سنة أخرى تنقص من أعمارنا القصيرة، سنة ليست كباقي السنوات، سنة البين البين، سنة الأحلام المؤجلة، سنة الحيرة و الضبابية، سنة الأمل الناقص و التفاؤل الحذر.
سنة افتتحها شعاع التلقيح ضد الفيروس الأصلي الذي تلت متحوراته لتنتهي بأوميكرون الذي لم يكشف حتى الآن عن نفسه بالكامل، لكنه ثبت أنه قادر على مراوغة التلقيح و اجتياح الأجساد..
سنة تأكد مع أيامها أن الطبيعة البيولوجية للحياة تحبل بالأسرار و أن تقدم العلم في فهم هذه الطبيعة وسبر مجاهيلها يبقى نسبيا وغير قطعي كما يؤكد العلماء و “الحكماء” أنفسهم..
سنة احتد فيها الجدال الكلامي بين الخطابات المتناقضة حول مفاهيم الحرية و الضرورة و السلطة، حول علاقة الفرد بالجماعة، حول دلالة الصحة والمرض، حول نزعتي الحياة والموت، حول معنى الحقيقة و الوهم..
سنة تقيدت فيها الحركة بين بلدنا والبلدان…، تجمدت فيها المهرجانات و أغلقت المسارح و قاعات السينما…، سنة اعتلت فيها الثورة الرقمية، من غير رجعة، صهوة المعاملات و الخدمات و الترفيه و الإعلام و الاتصالات..
سنة سقطت فيها حكومة و صعدت حكومة، فخفت خلال أواخرها، بشكل لافت، حمى النقاش العمومي و كادت تعم الساحة اللامبالاة تجاه الشأن العام، وكاد بالتالي أن يهيمن اليأس و يصاب سوق السياسة بالبوار و كأننا أمام شوط من أشواط نهاية التاريخ أو موت السياسة..
سنة حرمنا فيها من السياحة الحرة و الأفراح الممتدة، سنة عاشت فيها مدينتنا و أشباهها من المدن انكماشا بعد سنين من الانطلاق، فاكتوينا بحرقة الحاضر واغتممنا بقلق المستقبل المفتوح على كل الاحتمالات..
سنة نسأل الله أن تنتهي أيامها الأخيرة بخير، و أن تعوضنا السنة المقبلة عن كل خيباتها و أحزانها و ماضاع فيها..
حفظ الله هذا البلد و أهل هذا البلد، ورفع عنا هذا الوباء والبلاء..
عبد الحي مفتاح