حكم :
جمع حكمة ؛ وهي صواب الرأي وسداده.. ومن دلالات الحكم : العدل ، والكلام الذي يقل لفظه ويجل معناه ، والنعمة ، واصابة الحق في قول أو عمل ببصيرة نافذة وخلاصة تجربة ، أو بوحي من الله ، كما وقع للأنبياء عليهم السلام.
وردت الحكمة في كتاب الله العزيز ، اما مقرونة بالكتاب المنزل ؛ أي بالوحي ، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى ” ونعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل “ ، واما للدلالة على اصابة الحق ، كما في قوله تعالى ” وشددنا ملكه ، وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب “
ولفظ ” حكم ” في بيت الناظم خبر لمبتدا محذوف ؛ تقديره : معايشهم وعواقبهم حكم.
والحكمة عند أهل الله هي الحقيقة المحمدية ، والحقيقة المحمدية مشكاة النبوة ، وهذه الحكمة لا تتنزل على العقول ، بل على القلوب ؛ لكونها علم مكاشفة صادرة من قلب الولي. وحكم في البيت تحيل على موافقة وجريان على مقتضى مقادير ربانية..
نسجت :
بمعنى خلاصة النسج ؛ وهو ضم شيء لآخر . ومن دلالات النسج : الحياكة ، والسير ، والانبات ، والنظم ، والتلخيص ، والصياغة..
بيد :
الباء خافضة
واليد تعني : النعمة ، والاحسان ، والسلطان ، والقدرة ، والقوة ، والملك ، والحوزة ، والكفالة..
حكمت :
جملة حكمت واقعة صفة ليد ؛ بمعنى : يد حاكمة.. وفي اسناد الحكم الى اليد مجاز
ثم :
عاطفة ، دالة على ترتيب مع تراخ في الزمن ؛ والترتيب جعل الأشياء الكثيرة منتظمة في نسق عام ، يجمع بينها في منظومة شمالة.. والترتيب بلاغيا ايراد أوصاف الموصوف على ترتيبها في الخلقة الطبيعية ؛ كما جاء في قوله تعالى ” هو الذي خلقكم من تراب، ثم من نطفة ، ثم من علقة ، ثم يخرجكم طفلا ، ثم لتبلغوا أشدكم ، ثم لتكونوا شيوخا “ وهذا هو جوهر الترتيب.
انتسجت :
بمعنى صارت خلاصة انتساج واختلاط والتحام فعليين ؛ والانتساج مطاوع النسج بفتح الواو وكسره . وفي المطاوعة موافقة ؛ وهي تعني عند النحويين والصرفيين ما تدل عليه من صيغ بعض الأفعال المزيدة في اللغة العربية من قبول أثر الفاعل . تقول : كسرت الاناء فانكسر ؛ وهذا مدلول المطاوعة ؛ بمعنى قبول أثر الفعل المتعدي.
بالمنتسج :
الانتساج متراخ في رتبة النسج لأنه مطاوعه ، والانتساج تعلق تنجيزي ، وهو حاصل.. وفي البيت استعارة لشدة ارتباط المقادير بالعبد ؛ بحيث لا انفكاك له عنها ، ولا انفكاك لها عنه ؛ فكأنها ملتحمة به ؛ كما في قول القائل :
” ما أصابك من مصيبة لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ”
أو قول الشاعر :
فوض الأمر الى رب البشر
واترك الهم ودع عنك الكدر
أو قول الشاعر :
ما قدر الله آت ، كنت في سفر
أو في مقرك بين الأهل والحشم
أو قول آخر :
هي المقادير تجري في أعنتها
فلا تبيتن الا خــــــالي البال
وحاصل المعنى :
ما يجري على العبد من خير أو شر هو بتقدير من الله وارادته ؛ منتسج به ؛ ملتحم به ؛ لا انفكاك له عنه ؛ فقد يجري على العبد ما يكرهه ، وان بالغ في دفعه وتنحيته عنه ، وقد ينصرف ما يحب ، وان اجتهد في أسباب تحصيله. والله جلت قدرته موجد لما سبق في علمه وقضائه وقدره . وعين العقل أن نكون راضين بقضائه وقدره في ايجاد كل الممكنات..
عبد اللطيف شهبون