تقديم:
أصدرت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بلاغا بتاريخ 2022.08.11 تبرر من خلاله قرارها بالانفصال عن المدرب وحيد خاليلوزيتش. يقول البلاغ: «بالنظر للاختلافات وتباين الرؤى بين الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والمدرب الوطني وحيد خاليلوزيتش على الطريقة المثلى لتهييء المنتخب الوطني لكرة القدم لنهائيات كاس العالم قطر 2022 ، قرر الطرفان الانفصال بالتراضي .وفي هذا الصدد، تتقدم الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بالشكر الجزيل لما قدمه المدرب السيد وحيد خاليلوزيتش خلال الفترة التي أشرف فيها على قيادة المنتخب الوطني في مقدمتها التأهل الى نهائيات كاس العالم قطر 2022 بمنتخب شاب واعد مليء بطموحات مستقبلية كبيرة، من جانبه تمنى السيد وحيد خاليلوزيتش حظا سعيدا للنخبة الوطنية.
وتؤكد الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم أنها ستوفر جميع الوسائل والامكانيات للتهييء الجيد للمنتخب الوطني في أفق مشاركته في نهائيات كأس العالم قطر 2022»().
ملاحظات أولية:
تنبغي الإشارة، بادئ ذي بدء، إلى أن البلاغ صدر مجردا من أي ديباجة أو عناصر شكلية ـــــ باستثناء التاريخ وشعار الجامعة العريض ـــــ بإمكانها، في حالة تضمينها في البلاغ، أن تمنحه قيما إضافية جماليا وحجاجيا. كما حرصت الجامعة على التأكيد في بلاغها على ثلاثة أمور: يفيد الأول منها أن الانفصال لم يكن قرارا أحاديا، بل يعكس رغبة مشتركة وجماعية. والأمر الثاني أن القرار كان بـــ”التراضي”. وأكدت الجامعة الأمر الثالث ـــــ ضمنيا ـــــ بإشاراتها إلى أن القرار لن يؤثر في تهييء المنتخب المغربي لكرة القدم في أفق مشاركته في نهائيات كأس العالم بقطر.
إن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لم تكتف بالتأكيد على طبيعة القرار (الانفصال)، بل عززته بالوصف (بالتراضي)، والتشكرات (تتقدم الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بالشكر الجزيل لما قدمه المدرب السيد وحيد خاليلوزيتش…)، والمتمنيات (من جانبه تمنى السيد وحيد خاليلوزيتش حظا سعيدا للنخبة الوطنية)؛ هذا فضلا عن الوعود والتطمينات (وتؤكد الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم أنها ستوفر جميع الوسائل والامكانيات للتهييء الجيد للمنتخب الوطني…).
غير أن هذه العناصر (الأوصاف والتشكرات والمتمنيات والتطمينات) المرفقة بخبر الانفصال لم تضف إلى نص البلاغ مسحة من الجمال أو دفعة من القوة بقدر ما أسهمت في تعزيز صفة القرار الأساس والوحيدة، وهي كونه قرارا متوافقا حوله (بالتراضي). وفي المقابل أدت إلى تغييب وحجب عناصر أخرى كانت هي الأولى بالذكر والاهتمام وتفصيل القول فيها كبيان مبررات الانفصال الحقيقية، وكيفية معالجة انعكاساته السلبية المحتملة.
البلاغ بين الإخبار والإقناع:
تؤكد الأدبيات الصحافية على الفروق الكائنة بين الأجناس الصحافية كالأخبار والبلاغات والبيانات. ولا يخرج بلاغ الجامعة عن هذا الإطار؛ وهو في نظرنا خبر لم يرق إلى مرتبة البلاغ أو البيان. وهذا ما سيتأكد لنا من خلال فقرات هذا المقال.
1 ـــ مبررات الانفصال وموضوع الاختلاف: لقد بررت الجامعة قرارها القاضي بالانفصال عن المدرب وحيد خاليلوزيتش بمبرر واحد يتمثل في (تباين الرؤى على الطريقة المثلى لتهييء المنتخب الوطني لكرة القدم لنهائيات كاس العالم قطر 2022). وأغتنم فرصة الحديث عن مبررات الانفصال لأشير إلى التغيير الذي طرأ على بعض العبارات الواردة في النسخة العربية من البلاغ والذي يوحي بتعدد المبررات والأسباب إذ ورد فيه: “بالنظر للاختلافات وتباين الرؤى بين الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والمدرب الوطني وحيد خاليلوزيتش…”؛ في حين نجد في النسخة الفرنسية من البلاغ ما يلي: “بالنظر إلى الاختلافات في وجهات النظر…”).(
إن هذا الاختلاف في الصياغة أو الترجمة مثال صارخ على ما تتعرض له بعض الخطابات من تلاعبات مقصودة لتحقيق أغراض يقتضيها الخطاب سياقا أو مقاما. ومن ذلك أن المتلقي للنسخة العربية من البلاغ سيكون، في نظر أصحابه، أكثر إلحاحا وتوقا إلى معرفة أسباب الانفصال؛ ولهذا كان الأولى في مخاطبته أن تعدد الأسباب (الاختلافات وتباين الرؤى)؛ علما بأن هذه العبارة الواردة في النسخة العربية تحتمل الإشارة إلى رغبة أصحاب البلاغ في التخصيص(تباين الرؤى) بعد التعميم (الاختلافات). فالانفصال ترتب على أسباب كثيرة (الاختلافات) وخاصة ما تعلق منها بالسبب الأبرز وهو (تباين الرؤى).
