التواصل غير اللفظي وأشكاله
اتخذ التواصل غير اللفظي شكلا ومدى جديدين مع التلفزيون. وتعتمد فعالية تدخل ما، حاليا، وبشكل كبير على تعبير الوجه وعلى الصوت، وأيضا على لون اللباس. ومن ثم فقد تأثير الخطاب أهميته.
- تأثير مضاعف Un impact démultiplié
وكما ذكرنا، فإن التلفظ يتساوى مع الملفوظ. إذ أصبح جسم الخطيب متكلما إلى أقصى حد، ويقدم نفسه في إطار أكبر أمام عيون المتفرج الذي يتفحصه في أدق تفاصيله. كل شيء له معنى في التلفزيون لأن كل شيء يُرى: الوجه، والانفعالات، والهيئة، والحركات، واللباس. وترصد الكاميرا أقل حركة، وأصغر رد فعل. كانت مارغريت ثاتشر Margaret Thatcher ملزمة بتغيير طريقة تصفيف شعرها والكشف عن ساقيها. وَبَرَدَ فرانسوا ميتيرانFrançois Mitterrand أنيابه، وربط ريتشارد نيكسون Richard Nixonانهزامه أمام جون كينيدي John Kennedy،rançois Mitterandان ف شعرها عل. لأن كل شيء يُرى: الوجه، و م/ وكانوا يدلونتلفزيا.
ك ف. سنة 1960 بحلاقة سيئة، وهي التي كانت قد أعطته مظهرا مقلقا خلال المناظرة المتلفزة التي سبقت الانتخابات.
إن الصورة المكبرة تفرض الوضوح لأن كل حركة تصبح مبالغا فيها. كان الخطباء، خلال مدة طويلة، يُلَقَّنُونَ استعمال حركات واسعة حتى يراهم الجميع. وأما في الوقت الحاضر، فيجب تجنب كل تصرف غير مألوف. إن التلفزيون ينفر من الحركات الاستعراضية لأن المسرحة الجسدية للخطيب لم تعد مطلوبة.
هذا التأثير المتنامي يرغم الخطيب على فرض مراقبة ذاتية صارمة، متوازية بشكل مكثف–فيما يخص كل لفظ – و– بشكل موسع- لا يقتصر على الأقوال فحسب، ولكن يشمل أيضا النبرة، وحركات الجسد، واللباس. إنه لمن الصعب جدا اكتساب التلقائية التلفزية.
- مكوناته الأساس
الخطيب الذي يظهر في التلفزة يلزمه أن يجعل جسده ناطقا. فالجسد، والتعبير بالحركات، كلاهما يتيح، مثلما يتيح الخطاب، نقل الإحساس بالعاطفة، والإعراب عن صدقه، وإظهار إدانته، إلخ…
إن الوجه هو نقطة تركيز الكاميرا، وعليه تؤطَّر الصورة. وبصفة عامة، فهو يصور من الواجهة. أما المشاهد الجانبية فنادرة. فبعضهم مثل جاك شيراك Jacques Chirac، يستفيدون من ذلك؛ فجبهته الهاربة “fuyant”،وأنفه المنفر يمران في خفاء. ما هي الحركة التي ستمنح للوجه؟ لابد من تجنب عائقين: القناع المسرحي، باعتبار أن المتفرجين ينظرون إليه من قرب، والسكون البارد والمحجوب.
إن العينين هما أهم ما في الوجه. فمن النظر يتحقق للخطيب أن يجعل نفسه حاضرا لدى المتفرج ، ويثير انتباهه، ويدمجه في تواصله. فهو الذي يؤسس الاتصال. والحال أنه في السمعي البصري، « تحمله العلاقة إلى المحتوى وإلى التلفظ وتحتسب أكثر من الملفوظ. المهم هو الاتصال le contact وليس الخطاب»([1])le phatique إذ إن للوظيفة اللغوية دورا أساسيا.
