في الوضع العادي تسخينات السوق السياسي في الأمتار الأخيرة من الولاية البرلمانية والترابية تكون وصلت الآن إلى أوجها قبل النزال الحاسم: الهجمات والهجمات المضادة، التجاذبات ورسائل الود، تزيين الوجوه القديمة، تقديم الوجوه الجديدة، التركيز على نقط ضعف الخصم، تضخيم نقط القوة الذاتية، تكبير المنجز الصغير وعملقة المنجز الكبير، إطلاق الوعود وتذكير الأنصار والتابعين، واستمالة من يشعرون بالخيبة و الناقمين…
نفس التكتيكات و السلوكات تتبع منذ أن دخل الزمن الانتخابي إلى قاموسنا السياسي، لكن نفس الخيبات يحصدها الناس ونفس الكوابيس تسكن عقولهم و نفس الآلام تنفطر لها قلوبهم وهو يرون أحلامهم تتبخر و طموحاتهم الجماعية تتأجل، والأدهى من ذلك أنهم لا يبصرون في طريقهم ما يجعلهم يستعيدون الثقة في بلدهم ونخبه…
في الوضع الحالي غير الطبيعي الضبابية تسود الموقف، تراجعت أسهم السياسية إلى نقطة الصفر أمام التقنوقراطية والبيروقراطية، بل إن معظم الناس يتساءلون عن دور السياسي، إلا من رحم ربك، وقد بارت أسهمه بشكل تصاعدي مع كل تجربة خائبة، حتى إن هذا الوباء دفع بهم إلى البحث ًبالفتيلة والقنديل” عن الدور الذي بقي له، وهم يصفعون الصفعة تلو الأخرى، وكان آخرها أزمة اللقاح الذي لا نعلم أين ستنتهي ناهيك عن أزمة قطاعات اقتصادية وشرائح اجتماعية على حافة الانهيار إن لم تكن انهارت جراء الوباء والماء الكاشف وسياسة بنيوية غير متوازنة…
الضبابية التي تسود الموقف لم تخرج السياسي بعد من ذهوله، وإن كنا نحس تململا خفيفا في المشهد، فلا أحد يملك العصا السحرية للنفخ في الرماد والأفق يطاله السحاب، والتشاؤم يطال القدرة على التحكم في الأجندات ما دام أمر التحكم في الوباء أو في علاجه و دوائه بيد قوى أخرى تسمى عظمى وتحت رحمة ما يسمى بًالتدبير الجيو سياسي للوباءً ولا يعرف ماذا يخبئ القدر…
ومهما يكن فالسياسة أحبنناها أم كرهناها لا بديل عنها كوسيلة للتعايش و للتوازنات والتوافقات وقد تخطت البشرية تاريخيا مرحلة الهمجية المطلقة، بناء على هذا فما يوجد الآن على طاولة الأولويات في دوزنة سياسة الخيبات في بلدنا -وعلينا أن نتحلى بالتواضع كلنا نخبا وجمهورا وأن نتقبل حكمة النقد والنقد الذاتي ونتشربها- هو مايلي:
- تعميق الإصلاح الدستوري والسياسي في اتجاه مزيد من الديموقراطية و استقلال السلط وأدوار حقيقية للسلط المضادة؛
- ترسيخ التعددية فالعقلية الشرقية والواقع الموضوعي أثبتا أن الهيمنة (أنا وحدي مضوي لبلاد) مضرة أكثر من التحالفات و التوافقات و تمثيل حقيقي لمختلف المجالات الترابية و الشرائح و الفئات في المؤسسات؛
- مركزية إعادة النظر وتنزيل فعال للورش الاستراتجي للتربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، وذلك من أجل بناء مواطن قوي مندمج في عصره قادر على كسب رهاناته و تحدياته عقلا وفكرا و نفسية وسلوكا؛
- ضرورة بناء منظومة صحية محكمة و مؤنسنة ونظام للحماية الاجتماعية شامل وعام بدل سياسات اجتماعية مشتتة وغير منتظمة؛
- أهمية استقطاب الموارد البشرية المحلية والوطنية من كفاءات وأطر وخبرات والعناية بها ماديا ومعنويا وفتح المجال أمامها للإبداع و والاستثمار الإنتاج، لتعمل وتساهم في تحسين تنافسية بلدنا بدل الهجرة إلى الخارج…
ويبقى موعد الانتخابات ربما في علم الغيب مادام الوباء يحمل مفاجآت ومادام تاريخ بداية ونهاية برنامج التلقيح يؤجل من أسابيع إلى شهور و لا باليد حيلة…
عبدالحي مفتاح