ، وهو من أنفس دواوين المتأخرين من رجال المغرب. يوجد طرف منه بخزانتنا الأحمدية بخط مؤلفه . وبلغني أنه يوجد في مجلد ضخم عند بعض أبناء عمه بفاس. ”
ويضيف قائلا: ” يضاف إلى شرحه لرسالة ابن زيدون كتاب له سماه ( النفحة الشمالية العاطرة في الرحلة الخمالية لزيارة قطب فاس ).
يقول ابن سودة في الدليل: ” تكلم فيها على رحلة أبي عبد الله محمد العمراني المعروف بالخمال إلى فاس عام 1300هـ 1882 م.
كما ذكر له الأستاذ القيطوني في كتابه ( معجم المطبوعات المغربية ) كتاب ( ذكر من اشتهر أمره وانتشر، ممن بعد السنين من القرن الثالث عشر) وقصيدة في المديح النبوي سماها الفاسية . وتخميس القلائد النحريات في تخميس القصائد الوتريات للبغدادي، وهو مطبوع على الحجر بفاس في نحو 93 صفحة. وهو آخر ما دونه”
للشاعر محمد الفاطمي الصقلي مجموعة شعرية مكتوبة بخط يده، على ما عثر عليه والدي المرحوم الأستاذ عبد الصمد العشاب . وهي تحتوي على قصائد وموشحات وقطع وأبيات في المدح والرثاء والغزل والمجون وما شابه. على أن بعض هذه القصائد قد قالها وهو طالب علم، وذلك في تقريظ بعض الكتب التي كان ينتهي من قراءتها.
فمن قصيدة له يتغزل فيها:
وما شراب الراح مع الخليل | ما ساعة الأفراح عند الأصيل |
عند أخي العشق الكئيب العليل | وما وصال بعد هجر الرشا |
في ظل روض ذي زهر ظليل | وما غناء الخود بعودها |
إن طربت نادتني يا ابن الذليل | أعذب من لفظ المهاة التي |
فادع فذاك الوصف عندي جليل | إن شئت تشريفي فبوصفها |
في القصيدة كما نرى، غزل على الطريقة العمرية، تدعو فيه العاشقة المتهتكة الماجنة محبوبها لوصف جمالها الباهر، منادية إياه بابن الذليل . فيعتبر أن تلك اللحظة أسعد لحظات حياته، أحلى من ساعة الأفراح عند الأصيل، وأشهى من شرب الخمر مع الخليل، وأعذب من طعم الوصال بعد الهجر عند العاشق الكئيب، وأروع من سماع الحسان بين الزهر الظليل.
وقوله في مقطوعة أيضا:
بالله جودي | يا فتنة الخلق في الوجود |
صلي وعودي | واجر ماء الحياء بعود |
ولا تعادي | قطني من الهجر والبعاد |
من السهاد | فالقلب والطرف في جهاد |
أو الغوادي | والدمع في وجنتي كواد |
ولا تخرج هذه المقطوعة عن معاني المعاناة من الهجر والرغبة في الوصال التي تضمنها النموذجان السابقان، وإن بدت أقل مجونا وفحشا منهما.
وعلى العموم، فإن النسيب والغزل أكثر الأغراض حضورا وهيمنة عند الشاعر الصقلي، يقترب من المدرسة العمرية . ولم أقف فيما وجدته من ترجمة لهذا الشاعر على أنه اتخد هذا السلوك منهجا وشريعة له في حياته. ولعل الأمر يجد تفسيره في قوله تعالى من سورة الشعراء { والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم ترهم في كل واد يهيمون ويقولون ما لا يفعلون }. أو لعلها رغبة الشاعر في إظهار براعته الشعرية بالخوض في مختلف أضرب القول الشعري ، حتى وإن كان لا يتخذه له سلوكا, أو لعلها روح فكاهية تسيطر على الشاعر.
ومن نظمه أيضا هذه الرجزية، ومن أبياتها:
ليتك لو أضفته لعمتك | أهديت شيئا قدره كهمتك |
قد بهرت بحسنها الفتان | قطعة خلقان من الكتان |
نسج العناكب بحيطان الكنف | كأنها ياذا الخلائق الأنف |
سالمة صحتها في الدبران | نقية بيضاء مثل القطران |
تقدمت بقدم فيه وسخ | ما حملت للطفها عدا الوسخ |
في هذه الرجزية ، هجاء من الشاعر لأحد الفضوليين، حين أهداه قطعة ثوب قديمة متسخة مرقعة. وفي هذه الأبيات روح فكاهية أكثر من الرغبة في الإيذاء. وتبتدئ هذه الروح منذ البيت الأول حين يخاطبه بأنه كان من الأليق لو أهدى هذه الهدية المفتخرة التي تبرز همته لعمته.
وله في قصيدة يرثي هرة له سقطت في بئر فماتت:
من بعد ما كان بالأحشاء مغناها | واحسرتا لهريرة رزئناها |
إذ صار في قعر بير الدار سكناها | يا عين جودي بوبل وابك طلعتها |
فارا سطت به يسراها ويمناها | كانت لها خفة كالبرق حيث رأت |
وفي الفصال وفي أشكال مبناها | كأنها ليث غاب في مخائلها |
عند الذي حتم الموت احتسبناها | صبرا فؤادي واسترجع وقل علنا |
في هذه القصيدة الطريفة في موضوعها، نلمح هذه الروح الفكاهية أيضا حاضرة، سواء في دعوته لعينه بالجود بغزير الدمع لمصرع هرته التي أسكنها سواد فؤاده، أو في دعوته نفسه في نهاية القصيدة إلى التصبر واحتساب أجر الصبر على فراقها عند من حتم الموت على عباده.
ولكنا مع ذلك نحس عاطفة صادقة اتجاه هذا الحيوان الوديع، وشعورا حقيقيا بالفقد.
تلك إذن نبذة من بعض قصائد الأديب الشاعر محمد الفاطمي الصقلي ، التي تنحصر مضامينها في النسيب والغزل والرثاء والرجز، شاهدة عليه بعبقريته في مجالات القول المختلفة .
دة. نبوية العشاب