ترسيخا لثقافة الاعتراف، نظم أصدقاء ومحبو الأستاذ عبد النبي الحراق حفلا تكريميا له بمناسبة إحالته على التقاعد، وذلك مساء يوم الجمعة 9 يوليوز 2021 بفضاء جبلي كلوب بمقريصات.
الحفل الذي افتتح بآيات من الذكر الحكيم تلاها على مسامع الحاضرين الأستاذ أحمد القنبوعي، أعقبها سرد للمحطات البارزة في المسار المهني الغني والطويل للمحتفى به، عرف إلقاء شهادات في حق الأستاذ عبد النبي الحراق من طرف عدد من أصدقائه وزملائه سواءٌ الذين جاورهم في عمله أو من الأساتذة الذين أطرهم وأشرف عليهم خلال مسيرته في الإشراف التربوي.
وفي كلمة لها أمام الحضور، قالت المشرفة على الحفل، الأستاذة نعيمة منينو أن “هذا الحفل هو أقل ما يمكن تقديمه لرجل أفنى حياته في خدمة المنظومة التربوية، وكرس حياته للعمل التربوي الجاد وبذل الغالي والنفيس من أجل خدمة التربية والتعليم ومساعدة الأطر التربوية على أداء مهمتها على أحسن وجه والسير في طريق الإبداع التربوي الطويل”.
ثم أضافت مخاطبة المحتفى به: “إن تكريمَكُم هذا هو عُربونُ محبة ووفاء وتقدير وامتنان للسنوات الطوال من العطاء والتضحية وخدمة المنظومة التربوية من مختلف المواقع: موقع المربي والأستاذ والمشرف التربوي والمؤطر والمواكب والخبير والمؤلف.”
وفي شهادة مسجلة من عاصمة البوغاز بُثَّتْ في الحاضرين، قال الأستاذ هشام السياحي :”لم نر من هذا الرجل إلا الدعم والتحفيز والتشجيع، وهو يعتبر قُدوَةً لنا جميعا، يجعل الإنسان ينطلق من أجل تطوير ذاته. رجل عملاق في مجال التربية وهرم من أهرام التعليم وكفاءة لا تعوض، سعدت كثيرا بمجاورته بمديرية شفشاون والنهل من معين تجربته، وهو شخص حيوي ومتجدِّد وأكثر شبابا من الكثير من الشباب، دائم النشاط والعطاء”.
وجاء في شهادة صديقه الأستاذ هشام حاجي:” هو ذلك الرجل الخلوق والكريم الذي يتعامل بحكمة وحنكة، الرجل المجِدُّ والمكِدُّ الذي لا يهدأ له بال حتى يتأكد من أن العمل الذي قام به قد استوفى كل الشروط العلمية والاحترافية والأخلاقية اللازمة وأعماله على مستوى الوطني معروفة، والجميع يشهد له بحرفيَّتِه ومهنيَّتِه”.
أما الأستاذة نورة أوطالب فقد لامست في شهادتها الجانب الإنساني للمحتفى به حيث قالت: “السي ع النبي الحراق كان مؤطرا مختلفا ورجلا من طينة نادرة. يكفي أن أذكر أنه كان الوحيد كلما زارنا يقتسم مؤونته معنا”.
وبعث السيد أحمد رأفت مدير شبكة مدارس كم التابعة لمؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية للتربية والبيئة بكلمة، أثنى فيها على “تواضع الرجل وقابليته للعطاء والمساعدة وتمكنه من البيداغوجيات الحديثة في وقت مبكِّر، وكذا إمساكه بناصية مختلف مظاهر التكوين الحديث “.
ووصف تجربته مع المؤسسة بالمهمة والغنية، حيث أبلى البلاء الحسن سواء في تكوين المشرفين أو في ما يسمى بالأوراش التوجيهية لإعداد الوثائق التربوية”. ثم أضاف أن” السيد عبد النبي الحراق لم يكن مفتشا بالمعنى الكلاسيكي للمهنة، بل مشرفا تربويا يتابع ويؤطِّر ويوجه ويكوِّن بقناعة ومبدئية وعطاء قل نظيره”.
وفي شهادة مليئة بمشاعر الود والحب، تلاها صديق المحتفى به المفتش التربوي عبد المجيد السواك، قال: ” لا تستغربوا إذا قلت أن الرجل يشتغل في يقظَتِه ونومه، فخلال عملنا معا كنا نعمل معا إلى ساعات متأخرة من الليل من أجل إتمام المهمة، فكنا نتفاجأ به صباحا يطلب من الرجوع لصفحة معينة من استدراك هفوة أو تغيير كلمة، لم يكن ينام الرجل حقا، حتى يتمم مهمَّته”.
