كثير من الانتقادات كانت توجه إلى “النخب المغربية” على اعتبار أنها منشغلة بأسئلتها الفكرية النظرية، وعلى اعتبار أنها تعيش في بعد عن القضايا الحارقة التي يتخبط فيها المجتمع.
ومعلوم أن هذه الانتقادات لم تكن أبدا مؤسسة على معطيات واقعية. فنحن نعلم جميعا أن أغلب نخبنا هم خريجو الحركة الوطنية التي التصقت باستمرار بالدفاع عن الوطن، وأنهم تواجدوا دائما في خطوط النار الأمامية. والسياق لا يسمح بجرد أسماء العديد من الأدباء والفنانين والمفكرين والإعلاميين والحقوقيين الذين دفعوا أرواحهم للدود عن وطنهم.
مع المأساة الأخيرة التي تعرض لها المجتمع الإنساني، بانتشار الوباء القاتل “كورونا”، شاهنا، وعلى نحو مثير للانتباه، الانخراط العضوي للمثقفين المغاربة في الحملات التي استهدفت توعية الناس وتحسيسهم بخطورة الوضع الوبائي التي تجتازه بلادنا.
وهكذا انتشرت في مواقع التوصل الاجتماعي بكل أشكالها، وفي الصحف الورقية والإذاعات وعلى شاشات التلفزيونات دعوات صارخة من قبل المثقفين المغاربة تدعو إلى ضرورة التعاون بروح المسؤولية من أجل تعزيز التكافل والتلاحم الوطني، ومن أجل الارتقاء بالوعي الجمعي لمواجهة فايروس كورونا.
وهكذا أيضا دافع العديد من النخب عبر تدويناتهم عن أن الحياة أجمل من أن نهبها للمرض، وعن أن الحرص عليها بالوعي الصحي الملتزم يعطينا الوقت لنعرف أكثر كيف نعيش حياتنا بشكل أفضل، وأن نفهم كوكبنا ومن عليه ونحبهم أكثر.
وتحمل العديد من تصريحات المثقفين وكتاباتهم وتواصلاتهم الحية مع الناس عبر الفيديوهات المباشرة موقفا عميقا من الوجود أساسه الفلسفي أن وباء كورونا يفرض علينا أن نتساوى أمام المصائب.
وبلا انقطاع أو تراجع إلى الوراء ينبري المثقفون يوميا لتجديد التواصل مع الناس عبر كتاباتهم، مؤكدين على أن الإنسانية كلها في اختبار واحد، وأمام تحدّ حقيقي، ومؤكدين على أن تكاتفنا وأخذنا الأمر على محمل الجد والمسؤولية يعني نضجنا، لا بأس أن نضحك في وجه المجهول ونسخر، ولكننا في الأساس يجب أن نتخذ من الحيطة والحذر ما هو جدير بفهمنا لمعنى الحياة وقيمتها، ولأهمية الصحة التي دونها لن يكون لنا بناء أوطاننا”.
ولم يتوان أيضا المثقفون في تذكير الناس بعدم الاستهانة بالإجراءات الوقائية معتقدين أننا بعيدين عن مرمى الخطر. بل إن المحنة تقربنا ولو كانت بيننا مسافة، وتعلمنا وإن انعزل كل واحد منا بانتظار زوال الغمة.
أخيرا نخلص في هذ الافتتاحية إلى القول بأن دور المثقف في أزمات الوباء لا يختلف عن دور أي إنسان واع بمسؤوليته عن شخصه وعائلته ومحيطه ووطنه، وعن الدور الاجتماعي لأي مواطن عارف بخطورة الوضع، بعدم التهاون في أخذه بجدية بالغة ليكون قدوة بمسلكه.
وفي هذا السياق أجرت جريدة “الشمال” استطلاعا للرأي اتصلت من خلال بشرائح متنوعة من النخب الوطنية المغربية للإعراب عن آرائهم تجاه هذه المأساة التي ألمت ببلادنا وذهبت ضحيتها العديد من الأرواح، وللإعراب عن رأيهم في المبادرات الجريئة التي اتخذتها بلادها.