حوار مع السيد: محمد بودن , أكاديمي, محلل سياسي, رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية و المؤسساتية.
حول: المستجدات الدبلوماسية التاريخية للمغرب و تداعياتها الإقليمية و الدولية.
مواكبة منا للمستجدات المتعلقة بقضية الصحراء المغربية و عقب الاعتراف الأخير للولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة الكاملة على صحرائه, كان لنا حوار مع المحلل السياسي و الأكاديمي رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية و المؤسساتية: السيد محمد بودن, ذلك لتسليط الضوء حول تداعيات المستجدات المتعلقة بالموضوع.
بخصوص القرار التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية بشأن سيادة المغرب على صحرائه، مار أيكم؟
بكل تأكيد قرار الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء يفتح افقأ إستراتيجيا جديدا في المنطقة، فالقرار صادر عن دولة لها هيبة عالمية ودائمة العضوية في مجلس الأمن و حاملة القلم في صياغة قرارات الأمم المتحدة بشأن ملف الصحراء المغربية و أحد ابرز مجموعة أصدقاء الصحراء.
ولذلك فهذا انتقال استراتيجي في ملف الصحراء المغربية تم التعبير عنه بصيغتين أولها الإعلان عن الاعتراف بالصحراء المغربية الذي ينشئ أثار قانونية و سياسية عبر الية المرسوم الرئاسي التي لها خاصية الإلزام في الدستور الأمريكي وثانيها فتح قنصلية بمدينة الداخلة بما للأمر من مركز قانوني يجد سنده في اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية و ميداني يبعث بإشارة سيادة الأمن و الاستقرار في منطقة الحدود المغربية الموريتانية ولا يستثني الصحراء المغربية و المنشأ الصحراوي من الاتفاقيات الأمريكية المغربية في المستقبل.
إذن هذا قرار يعبر عن حجم التحول وعمقه و الذي لا شك انه سيؤطر البيئة الإستراتيجية في شمال إفريقيا و إفريقيا الأطلسية.
هذا قرار يضع جبهة البوليساريو ومن يدعمها في دائرة معزولة و يؤكد ان المغرب بنهج دبلوماسي منظم وقائم على الواقعية و الوضوح والطموح ينطلق من عوامل قوة ميدانيا و تاريخيا و قانونيا بما يفضي لمراكمة المزيد من الانتصارات التراكمية في قضيته الأولى.
ان الإدراك الاستراتيجي في الموقف الأمريكي لأهمية المغرب ودوره في المنطقة كقوة إقليمية لا تقف في الطابور منح للمغرب فرصة لا تقف عند بعض المسلمات في حدود معينة أو أبعاد مختزلة رغم أن العلاقات المغربية الأمريكية لم تخرج أبدا من دائرة التحالف الاستراتيجي لكن كان لازما تسجيل هذه النقطة الذهبية بشكل براغماتي يتناسب مع المصالح الوطنية.
مما لاشك فيه أن هذا القرار سيرفع من تأثير الولايات المتحدة الأمريكية في مجمل العلاقات الدولية المتعلقة بالمغرب وقضية الصحراء المغربية و سيكرس رؤية سياسية أمريكية واضحة حول ملف الصحراء المغربية تتجاوز دعم مبادرة الحكم الذاتي في مجلس الأمن و الأكثر من هذا القرار سيدفع عدد من حلفاء الولايات المتحدة في العالم للسير على خطاها.
ما تعليقكم على تأكيد المملكة المغربية على مقاربتها للقضية الفلسطينية و جعلها في منزلة قضية الصحراء المغربية؟
المغرب حريص على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف وفقا لقرارات الشرعية الدولية وظهر هذا بجلاء في الاتصال الذي جرى بين جلالة الملك و رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية و البرقية التي بعثها جلالة الملك له بعد ذلك، إذن فالمحددات واضحة في موقف المغرب و اجزم أن هذه التطورات لن تكون على حساب حقوق الشعب الفلسطيني ولا يمكن إلا أن تكون قوة دفع لدعم إقامة الدولة الفلسطيني.
بحيث ان مواقف المغرب ثابتة ومتأصلة بشأن القضية الفلسطينية و القيادة الفلسطينية تدرك اهمية الدور المغربي و حضوره التاريخي في الملف و لذلك فإنها ستتفهم و تراعي هذا التطور وهذه الخصوصية التي يتمتع بها المغرب.
المغرب بإمكانه استثمار أي تطور ليكون قوة خير و دفع عملية السلام بين الفلسطينيين و الاسرائليين لوضع أسس ومحددات لبناء تدابير ثقة تقود إلى الحوار و المساهمة في خلق مناخ مناسب لتحقيق هدف إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية بالتسلسل المطلوب.
