- بيدرو لونغاس صاحب كتاب: حياة الموريسكيين الدينية
ولد في فيلادي تاوستي بإقليم سرقسطة في فاتح يوليوز 1881م، تابع دراسته الثانوية في سرقسطة وويسكا، بعد حصوله على شهادة البكالوريا التحق بكلية الآداب، شعبة الفلسفة بجامعة سرقسطة، حيث حصل على الإجازة سنة 1907م، بعدها بسنة أصبح عضوا بارزا في مجلس تاريخ سرقسطة، فعين مديرا لمعهد سان خوان دي باوتيسطا دي سانتياغو. وفي سنة 1911م حصل على منحة للدراسات العربية في مركز الدراسات التاريخية بمدريد، حيث درس على المستعربين: “خوليان ريبيرا 1858-1934” و “ميغيل آسين بلاثيوس 1871-1944م) فانضم إلى مجموعة من الشباب الباحثين الذين كان لهم الصدى في تاريخ الدراسات الاستعرابية الإسبانية، أمثال أنطونيو برييتو بيباس، وآنخيل غونثاليث بالينثيا، وماكسيميليانو آلاركون إي سانطون، وأمبروسيو هويسي ميراندا، وخوسي أوغوسطو بيريث وغيرهم، ومن بين الدراسات المهمة التي أنجزها تحت إشراف أستاذيه هي كتابه المهم “حياة الموريسكيين الدينية”، مارس مهنا عديدة في الجامعات ومراكز البحث والمكتبات، حيث كان آخر منصب تمركز فيه من سنة 1944 إلى 1951 كرئيس لقسم المخطوطات بالمكتبة الوطنية.
نشر مجموعة من الدراسات والبحوث المتعلقة بتاريخ إسبانيا في العصر الوسيط وخصوصا ما له علاقة بالإسلام والعرب نشرها في مجلات متخصصة مثل: مجلة آرغون، الأندلس، مجلة مركز الدراسات التاريخية بغرناطة، مكتبة المكتبة الوطنية، المجلة العالمية للسوسيولوجيا.
أما كتابه حياة الموريسكيين الدينية فقد نشره سنة 1915م، بمدريد، فاقتحم به مجالا لم يكن يحظى بالاهتمام والإقبال في تلك الفترة، نظرا للرقابة التي كانت مفروضة على تاريخ حقبة الموريسكيين من طرف الكنيسة والظروف السياسية الصعبة إلا ما كان يصدر من حين لآخر وبشكل ضعيف سواء داخل إسبانيا أو خارجها. ففتح بذلك الطريق للعديد من الباحثين الذين التفوا حول مرحلة من تاريخهم المسكوت عنه، فتوالى الاهتمام والبحث، وتوالت الأبحاث والدراسات، وازدادت انفتاحا وانتشارا بعد موت فرانكو وسيادة النظام الديمقراطي.
وعلى العموم فإن القضية الموريسكية كما قالت ميرثيديس غارثيا أرينال لا تزال تثير اهتماما حيا، وستؤدي إلى دراسات كثيرة وستظل تدور حولها وتتشكل قضايا أخرى تبتعد عنها، وستجد هذه القضايا من يدافع عنها.
ونسرد هنا مجموعة من المؤلفات الصادرة في العقود الأخيرة والمتعلقة بالموريسكيين وظروف مأساتهم وتأثيرهم:
- الموريسكيون الأندلسيون: ميرثيديس غارسيا أرينال.
- مسلمو غرناطة: خوليو كاروباروخا.
- الموريسكيون في المغرب: غيير موغوثالبيس بوستو.
- المسلم عدوا وصديقا: ماريا سوليدا كراسكو أورغويتي.
- مسلم غرناطة في الآداب الأروبية من القرن 15 إلى 19 لنفس المؤلفة.
- تاريخ الموريسكيين مأساة أقلية: دومينغيث أورتيث وبرنارد فيسينت.
- تاريخ ثورة الموريسكيين، وطردهم من إسبانيا وعواقبه على سائر إقليم المملكة: خوسي مونيوث إي غفيريا.
- الموريسكيون في الفكر التاريخي: ميغيل أنخيل بونيس.
- القضية الموريسكية من وجه نظر أخرى: ماركيت بيانويبا.
- الموريسكيون في المنفى: ميكيل دي إيبالثا.
- الطب الموريسكي: لويس غارثيا باييستير.
- موريسكيي ريكوتي: فرانثيسكو ماركيث بيانويبا.
وغير ذلك من الدراسات والأبحاث التي تركز على موريسكيي المدن والمناطق الإسبانية، إضافة إلى اهتمام شُعَب الدراسات العربية والإسلامية بالجامعات الإسبانية بهذا الجانب. توفي الكاتب سنة 1968م.
