مما لا شك فيه أن موضوع الصحراء المغربية كان و لا يزال و سيبقى من بين أهم مواضيع الساعة, لما له من حقائق ومستجدات ظلت الشغل الشاغل لكل الباحثين و السياسيين و أصحاب القرار سواء محليا, إقليميا و دوليا.
تتخذ المملكة المغربية قضية الصحراء قضيتها الوطنية الأولى منذ أكثر من 45 عاماً، ومحدداً أساسياً لأجندتها الدبلوماسية وتحالفاتها الدولية. ويتنازع المغرب إقليم الصحراء الغربية، المستعمرة الاسبانية السابقة، مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر واللتين تسعيان لإقامة دولة مستقلة في الإقليم وتطالبان باستفتاء لتقرير المصير، وهو ما عجزت عن تنظيمه الأمم المتحدة لحد الآن بسبب صعوبة تحديد الكتلة الناخبة في منطقة صحراوية مفتوحة كان يقطنها الرحل بالدرجة الأولى.
مستجدات طرأت في الآونة الأخيرة متعلقة بقضية الصحراء المغربية, أبرزها الاعتراف الأمريكي بسيادة الدولة المغربية على صحرائها, سبقتها دول أخرى خصوصا دول الخليج و دول أسلامية عربية من جميع أنحاء المعمور.
التغيرات التي حدثت تقتضي تغيرا أيضا في مسار القضية خلال السنة المقبلة، إذ ينتظر كيف ستتصرف الجزائر و”البوليساريو” أمام النصر الذي حققته المملكة على الصعيد الدولي، وتوقعات متتبعين تشير إلى حلين لا ثالث لهما: قبول حل سياسي، أو قيام الحرب.
لذلك يرى العديد من الخبراء من بينهم ” الأستاذ الموساوي العجلاوي : الخبير في الشؤون الإفريقية” أن ما حدث هو دليل ورسالة سياسية إلى الدولة الحاضنة للانفصال بأنه يجب الدخول في مرحلة من أجل حل سياسي وواقعي”، موضحا أن الدول المعترفة بمغربية الصحراء تؤيد حل الحكم الذاتي الذي يدخل في إطار القانون الدولي.
وأكد كذلك أن : “ما حدث يمضي نحو رؤية جديدة وقراءة جديدة لهذا النزاع تنحو نحو الطرح المغربي، خاصة أن الاعتراف بالسيادة الذي لا يتعارض مع طرح الحكم الذاتي”، مفيدا بأن الطرفين الآخرين، أي الجزائر و”البوليساريو”، لهما اختياران؛ وهما، حسب الخبير، “الانخراط في هذا التوجه الدولي لإيجاد حل سياسي، أو الانتحار باللجوء إلى الحل العسكري؛ وهو ما يتناقض مع طرح الأمم المتحدة. ”
فدلالة اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء والذي تكمن أهميته في كون الأمر يتعلق بعضو دائم في مجلس الأمن بل وتحرر قراراته، مفيدا بأن هذا الاعتراف يتماشى أيضا مع منظور الدولة الإستراتيجي الأمني في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل؛ وهو ما يدل عليه التعاون العسكري الذي أبرم قبل شهرين بين وزير الدفاع الأمريكي والمغرب، وأيضا صفقة بيع أسلحة.
ويأتي هذا القرار الأمريكي، الذي يعد أيضا نقطة تحول رئيسية وتاريخية في العلاقات التي استمرت لقرون بين البلدين، ليعزز الشراكة الإستراتيجية الثنائية والطابع الفريد والمتفرد لهذه العلاقة التي تدرج المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية في تحالف متجدد.
وبالتالي، فإن إعلان رئيس الولايات المتحدة يندرج في إطار القرارات السيادية، بما لها من قوة قانونية ومؤسساتية لا تتزعزع – بغض النظر عن التوجه السياسي لساكن البيت الأبيض – الذي كان عمله الأول المؤسس الاعتراف من قبل السلطان محمد الثالث بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1777.