إذن هذه حقيقة كبرى ولحظة فارقة سيكون ما بعدها مختلفا كما أنها تمثل جهدا كبيرا لضرب أكثر من عصفور في سياق دولي لا يعترف بالكمون و الضعف و لا يجعل من تعميق القطائع مؤشرا على القوة و الثقل.
المغرب يقارب القضية الفلسطينية بشكل منفصل عن مصالحه الوطنية، ويدرك كذلك أن بناء السلام في الشرق الأوسط لن يتم على أساس الكراهية، والرفض التام بل بإعطاء فرص لتحريك عملية السلام.
وبالتالي فهذا القرار يراعي المصالح الوطنية الكبرى، ويتجنب إحداث أي ضرر محتمل بمصالح دول أخرى باستثناء الضرر والصدمة التي طالت خصوم الوحدة الترابية للمغرب.
ما تقييمكم لمواقف دول الخليج من التطورات في الصحراء المغربية؟
إن مواقف دول مجلس التعاون الخليجي والأردن بشأن الإجراءات التي قام بها المغرب لتأمين معبر الكركرات لتعد بحق مواقف مشرفة و تعكس عمق العلاقات المغربية مع هذه البلدان.
هذه مواقف بمضمون ثابت و أصيل عبر جميع المراحل و في مختلف المنظمات والمحافل الأممية و الدولية بحيث تدعم هذه الدول مغربية الصحراء مند حدث المسيرة الخضراء.
أن المتابع لهذه المواقف سيجدها تعكس استمرار هذه الدول في دعم الخيارات التي يقوم بها المغرب في أقاليمه الجنوبية لفرض الاستقرار و الأمن و مواجهة أي استهداف ممنهج لسيادته.
كما أن المملكة المغربية لها مواقف أصيلة وثابتة بشأن القضايا السيادية لهذه الدول ولعل الخطاب الملكي في القمة المغربية – الخليجية كان واضحا في مساحة الآمن القومي بينه و بين هذه البلدان.
ما رسائل الزيارات المتوالية للأحزاب السياسية والمجتمع المدني ومختلف الأطياف الوطنية لمعبر الكركرات بعد تأمينه؟
في تقديري ثمة أربع رسائل على الأقل في هذه الزيارات لمعبر الكركرات:
-الرسالة الأولى : تأكيد التفاف مختلف المشارب حول القرار السيادي الذي اتخذه المغرب بمعبر الكركرات في سياق وطني مطبوع بالإجماع واهتمام الجميع بالوصول لهذه الربوع من المملكة المغربية.
- الرسالة الثانية : دليل على زوال استفزازات ميليشيات البوليساريو من المنطقة وسيطرة الاستقرار و الانسيابية بها وإعلان للرأي العام على القدرة الكبيرة للمغرب في تأمين معبر الكركرات.
-الرسالة الثالثة : مؤشر على تبدل الحال في المنطقة و أن الأمر يتعلق اليوم بمرحلة ما بعد تحييد المخاطر و التأكيد على أن المنطقة مرتبطة بالداخل المغربي بشكل نهائي و لا رجعة فيه.
- الرسالة الرابعة : الزيارة هي جزء من الوتيرة العالية التي فرضها المغرب دبلوماسيا وميدانيا كما انها تعكس حبا للصحراء المغربية و نكاية في البوليساريو ومن يدعمها.
ما تحليلكم للأخبار الزائفة التي تنتجها مليشيات البوليساريو ومن يدعمها؟
هذا تعبير عن عيش جبهة البوليساريو تحت الواقع فالكيان الوهمي قائم ومؤسس على قاعدة من السراب و السرديات الخيالية.
إن فبركة الأحداث عبر إعادة إنتاج صور قديمة و تركيب أصوات على فيديوهات مصدرها المعارك الدائرة في اليمن او سوريا و تضخيم بعض الاستفزازات العرضية راجع إلى العوامل التالية:
- الصدمة التي خلفها تدخل القوات المسلحة الملكية في الكركرات بحيث لم تتوقع قيادة البوليساريو تدخلا عملياتيا بهذه الدقة والفعالية.
-
الشبكة النفسية و السلوكية المنهارة بفعل الأوضاع المأساوية في مخيمات تندوف، وعدم القدرة على تحقيق الأحلام في الواقع.
غياب الحجج و الوقائع و الارتكاز فقط على الدوافع الانفصالية.
- تحكم النظام الجزائري في قرار الكيان الوهمي و فرض أفكاره إرادته و أفكاره على صناع الأخبار المفبركة و المزيفة.