مضمون الكتاب:
يتضمن الكتاب الذي صدر عن جامعة غرناطة في طبعته الجديدة سنة 1998، وهي التي نقوم بعرضها، فبعد المدخل والمقدمة سبعة عشر فصلا وهي تتعلق بالممارسات والطقوس الدينية التي لجأ إليها الموريسكيون سرا بواسطة لغة (الالخميادو). فخصص المؤلف الفصل الأول للإيمان، والثاني للوضوء والطهارة، والثالث وما تلاه إلى الفصل العاشر للصلاة، والحادي عشر للصوم والثاني عشر للزكاة، والثالث عشر للحج، والرابع عشر بالشعائر الخاصة بالمواليد والخامس عشر لشعائر الصيد وذبح الحيوان –الأطعمة الحلال-، والسادس عشر للزواج، والفصل الأخير للشعائر الخاصة بالوفاة. وقدم للكتاب داريو كابانيلاس رودريغيث الذي نوه بالمجهود الكبير الذي بذله المؤلف في دراسة المخطوطات الألخمادية لكي يتمكن من وضع الكتاب، فأصبح على هذه الصورة يمثل مرجعا أساسيا لكل باحث أوروبي يتعرض لدراسة ممارسة الموريسكيين لشعائر الإسلام، لأنه من الصعب أن يقوم باحث أوروبي آخر بجهد مماثل ويدرس هذا الكم الهائل من المخطوطات، وإن كان الباحث المسلم قد يبدو له رأي مختلف على ضوء معلوماته عن الشعائر الإسلامية.
الكتاب عبارة عن دراسة لبعض المخطوطات الألخميادية التي تتناول الشعائر الإسلامية، وكذلك ملفات محاكم التفتيش التي نظرت في قضايا موريسكيين متهمين بممارسة شعائر الإسلام المحظورة، واستنادا إلى كل هذه الوثائق يشكل بيدرولونغاس صورة للحياة الدينية التي مارسها الموريسكيون، ويخلص إلى نتيجتين: الأولى: هي أن الموريسكيين ظلوا يمارسون الإسلام بشكل صحيح، والنتيجة الثانية هي أن الدين الإسلامي يجب أن يعرض لا أن يفرض، فقرارات الحظر كانت كثيرة ومتلاحقة، وكانت عقوبة من يخالفها شديدة، ومع ذلك فالوثائق تثبت أن الموريسكيين ظلوا يمارسون الشعائر الإسلامية حتى يوم رحيلهم من إسبانيا.
أما النتيجة الثانية التي توصل إليها المؤلف هي كما تبين الشواهد كلها أن الدين لايمكن أن يكون مكرها (لا إكراه في الدين) وما لم يقتنع المرء بدين ما فليست هناك جدوى لفرضه عليه.
وباختصار فإن الموريسكيين كانوا يحافظون على الواجبات التي يحافظ عليها المسلمون متى كان ذلك ممكنا من طهارة وصلاة وصوم وصدقة وزواج وعقيقة وختان وطقوس الجنازة والاحتفال بالأعياد، إلا أن أصعب الفروض بالنسبة إليهم هو الحج، لأنه مشروط بالاستطاعة، وسوف نعرف كل هذا في فصول الكتاب.
ويعتقد داريو كابانيلاس رود ريغيث حسب علمه أنه لم يصدر أي كتاب لأي مؤلف آخر يشبهه في المضمون لأن ما قام به المؤلف هو فريد في اختصاصه، فقد استند إلى ثلاث مجموعات من المخطوطات الألخميادية: المجموعة المحفوظات لدى جمعية تطوير الدراسات بمكتبة مركز الدراسات التاريخية ومجموعة المكتبة الوطنية، ومجموعة المستعرب باسكوال دي غاينغوس (1809-1897م) “باعث الدراسات العربية الإسلامية في إسبانيا” المحفوظة في مكتبة الأكاديمية الملكية للتاريخ.
ويذكر المؤلف نفسه في مدخله للكتاب بأن الهدف من هذه الدراسة هو توسيع إطار التعريف بالحياة الدينية الإسلامية، فقط كما كان يمارسونها موريسكيو القرن السادس عشر، فقد تعمدت تجاهل دراسة المصادر العربية التي كانت أساسا لهذه النصوص الألخميادية، وكذلك تجاهلت الدراسات العربية التي تتناول الدين الإسلامي أو ممارسته الحالية في الدول الإسلامية، اقتصرت على قراءة المصادر العربية –بقدر ما تمكنت، إذ أنها ليست كلها محفوظة- لتوضيح فقرة ما غامضة في النصوص اللألخميادية، وقرأت الدراسات العربية التي تتناول الإسلام لكي أوضح في بعض الأحيان – بشكل غير تام ومن خلال ملاحظات مختصرة- المظاهر المختلفة لحياة الموريسكيين الدينية من خلال مقارنتها بالحياة الدينية التي تمارس حاليا في شمال إفريقيا.
