ذبح أضحية.. حجر صحي.. هل يلتقيان ؟
باب ما جاء في عيد الأضحى
لم يأت عيد الأضحى هذا العام في ظروف عادية، بل جاء في ظروف موبوءة، تتجلى في انتشار وباء “كوفيد 19″ فهل كان لابد أن لا يتم إلغاء هذه الشعيرة من طرف الحكومة، خاصة بالمدن التي لازالت تسجل أرقاما مرتفعة بالنسبة للفيروس الوبائي وتهدد العديد من المواطنين الذين قد يتعرضون للإصابة في أي وقت ممكن ولا سيما باستهتارهم وعدم تعاملهم بالجدية المطلوبة مع الوباء، علما وكما جاء في الأثر”أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي، اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين ، فذبح أحدهما عن محمد وآل محمد والآخر عن أمته ” فما أحوجنا إلى أهل العلم ولاسيما في ظل الجائحة وتداعياتها على البلاد والعباد لكي يغنوا هذا النقاش بآرائهم واجتهاداتهم …لكن ما بالكم أنه في نفس الوقت تم فرض الحجر الصحي، وإغلاق الحدود، انطلاقا من وإلى طنجة، تطوان ، مكناس، فاس، الدار البيضاء، برشيد، سطات، ومراكش.. في قرار آخر ساعة من يوم الأحد 26 يوليوز والذي نعته الرأي العام ب:”العشوائية والارتجالية” ؟ الأمر الذي تسبب في اكتظاظ وفوضى عارمة لوسائل النقل المختلفة التي احتلت الطرق الوطنية والطرق السيارة وهي تحاول اجتياز مسافة سباق محموم، قبل منتصف ليل الأحد الحزين، موعد قرار الإغلاق، الذي سجله تاريخ الحكومة بمداد العشوائية والاستهتار، خاصة وأنه وقعت في اليوم ذاته حوادث سير كثيرة، كما سقطت فيه أرواح عديدة، رغم أن بلادنا استعدت لعيد الأضحى، وسط إجراءات وقائية غير مسبوقة، جراء انتشار فيروس “كورونا المستجد” الذي أصاب أكثر من 17 ألف شخص في المغرب.صحيح أن الزراعة تشكل نشاطا اقتصاديا مهما في المغرب، إذ تشير البيانات إلى مساهمتها بنحو 19 في المئة من الناتج المحلي للمملكة، خلال السنة الماضية.لكن أليس هذا النشاط الزراعي يقابله “نشاط” الفيروس الذي ما انفك يصيب الناس، بشكل يومي، وبدرجة ترتفع شيئا فشيئا .؟
وصحيح كذلك أن مربي الماشية يراهنون على عيد الأضحى، لأجل تحقيق رواج موسمي كبير، في ظل الحرص الكبير للمواطنين على ذبح الأضاحي، ولانتعاش التجارة في عدد من القطاعات الأخرى.لكن الموسم الحالي، وكما يبدو لا يخلو من العقبات، نظرا إلى تأثر الاقتصاد بجائحة كورونا، إضافة إلى شح الأمطار الذي يؤثر على تغذية القطيع وتسمينه.
وكان المغرب قد أعلن، يوم الأحد، دخول البلاد إلى المرحلة الثالثة من خطة رفع الحجر الصحي، على أن تستمر عدد من القيود الوقائية في الفترة المقبلة.كما رفعت السلطات، الطاقة الاستيعابية في مركبات النقل العام إلى 75 في المئة، سواء داخل المدن أو فيما بينه.ويتزايد الإقبال على وسائل النقل العام في المغرب بشكل كبير، خلال فترة العيد، إذ يعود كثير من العمال والموظفين والطلبة إلى مدنهم، كما يتبادل الناس الزيارات فيما بينهم. وفي خطوة استباقية، كانت وزارة الداخلية أكدت، أنها اتخذت حزمة من الإجراءات لأجل تنظيم عملية ذبح الأضاحي، لأجل كبح انتشار فيروس “كورونا”.
وأوضحت الوزارة ذاتها أنها ستسلم الجزارين المهنيين ومن يمارسون المهنة بشكل موسمي، رخصا من السلطات حتى يتولوا مسألة الذبح.