من جهته أكد المفتش التربوي محمد العزوزي على أن الأستاذ عبد النبي الحراق ” نموذجا للمفتش التربوي الذي كان يحرص على القيام بمهامه بكل مهنية وبكامل الجدِّية و المسؤولية. كان يسعى دائما إلى تطوير الأداء المهني والتربوي بالمؤسسات التعليمية من خلال حرصه الشديد على استنبات مجموعة من المشاريع التربوية الهادفة إلى تحقيق التجديد التربوي المنشود، و ذلك من خلال العمل والحرص على ضمان المواكبة التربوية و التأطير اللازم لكل الفاعلين التربويين والإداريين وترجمة ذلك في إطار برنامج التأطير و التكوين المستمر في موضوعات بيداغوجية و ديداكتيكية مستجدة في أفق ضمان الأثر المباشر لذلك على مستوى التحصيل الدراسي للمتعلمات والمتعلمين في كل المؤسسات التعليمية المنتمية إلى منطقته التربوي”.
ثم تابع قائلا :”كانت مساهمته من مواقع مختلفة إقليميا وجهويا ومركزيا ومن موقع الخبير التربوي في تحقيق التجديد التربوي المأمول من خلال إعداد وإنتاج مجموعة من الأوراق والوثائق التربوية المرجعية”.
المفتش التربوي عبد الوهاب البقالي أشار إلى أن المحتفى به “لم يكن مؤطرا تربويا بالمعنى المتعارف عليه، كنا دائما ننهل من معرفته الكثير بحكم اطلاعه ومتابعته الدقيقة لما يجد ويستجد في عالم التربية.”
أما المغراوي فقد حفر عميقا في ذاكرته ليستخرج واحدة من اللحظات الدالة على القيمة التربوية للرجل ومدى تماهيه مع مهنته، قائلا ” عندما كنت لا أزال طفلا ألعب الكرة في الدرب، كان الأستاذ عبد النبي الحراق ساكن الحي الوحيد الي يسمح لنا بلعب الكرة أمام بيته. فيما بعد عرفت أن له رؤية وهذه الرؤية هي التي كانت تجعله يحتوينا و يحتضننا.” ثم أضاف ” لكل واحد منا قصة أو قصص مع الأستاذ عبد النبي الحراق، وهي قصص تستحق أن تعاش وأن يعبر عنها وأن تكون عبرا ودروسا”.
وقال محمد الزوتني مدير الثانوية الإعدادية محمد السادس بمقريصات: “كنت ألقي كلمة في حضور خمسة آلاف طالب وطالبة بعفوية وارتجالية، ولكن الآن وفي هذه المناسبة مناسبة تكريم رجل عزيز علينا جميعا، الرجل الإنسان لاشك أن الكلمات سوف تخونني لأعبر عن قيمة هذا الرجل الإنسانية والمهنية وسخائه في العطاء والعمل طيلة مساره المهني”.
المحتفى به، لم يترك الفرصة تمُر دون أن يتقدَّم بالشكر والامتنان لمنظِّمي الحفل، وجميع محبِّيه وأصدقائه وزملائه وعائلته وكل من جاورهم أو عمل معهم طيلة مساره المهني، الذي لا تعتبر الإحالة على التقاعد سوى محطة من محطاته العديدة، إذ أجمعت جميع الشهادات التي أثَّثَت أمسيةَ الحفل على أنَّ الإحالة على التقاعد ليست إلا تغييرا لموقع خدمة المنظومة التربوية وأن عطاءه ونشاطه سيتمر من مواقع أخرى. وقد عبَّر الأستاذ عبد النبي الحراق عن سعادته بهذا التكريم، خاصة وأنه يأتي من أبناء بلدته ومسقط رأسه، حيث قال:” شكرا لكمْ ولكنَّ، لأنكم اخترتُم واخترتُنَّ أن يكون موطن الاحتفاء بفضاء هذا النادي الجبلي الجميل، موطنٌ بقلب قبيلتي المجاهدة التي رأيت بها النور، موطن قريب من المدرسة الابتدائية التي زوَّدتني بمفاتيح النور وأساسيات المعرفة، على يد خِيرة المعلّمين الذين أقف لهم إجلالا واحتراما، مترحِّما على مَنْ غادرَنا منهم إلى دار البقاء، وداعيا لمن هم منهم على قيد الحياة، بدوام الصحة والعيش الكريم.”
ثم أضاف :”موطن يجاور قبيلتين مناضلتين مارسْتُ بهما التدريس والتفتيش التربوي، تعلمت بهاتين القبيلتين الحبيبتين، بفضلكُنَّ وبفضلكُم، كيف أبني كفاياتي المهنية والاجتماعية، تعلمت كيف أسير على النهج القويم، فكان النجاح حليفي والتميُّز رفيقي”.
ثم ختم كلمته الطويلة والمليئة بالمشاعر، بالتوجه بالشكر إلى كل من ساعده وحفَّزَه “على حُبِّ العمل والصبر والصمود والتحدي، على التفكير الرصين والاجتهاد والتواصل” ليقوم إثر ذلك بتوزيع الورود على جميع الحاضرين كعربون محبة وتقدير وشكر لهم.
أحمد هلالي