إن ما تنتجه جبهة البوليساريو ومن يدعمها من إخبار كاذبة و مفبركة لن تخترق الصف المغربي المسيج بالحقائق الميدانية و التاريخية و المؤكد أن هذه الأفكار ليست إلا مجرد بضاعة فاسدة لن يشتريها احد.
إن جبهة البوليساريو لم يبقى لها ما تقوله لساكنة مخيمات تندوف ولذلك تحاول ان تقوم ببعض المفرقعات الافتراضية لخلق حالة من التعبئة والفوبيا.
هذه الفبركة السائلة القائمة على الشيطنة و الأسطرة انعكست سلبا على الكيان الوهمي و أنتجت صورة كاريكاتورية عنه.
ما رأيكم في مفهوم ” التطبيع” و وضعه من طرف البعض في السياق المغربي و كيف ترون هذا الإطار الثلاثي للعلاقات المغربية الأمريكية الإسرائيلية؟
في إطار تحديد المفاهيم يهمني عدم وصف هذا التطور بعبارة ” التطبيع ” التي أجدها اختزالية و لا تنتمي للسياق المغربي و أعتقد أن الأمر يتعلق بإعادة تعريف متجددة للعلاقات بين البلدين و حركية ايجابية للتاريخ المشترك منذ إحداث مكتب الاتصال سنة 1994
لا شك أن الواقعية تمنح إمكانية انتقال تدريجي للعلاقة من مستواها الأدنى إلى نطاق أكبر و طريق أسرع للمساهمة في السلام و إتاحة الفرص أمامه فضلا عن المنفعة المتبادلة على المستوى الاقتصادي.
هذا التعاطي الايجابي يمكن تشبيهه بعملية حرث حيث ينبغي الاعتناء بالبذرة و متابعتها حتى تثمر رغم ما يمكن أن تواجهه من ظروف طبيعية والمغرب بما يملك من خصوصية تاريخية وارتباط باليهود المغاربة سيضع ثقله في خدمة التعايش والسلام.
ثمة تسلسل لهذا التطور وسيشمل في مستهله تفعيل مستوى الاتصال على مستوى الآليات الدبلوماسية فضلا عن فتح المجال أمام العمل على مستوى الملاحة الجوية و السياحة و التجارة و الصناعة والتكنولوجيا وغيرها من المجالات التي سيتم استكشافها على المستوى الثنائي او على مستوى الشراكات متعددة الأطراف ويمكن تقييم ثمار استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية على مراحل.
ما قررته الولايات المتحدة الأمريكية بشأن سيادة المغرب على صحرائه يمثل قرار سيادي من أعلى هرم السلطة الأمريكية يتجاوز مسألة إعلان الاعتراف بل تكريسه بقرار فتح قنصلية أمريكية بمدينة الداخلة.
هذا قرار له أساس دستوري ينطلق من الدستور الأمريكي الذي يجعل من الرئيس صاحب الكلمة الأولى على المستوى التنفيذي و خاصة في مجال السياسة الخارجية ولا أعتقد أن قاعدة تعاقب الرؤساء يمكنها أن تؤثر على هذا التطور لأنه في الغالب يسهل على الرئيس المنتخب الاحتفاظ بقرارات الرئيس الذي سبقه لأن مثل هذه القرارات تستمد قوتها من غموض ومرونة صلاحيات الرئيس و سلطته التقديرية.
وإذا القينا نظرة على تطور موقف الولايات المتحدة الأمريكية من قضية الصحراء المغربية فقد كانت ايجابية في الحقبة الأخيرة سواء في عهد إدارة بيل كلينتون أو جورج بوش أو باراك اوباما او دونالد ترامب بحيث تم تسجيل التنويه الدائم بمبادرة الحكم الذاتي وعدم استثناء الصحراء المغربية من التراب المغربي في الإجراء الذي يتم إقراره في الموازنة الأمريكية السنوية وبالتالي فهذه دينامية تصاعدية وتراكم ايجابي لن تحيد عن الاستمرارية.
يبقى أن أشير كذلك إلى أن قرار الولايات المتحدة الأمريكية فتح قنصلية عامة بالصحراء المغربية يستند إلى القانون الدولي وخاصة اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لسنة 1963 وعلى المستوى التاريخي فالولايات المتحدة الأمريكية كانت قد فتحت قنصلية لها في طنجة سنة 1797 أي بعد الاعتراف المغربي بالولايات المتحدة الأمريكية ب 20 سنة مما يجعل العلاقة مسنودة بأكثر من شرعية.
حاوره: د.محمد البوشوكي