ويعمل المغاربة قصارى جهودهم مع حلول “العيد الكبير” من أجل ممارسة طقوس وعادات اجتماعية ، تتجلى في اقتناء الأضحية، مهما ارتفع سعرها ولكنها تعد أيضا هاجسا يقض مضجع الأسر خاصة منها ضعيفة الدخل والتي لا تتم فرحتها، دون الإمساك، بكبش العيد حتى ولو فرض عليها ذلك اللجوء إلى الاقتراض أو بيع الأثاث المنزلي.و المثير في الأمر هو أن العديد من الأسر فعلت هذا حتى وهي مكتوية بالنار”الاقتصادية” التي أضرمتها جائحة “كورونا” في جيوبها المثقوبة.
قبل حلول العيد بنحو عشرة أيام تنتشر أسواق بيع الخرفان بمختلف أنواعها ” السردي و البركي وتيمحضيت والدمان …” في كافة مدن ومناطق البلاد، في حركة تجارية نشطة، يتوقع أن تحقق هذه السنة رقم معاملات بقيمة 7ر7 مليار درهم. ومن المتوقع أن تظل الأسعار على حالها بما يتراوح من 1500 إلى 3500 درهم للأغنام، برغم زيادة العرض (7.6 مليون رأسا ) على طلب ( 5,2 مليون رأسا، حسب وزارة الفلاحة المغربية.
وإلى جانب هذه التجارة ، تنتشر مهن موسمية مرتبطة بهذه المناسبة منها بيع علف الأغنام وسط شوارع وأزقة الأحياء الشعبية، وشحذ السكاكين ، والاتجار في الفحم والشوايات والقضبان الحديدية وغيرها من لوازم العيد. كما تلقى تجارة التوابل رواجا كبيرا، حيث تحرص الأسر المغربية على اقتناء مختلف صنوفها لاستخدامها في تحضير وجبات خاصة مثل “المروزية و” التقلية “طهي أحشاء الخروف وتجفيف اللحم تحت أشعة الشمس “القديد”، فضلا عن أكلات أخرى تختلف من منطقة إلى أخرى.لكن كل هذا، سوف يتأثر، هذا العام، بتداعيات الجائحة.
أما أن يتوجه الناس، صبيحة يوم العيد، صوب المساجد والمصليات، لأداء صلاة هذه الشعيرة، مرتدين الزي التقليدي المغربي، المكون من الجلباب و”البلغة”، قبل أن يعودوا إلى منازلهم، لمباشرة نحر الأضحية، سواء بأنفسهم أو الاستعانة بجزار، ثم لتنطلق عملية غسل أحشاء الكبش، من قبل ربات البيوت اللائي يقمن بشواء الكبد، وبعض أحشاء الأضحية، وتوزع قضبان اللحوم المشوية على أفراد الأسرة، مع كؤوس الشاي وتؤكل بقية الأضحية في اليوم التالي، حسب التقاليد… فهذا يعتبر من سابع المستحيلات، بسبب “كورونا” دائما .
وإذا كانت غالبية الأسر المعوزة في بلادنا تطلب يد العون وتحاول كسب عطف المحسنين والجمعيات الخيرية، لعلها تظفر بكبش العيد ، فإن عددا من الموظفين والحرفيين من ذوي الدخل المحدود يضطرون إلى بيع أثاث منازلهم أو الاقتراض من المؤسسات البنكية، قصد توفير ثمن الكبش على الرغم من أنهم يدركون أن تسديد أقساط الكبش، طول السنة، سيضر بوضعيتهم المالية.
هذا هو حال المغاربة الذين “يقدسون” كثيرا عيد الأضحى، إذ يحرصون على تطبيق طقوس هذه الشعيرة الدينية، ولوفي حضرة الجائحة، خاصة بالنسبة للأسر التي لديها أطفال صغار يحبون رؤية الأكباش، بل ويحلمون بها في اليقظة والمنام.
وجدير بالذكر، أن عيد الأضحى بالمغرب يعرف كالمعتاد، كل عام، مجموعة من الأحداث المثيرة، منها أن يلقي كبش بنفسه من سطح منزل، أو يتعرض خروف لعملية اختطاف من طرف لصوص هذه المناسبة أو تنتهي حياة رب أسرة أو ربة بيت بمأساة اجتماعية، تتمثل، مثلا، في أن يضع أحدهما حدا لحياته بواسطة الحبل نفسه الذي كان يربط به الكبش…
محمد إمغران
صحفي بجريدتي الشمال وطنجة