وعلى مستوى الأمم المتحدة، قامت الولايات المتحدة – صاحبة صياغة القرارات المتعلقة بالصحراء في مجلس الأمن وعضو دائم في هذه الهيئة – بإبلاغ رسميا الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة والأمين العام لهذه المنظمة، بمحتوى الإعلان الأمريكي الذي يشدد على أن المقترح المغربي للحكم الذاتي هو “الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع في الصحراء المغربية”.
زيادة على ذلك أكد وزير الخارجية المغربي أن القرار الأخير لمجلس الأمن الذي اعتمده في شهر أكتوبر الأخير, يحتوي على 3 رسائل مهمة : الوضوح, الحزم, و الثبات. و بخصوص رسالة الحزم, فالأمر يتعلق بعملية إحصاء السكان المحتجزين في مخيمات تندوف, في إشارة واضحة لتحمل الجزائر مسؤوليتها الإنسانية, التي يتعين عليها الامتثال لواجباتها الدولية.
رسالة الثبات, أكد الوزير على أن الثبات في الحفاظ على المكتسبات المغربية و خصوصا المبادرة المغربية للحكم الذاتي كقاعدة لأي حل سياسي و معايير الواقعية و المثالية و العملية و التوافق الذي ميز المبادرة المغربية.
و خلص كلام الوزير على أن القرار يؤكد بكل نهائي مهمة بعثة الأمم المتحدة, التي لا يرتبط وجودها بأي شكل من أشكال بفرضية الاستفتاء, و هو خيار استبعده مجلس الأمن لاستحالة تنفيذه.
رسائل أخرى يمكن استخلاصها من المستجدات الأخيرة لقضية الصحراء المغربية أبرزها:
- خيار الحكم الذاتي أصبح الحل الوحيد و الواقعي لقضية الصحراء المغربية.
- بروز الدولة المغربية كقوة قارية لا محيد عنها بالنسبة للمنتظم الدولي.
- ضرورة تفهم الجيران الإقليميين على أنه قضية الصحراء المغربية حسمت بشكل كبير.
لذلك يواصل المغرب الحفاظ على التزامه بالانخراط في الدينامية الجديدة التي أرادها الأمين العام للأمم المتحدة، وسيكون الأمر كذلك طالما يتم احترام مبادئ وأساسيات الموقف المغربي:
أولاً: لا يمكن تسوية قضية الصحراء خارج السيادة الكاملة والمطلقة للمغرب على صحرائه. وفي إطار المسلسل ألأممي، لم يتفاوض المغرب أبدًا على سيادته الوطنية، بل إنه يناقش حلا سياسيًا لنزاع إقليمي. وتوصف مبادرة الحكم الذاتي، التي اعترف بها المجتمع الدولي بجدية ومصداقية، جميع المعايير التي حددها مجلس الأمن لتحقيق حل سياسي واقعي وعملي ودائم.
ثانيا: المشكلة ليست في إيجاد حل لهذه القضية، بل التوصل إلى تحديد المسار للتسوية. يجب على الجزائر أن تتحمل كامل مسؤوليتها في البحث عن تسوية نهائية؛
ثالثاً: مجلس الأمن هو الجهاز الوحيد المخول له التعامل مع قضية الصحراء المغربية والإشراف على المسلسل السياسي للأمم المتحدة،
رابعا، الرفض القاطع لأي اقتراح أو خطة عفا عليهما الزمن أو لأي محاولة لإدراج مواضيع هامشية أخرى تعالجها بشطط المؤسسات المختصة الأخرى.
مع التطورات الأخيرة لملف الصحراء المغربية, فهذا الصراع الذي دام أكثر من 45 سنة, آن له أن ينتهي من أجل مستقبل أفضل للمنطقة المغاربية، جازمين أن مقترح الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب، يعد خطوة متقدمة تبرز التفكير المتقدم والمميز للمملكة المغربية لتسوية النزاع المفتعل.
د: محمد البوشوكي