إن النظر يؤثر أيضا في تأويل الكلمات: « فقطع الاتصال البصري بتحويل النظر عن الكاميرا يُقلص من انتباه المحاوَر ويقلل من الاهتمام الذي يبديه نحو الذي يستمع إليه(…)وإن أقل إرخاء للنظر يضعف الارتباط بالموضوع»([2]) في عيون المُشاهد. فالنظرة المحلِّقة تعزز الانطباع بأن تضليلا ما يتضمنه الخطاب. أثناء خطبة مباشرة لرئيس الجمهورية، لا يجب أن تغادر العينان “حلقة ضبط البؤرة” أي هدف الكاميرا، فالنظرة تصاحب الخطاب من البداية إلى النهاية.
ويأتي الفم بعد ذلك. فالابتسامة في التلفزيون إلزامية أمام الكاميرات، كما هو الحال أمام آلات التصوير، تكون الكلمة السحرية هي “تشيز cheese”. والابتسامة هي حجة فعالة جدا: فهي تنزع من المحاوَر سلاح عنفه، وتُلَطِّفُ من التوترات، وتنشئ تواطؤا ملائما توددا للمُشَاهِد.
وبفضل الجهاز التلفزي المـُلَقِّن أو شاشة التلقين télésouffleurs([3]) لا يحتاج الخطيب التلفزيوني دعامة مكتوبة. فهذه الآلات تُسَيِّر النص على الكاميرا بوتيرة تناسب سرعة القراءة، ويقرأه الخطيب على شريط ضيق لتجنب حركية العينين اللتين قد تكشفان هذا الإجراء.
فيما يخص التعبير الحركي، فمن اللائق، هنا أيضا، أن نجد توازنا بين الصلابة الكاريكاتورية وبين العفوية المصطنعة. وقبل كل شيء، يجب أن تبدو الحركات كأنها حقيقية، بمعنى أن تكون منسجمة مع شخصية الخطيب ومتلائمة مع الموضوع. وقد كتب الجينرال دوجول في مذكراته المعنونة بـ “مذكرات الأمل”: « يتعلق الأمر بالظهور بشكل حيوي جدا وعفوي لأجل إثارة وشد الانتباه، من دون اللجوء إلى حركات مفرطة وإلى حركات ميمية غير ملائمة»
أما فيما يخص اللباس، فإن اللون الأزرق أحسن مظهرا على الشاشة، إنه يعطي انطباعا عن الجدية ولا يهاجم المتفرجين وهو يفقد طبيعته بواسطة إعادة البث في التلفزيون.
وعلى العكس من ذلك فإن اللون الأحمر يتفسخ فيلطخ دائما الصورة، وهو الأمر الذي يؤكد طبيعته العدوانية.
وفي النهاية، يجب أن يتوفر الصوت على كثافة منخفضة ونغمات خفيفة. أمام حَشْد ما، فإن الخطيب الجيد هو من يتوفر على النَّفَسِ الطويل، ويصيح إذا اقتضى الحال. ولكن الأمور تسير على العكس من ذلك في التلفزيون. فهو ينقل صوت الخطيب إلى بيت المتفرج الذي يشاهد ويسمع وسط دفء الأسرة.
إن تأثيرات الاندهاش عبر الصوت، والتهييج الصوتي للحشود لا يكون لهما إذن أي معنى هنا. إنه على العكس من ذلك، يجب أن يكون هذا الصوت خافتا ورخيما وفصيحا. فالوتيرة يلزم أن تكون منسجمة وتكون سرعة الكلام منتظمة ومن دون انقطاع، كما يُذَكِّرُ بذلك جان-ماري كوطيريJean-Marie Cotteret . فالسجل رتيب. إنه سجل “برنامج الحوار”talk-show. إننا في عصر الوشوشة. ويجب التخلي عن السرعة، وإلى الوقفات وتخفيض سرعة الصوت التي تنتج تأثيرات المفاجأة وتجدد انتباه المتلقي.
[1]– Régis Dubray, op. cit., p. 127.
[2]Jean-Marie Cotteret, La magie du discours. Précis de la rhétorique audiovisuelle, Paris, Michelon, 2000, p. 51
[3]– Le prompteur (ou téléprompteur ou télésouffleur) est un dispositif permettant à un présentateur de télévision ou à un orateur de lire un texte défilant sur un écran
والملقن هو الجهاز الذي يسمح للمذيع (ة) أو الخطيب في التلفزيون بقراءة نص يتم تمريره على الشاشة من دون أن يدرك المتفرج هذا الإجراء.) المترجم(
د. عبد الواحد التهامي العلمي