يتضمن كتاب الزاوية، أنماطا عديدة من الكتابة الذاتية والتاريخية والكتابة الصوفية والدينية، الأمر الذي يجعله يتعالى عن أي تصنيف، لأنه يطفح بألوان من فنون الأدب التي لعبت مجتمعة دورا هاما في نجاحه وتميزه عن باقي السير، وسأتطرق هنا إلى الموضوع التاريخي في كتاب الزاوية، من القراءة الأولى لكتاب الزاوية، يتضح لنا جليا أن التاريخ ينقسم فيه إلى قسمين اثنين:
القسم الأول تاريخ الذات (السيرة الذاتية): والمقصود بتاريخ الذات، تاريخ “التهامي الوزاني” في سيرورته الزمنية من زاويتين: زاوية الطفولة، وزاوية الرشد، فهو بهذا التصور يتكلم زمن الكتابة في (أوائل الأربعينات) بوعي تام عن زمن اللاكتابة (أواخر العشرينات)، بل وينظم الحديث في ذلك بمقتضى المؤثرات المحيطة به أو المؤثرة في الكتابة نفسها، وفي هذا الصدد يرى عبد القادر الشاوي أن هذا الأمر يتعلق بسرد حياة الطفولة، في تطورها والتواء مراحلها وتعقد أحداثها، غير أن السرد يتلون هنا بزمن الكتابة (الوعي) إن التهامي الوزاني كراشد يتكلم عن ماضيه كطفل من خلال وعيه به كحاضر.
إن كتابة السيرة الذاتية “الزاوية” هي ولادة الماضي وتذكر ذكرياته، ورسم تاريخه الخاص عن طريق التحقيب والتأريخ والرواية بمفهومها الواسع، لذلك يمكن القول بأن التهامي الوزاني، أراد في كتابه أن يدوّن مسيرة حياته، ويرسم صورة دقيقة لشخصيته، عن طريق السرد المتعاقب لذكريات طفولته ورشده (لحظة الانتماء الصوفي)، وبناء على ما سبق يمكن القول بأن هذه السيرة هي ميثاق أفصحَ من خلاله التهامي الوزاني عن مسار أفكاره وأحاسيسه.
القسم الثاني تاريخ الأشراف الحراقيين: إن صلة السيرة الذاتية “الزاوية” بالتاريخ هي صلة قوية، ذلك لأنهما يشتركان في تسجيل الوقائع والأحداث والمواقف في تصوير مختلف البيئات والمآثر، بل هي أكثر نبضا من التاريخ بالحياة والتجارب الفردية، بحكم محورية الذات، فالتهامي الوزاني أراد من خلال سرد تاريخ الأشراف الحراقيين، بناء تصور خاص عنه لا عرضه كما هو. والدليل على ذلك أنه قدم هذا التاريخ كراوٍ له، وشاهد عليه لأنه عاش بعض أحداثه كفقير من فقراء الزاوية، فانتماء التهامي الوزاني إلى الطريقة الحراقية، هو بمثابة خروج من تاريخه الفردي واندماجه في تاريخ الجماعة.
وعند دراستنا لهذا الموضوع، ما أثار انتباهنا هو الكيفية التي سرد بها الشيخ التهامي الوزاني هذا التاريخ، حيث عمد إلى سمة الحكي، بمعنى أن السرد التاريخي عنده هو في الحقيقة سرد للطريفة وسرد للحكايات التي كانت تروج في الزاوية، وذلك طبعا بروابط مختلفة تنقل القارئ من جنس إلى آخر، فنحن عند قراءتنا للزاوية نجد سردا لمجموعة من الطرائف والمرويات والمضحكات، فالتهامي بهذا العمل يحوّل التاريخ إلى حكايات وطرائف أي أن تاريخ الأشراف الحراقيين سيكتبه استطرادا من تجربته الذاتية (تاريخ على المستوى العام، طرائف على المستوى الخاص).
دة.إيمان الوزاني