وينبه إلى أن القصد لم يكن التحليل النقدي للتشابه والاختلاف بين الشعائر الدينية عند الموريسكيين وعند المسلمين بصفة عامة، واقتصرت في كثير من الأحيان على أن أقدم للقارئ هذه الشعائر بشكل موثق، فقدمت المادة العلمية التي يمكن أن تفيد من يحاول القيام بهذه المقارنة.
وفيما يتعلق بالنقل التزم المؤلف إلى أقصى حد بالنصوص الألخميادية التي استعملها كما يقول: وعدَّلْت ما وجب تعديله حتى تكون قراءة النص ممكنة، والمنهج المتبع في هذا الكتاب هو الشكل الإفتائي أو القانوني الذي تعرض به الواجبات الدينية في حياة المسلم في النصوص الألخميادية، وكذلك في الكتب العربية التي تعتبر مصادر لهذه النصوص، وقد توخيت الوضوح بقدر الإمكان حتى ولو على حساب جمال الأسلوب، وهو أمر صعب المنال من ناحية نظرا لطبيعة الموضوع الذي لايسمح بالخيال، ولاحظ أن اللهجة التي استعملها موريسكيو آراغون لكتابة هذه المخطوطات تستحق دراسة متأنية ومنهجية لا يستطيع أن يقوم بها، فالكلمات المستخدمة عموما تتضمن مفردات عربية اتخذت الشكل الإسباني أو مستخدمة بشكل يعكس بوضوح تأثير اللهجة الأرغوانية، كما تتضمن الكلمات المستخدمة أيضا ذات أصل لاتيني يطرأ عليها تغيير كبير بحيث لا يمكن البحث عن معناها في المعاجم العادية ولا حتى في المعاجم التي تتضمن الكلمات القديمة، ففي الحالة الأولى أقوم بترجمة الكلمات العربية، وفي الحالة الثانية أبحث عن معنى الكلمة عن طريق التحديث ومراعاة سياق النص وتعودي على هذه الكلمات نتيجة ممارستي ومطالعتي لهذه النصوص، حيث تمكنت من تفسيرها بشكل تقريبي.
والشيء نفسه بالنسبة للمصطلحات التي يبدو فيها أثر النحو العربي بوضوح، أما فيما يتعلق بتوزيع الفصول فقد التزم فيه بما تقره الحياة الدينية الإسلامية، وهكذا استهل بعرض أركان الإسلام الخمسة، كما يلاحظ أن الجزء المخصص للصلاة كبير جدا مقارنة بالفصول الأخرى. ولا غرابة في ذلك لأن الجزء الأكبر من حياة الموريسكيين الدينية –كما هو الحال عند المسيحيين- متعلق بالصلاة الواجبة أو التطوعية.
المقدمة:
خصص المؤلف مقدمة كتابه تمهيدا لفهم مضمون الكتاب، بدءا بالسياسة التي اتبعها ملوك إسبانيا مع الموريسكيين (1492-1609م) وما عاناه هؤلاء نتيجة الإجراءات القاسية التي فرضت عليهم من طرف محاكم التفتيش في ممارسة شعائرهم الدينية والاحتفاظ بهويتهم الإسلامية والعربية.
ثم انتقل إلى الحديث عن تمسك الموريسكيين بممارسة شعائر الإسلام في غرناطة، وفالينسيا، وأراغون، وذلك بطريقة سرية كي لا يشعر بهم المراقبون الذين كانت تكلفهم الكنيسة، فكانوا يمارسون عادة ختان أبنائهم بعد ولادتهم بقليل، ويصومون شهر رمضان، ويحتفلون بعيد الفطر والأضحى في بيوت غير بيوتهم الموجودة في سلاسل الجبال، ولا يحضرون الصلوات في الكنيسة بحجة صناعة الزبيب في فصل الصيف، وكانوا لا يأكلون لحم الخنزير ولا يشربون الخمر، ويمتنعون عن أكل لحم الحيوان الذي لم يذبح وهو متجه نحو القبلة حسب الشريعة.
ويتحدث عن تعليم الموريسكيين الدين المسيحي، والتي تمثل إحدى القضايا التي تركز حولها اهتمام السلطات المدنية والكنيسة خلال القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر، كما ساهمت في ذلك محكمة التفتيش التي تزايدت سلطتها بدرجة كبيرة، وبدأت تلوح في الأفق فترة عظمة المملكة الإسبانية من خلال نشر الدين المسيحي، وكان العالم الجديد الذي اكتشفه كريستوبال كولون بمثابة تربة خصبة للرهبان الإسبان.
تقديم وعرض: محمد القاضي