معالم ومكونات النظام التربوي والتعليمي زمن “الحماية” بشمال المغرب :
كان نظام التربية والتعليم زمن الحماية محكوما بمضامين وموجهات الاتفاقية الاسبانية الفرنسية لسنة 1912، وامتد العمل بها إلى سنة 1956 مع بعض الإضافات التي اقتضتها نوازل وظروف “الحماية”.
في منطقة الحماية الإسبانية (المنطقة الخليفية) تم العمل بمجموعة من الأنظمة التربوية والتعليمية:
- نظام التعليم الإسلامي التقليدي (المسيد، الفقيه، اللوح ومستلزماته وطرق الإملاء والتحفيظ..).
- التعليم الابتدائي الإسلامي (وهو نظام شمل مناطق جبالة، لكوس، كرت، الشاون،الريف) وهذا النظام كان محكوما بظهيري 1935 و 1940 .
- نظام التعليم الابتدائي الإسباني؛ وهذا النظام تميز بالانتشار والتوسع في مجموع المنطقة الخليفية: تطوان، مرتيل، المضيق، لكوس، ريسانة، القصر الكبير،أصيلة،الشاون،باب تازة، ترجيست ،الحسيمة، الناظور،سلوان،زايو،بني نصار، الدريوش.. بهدف تمكين الفئات المتعلمة من اللغة الاسبانية.
- التعليم الابتدائي الإسرائيلي.
- التعليم المتوسط المغربي.
- التعليم المتوسط الاسباني.
- التعليم الديني الإسلامي.
وقد اجتهدت إسبانيا على مدى عقود لنشر نظامها التعليمي مع اختلاف واضح في الوسائل بينها وبين فرنسا،حيث لم تخطط للإجهاز على اللغة العربية كما خططت فرنسا في منطقة حمايتها.
ولمزيد من التوسع في النظم التربوية والتعليمية بالمنطقة الخليفية يمكن الاستئناس بكتاب ضخم واقع في 1110 من الصفحات هو كتاب تاريخ العمل الثقافي لإسبانيا في المغرب (1912-1916) لمؤلفه فرناندو بلدراما مارتينث الصادر عن دار الطباعة المغربية بتطوان سنة 1956.
معالم ومكونات النظام التربوي والتعليمي بمنطقة “الحماية” الفرنسية :
عملت الحماية الفرنسية بالمغرب على التأسيس لنظام تعليمي يحقق أهدافها الإستراتيجية، فشجعت التعليم الاسرائيلي الحديث الذي اتخذ اللغة الفرنسية لغته الأصل، فأمدته بدعم مادي واسع، كما استحدثت مؤسسات تربوية وتعليمية للجالية الاوروبية إلى جانب المؤسسات التي كانت تشرف عليها الرابطة الفرنسية.
ويمكن القول بأن هذه الخطوط قد شكلت أرضية عامة للسياسة التعليمية الفرنسية في المغرب..
والجدير بالإبراز أن التعليم الفرنسي في المغرب قد اعتمد على المبادئ الآتية:
- مبدأ الانتقاء؛ وهو يعني انتقاء زبناء المؤسسات التربوية والتعليمية الفرنسية على أساس طبقي..
- مبدأ التوجيه؛ والمقصود منه الإبقاء على الشبيبة المتعلمة في المغرب حتى يتم توجيهها وفق المعايير والأسس واستراتيجية الإحتواء خدمة لأهداف كولونيالية..
- مبدأ التمويه؛والمقصود به المحافظة الشكلية على المنظومة الدينية والعمل الماكر على إفراغها من جوهرها..
ومن الملاحظ أن “الحماية” الفرنسية قد اجتهدت في ابتداع ما أسمته بالمدارس الفرنسية البربرية، في سياق تاريخي موسوم بصدور الظهير البربري لسنة 1930؛ والذي كان يسعى إلى بتر قيم المواطنة للأمة المغربية بإنشاء جيل مقطوع الصلة بتراثه الجامع؛ وهو التراث الإسلامي..
كما واصلت فرنسا خطتها بتكوين أجيال مستلبة ومتشبعة بقيم غربية وافدة..الأمر الذي يؤدي حتما إلى تجذير واقع التبعية والاستتباع لنظام المحتل الفرنسي..
وبخصوص التعليم الوطني الاصلي الحر، فقد عرف هذا النظام تطورا محدودا مما أدى إلى تعميق الأزمة في الشخصية المغربية وخلق هوة بين المتعلمين في المدارس الرسمية الإسلامية والمدارس العصرية الأوروبية.. وهذا بدوره أدى إلى إحداث شرخ بين نخبتين تقليدية وعصرية..
وبما أن الفرنسيين كان لهم موقف من مؤسسة القرويين لكونها مركز مقاومة للسياسة الفرنسية ظلوا يقاومون أي إصلاح تربوي وتعليمي بها.
والخلاصة، إن نظام الحماية الفرنسية اعتمد على نظامين:
- نظام تعليم فرنسي قائم على التقنية والارتباط بالحضارة الفرنسية مما يساعد على إضعاف الشخصية المغربية والإجهاز على قيمها وعروبة لغتها.
- نظام تعليم وطني مكرس في مؤسسات حرة كان لها حضور في مقاومة المحتل وتعزيز ثوابت الشخصية المغربية .
ولا يفوتنا أن نسجل وقوع إصلاحات في نظام التربية والتعليم بالقرويين على مدى عصور، ومن ذلك ما قام به السلطان المولى يوسف بن الحسن، حيث حرص على إصلاح النظام العلمي بها وفحص المراتب العلمية لتأهيلها علميا..
كما لا يفوتنا أن نسجل أن المغرب رغم محنة “الحماية” قد استفاد من النظم التربوية والتعليمية الوافدة بما زخرت به من تنوع مع غربلة وانتقاء.
فدوى أحماد