أكيد أن جائحة الكوفيد هذا الوباء الفتاك خلف أضرارا بالغة في الأرواح البشرية التي باتت تتساقط كأوراق الشجر ملبية بذلك نداء كل الفصول ، حيث لا شيء يتراءى في الأفق البعيد غير مقابر امتلأت عن ٱخرها بضحاياه. إلا أن الحالة الإقتصادية باتت تعرف هي الأخرى مشاكل عديدة خلفت ضحايا بالٱلاف ، وإغلاق وإفلاس العديد من الشركات ، غير أن الشريحة التي باتت في وضعية كارثة هم الأشخاص في وضعية غير قانونية والذين وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها بدون مورد دخل ، حيث أن وضعيتهم لا تخول لهم الحصول على إعانات مالية من طرف الدولة ، جعل أعظمهم يفقد مصدر رزقه في ظل الظروف الوقائية وحالة الطوارئ التي تعرفها البلاد .
لا شك أن الجمعيات التي تنشط في المساعدة الإجتماعية قد عرفت تزايدا مهولا في عدد الأشخاص الذين يطلبون المساعدة ، حيث صار عدد المنخرطين يزداد يوما بعد يوم ، بل عرفت تردد أطياف أخرى من المجتمع التي وجدت نفسها على قارعة الفقر ، كعمال البناء ومستخدمي المقاهي و المطاعم ، بل طار الفقر عمال القطاع الفني والمسارح .
رغم أن العمل من دون رخصة ولا أوراق قانونيا ممنوع في بلجيكا ، حيث أن القانون يعاقب رب العمل والمستخدم في ٱن واحد ، إلا أنه بات واقعا يفرض نفسه في ساحة الشغل ، بل صار مصدر تعاسة عارمة للعديد من مستخدميه خصوصاً الذين يتواجدون في ضرفية غير قانونية ، حيث لا تعويض ولا قوانين تحميهم من بطش الهشاشة ، وهم المقصيون من جميع التدابير ، يعيش بعضهم دون مأوى أو حق في التطبيب ، صاروا العنصر المنسي من كل التدابير والإجراءات الوقائية والإقتصادية ، بل حتى التطرق لحلول
للحد من بؤسهم وحرمانهم ليس في حسبان صناع القرارات المشغولون بتداعيات الوباء على الساكنة والإقتصاد ، مهوسون بالحد من انتشار العدوى وإيجاد لقاح للخروج من هذه الأزمة الخانقة .
لقد ألقت هذه الأزمة الوبائية بظلالها السميكة على اخواننا المغتربين في وضعية غير قانونية ، عمقت جراحهم وهم بعيدون عن أهلهم دون سند قانوني لإعالتهم وهم الذين في أغلبهم يعيلون أسرهم في بلدانهم الأصلية ، لقد صارت محنة هذه الشريحة الإجتماعية تتفاقم يوما بعد يوم ، خصوصاً بعد إغلاق الأسواق الأسبوعية التي يتاجر بها المهاجرون المقيمون هنا والتي كانت حتى أمد قريب أحدى السبل لإيجاد عمل يدر بعض الأموال على الوافدين الجدد والقداما الذين لم يتمكنوا بعد من تسوية أوضاعهم القانونية في بلد المهجر ، خصوصا بعد تدفق موجات الفارين من حروب الشرق الأوسط ، بل ليس في وسعهم حتى الرجوع إلى بلدانهم الأصلية بفعل غلق الحدود وتعليق الرحلات البرية والجوية .
في ظل هده الظروف القاسية خصوصاً على إخواننا المهاجرين في وضعية غير قانونية فقد ارتأت بعض الجمعيات التي تدافع على المهاجرين وحقهم في الحصول على أوراق الإقامة ولو مؤقتا في ظل هذه الظروف الوقائية حتى يتسنى لهم الحصول على إعانات والحق في التطبيب لاحتواء المرض خصوصاً وأن شرائح مهمة من المهاجرين الغير شرعيين يتخذون من الشارع مأوى لهم ، وبذلك يصبحون عرضة للإصابة بالكوفيد وكذلك مصدرا لتفشيه بين الناس .
وفي هذا الصدد فقد نادت عدة شخصيات سياسية على وجوب تعمييم التغطيه الصحة لكافة مكونات المجتمع في ظل هذه الظروف الصعبة ، بما في ذلك الفئات الهشة وأصحاب الدخل المحدود ليطال اللاجئين والذين هم في وضعية غير قانونية وذلك كوسيلة فعالة للقضاء على الفيروس ، لأن هذه الفئة من المجتمع هي الأكثر عرضة للوباء وٱداة لنقله إن لم يتم ادماجها في منضومة الوقاية الشاملة . لذا وجب إيجاد حلول قانونية وتنسيق مع الجمعيات المختصة لأن الضع لا يسمح بالدخول في حسابات سياسية لا جدوى منها سوى تعقيد الأمور ونشر المرض والبؤس ، في حين أن قانون 1980 الذي ينظم الهجرة ينص على قبول طلب الإقامة ولو مؤقتا الأشخاص الذين يوجدون في ظروف صحية صعبة كهته التي نعيشها حاليا.
عزيز العمارتي