وكيفما كان الحال فهل كان سببا مقنعا أن تختلف الجامعة مع المدرب في موضوع (تهييء المنتخب الوطني) لتقرر الانفصال عنه؟ ثم ألم يكن بالإمكان التقريب بين وجهات النظر حفاظا على المصلحة العليا؟ علما بأن تهييء المنتخب الوطني مسالة تقنية من اختصاص المدرب إذا ما استثنينا منها ما يتعلق بالمسائل اللوجيستيكية وظروف التهييء؛ فلم التدخل في شؤونه؟
2 ـــ الكلمات الدالة:
أ ـــ الانفصال: كلمة صحيحة صيغة لكونها دالة ـــــ كما هو معلوم في علم الصرف ــــ على المطاوعة؛ والمقصود بها، في نظرنا، أن الجامعة قررت وأخبرت المدرب بفصله فوافق (مطاوعة) بشرط الإرضاء، إرضاء مطالبه المادية. وبناء على ذلك تصبح كلمة (الانفصال) دالة على التخلي والإبعاد والإقالة…
ب ـــ التراضي: كلمة ساحرة إن لم نقل مخدرة لكونها تجعل المتلقي المغربي يشعر بالرضا والانشراح لكون الجامعة تمكنت من التخلص من مدرب عنيد بأقل الأضرار. غير أننا يجب علينا أن نترك حمولتها النفسية جانبا، ونواجه دلالتها القانونية المرعبة وأبعادها المالية القاسية، والتي سيكون من الصعب تحديدها أو الخوض فيها في غياب العقد الرابط بين الجامعة والمدرب. ولهذا كان من اللازم أن تقوم الجامعة بشرح عبارة “بالتراضي” شرحا قانونيا، وتصريفها ماليا حتى يتمكن الجمهور المغربي من الوقوف على قيمتها النقدية الحقيقية(). وإذا لم يتم ذلك، فستظل كلمة “التراضي” ملتبسة ومرشحة لأن تدرج ضمن معجم الكلمات المضللة والمخادعة.
ج ـــ التهييء: لهذه الكلمة دلالات متعددة، فهي تتأرجح بين معاني الإعداد البدني والمصاحبة النفسية والدعم الاجتماعي. وهي من المهام التي يضطلع بأدائها المدربون ومساعدوهم. فهل تم فصل المدرب لأنه عجز عن القيام بها؟ أو لأنه فشل في إعداد فريق تنافسي قادر على مجاراة خصومه؟ أو لكونه حال دون تهييء المنتخب الوطني التهييء الجيد؟ فلا يخفى، إذن، ما تتضمنه الكلمة من قدح مبطن في حق المدرب.
إننا بعودتنا إلى نص البلاغ ندرك مدى انشغال الجامعة بموضوع التهييء، والذي حولته إلى حصان طروادة القادر على دك حصون وحيد خاليلوزيتش المنيعة؛ ولهذا تكررت فكرة “التهييء” مرتين، في مستهل البلاغ وفي نهايته؛ وذلك حتى يصبح قرار الفصل مبررا، وحتى تتحول فكرته إلى قناعة جماعية، إذ ليس هناك من هو قادر على ضمان إعداد جيد للمنتخب الوطني إلا الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، والتي توصلت ـــــ وحدها ـــــ إلى الطريقة المثلى لتهييئه للمشاركة في نهائيات كأس العالم.
يجب علينا، إذن، أن نتأمل هذا الأفق الضيق الذي يحشر فيه المنتخب الوطني، فليس الغرض هو تحقيق النتائج الإيجابية، ولا الشروع في مرحلة جديدة مع مدرب جديد لإعداد منتخب تنافسي قاريا وعالميا، وإنما هو التهييء الجيد لمجرد المشاركة في نهائيات كأس العالم.
3 ـــ الترتيب: أخضعت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم نص البلاغ لترتيب معين تم من خلاله الإشارة إلى بعض الأسباب، وما ترتب عليها من نتائج وقرارات، إضافة إلى “سرد” المجاملات، وبث التطمينات. ومن شأن الانسياق وراء هذا الترتيب السقوط في مجموعة من المغالطات كالاقتناع بتعدد أسباب الانفصال من دون تنوع، والاعتقاد بسداد القرار. كما من شأن ذلك الترتيب أن يدفع المغاربة إلى الانصراف عن الحقائق وأن يتعلقوا بالأوهام. فما على الجمهور المغربي إلا أن يتناسى قرار الانفصال وانعكاساته، وأن ينخرط في التهييء الجيد للمنتخب المغربي في أفق مشاركته في نهائيات كأس العالم بقطر.
كنا نتمنى أن تصدر الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بيانا يتميز بصفتين: الأولى أن يكون بيانا فصيحا، أي واضحا وصريحا في بيانه لأسباب الانفصال. والصفة الثانية أن يكون بليغا أي مؤثرا ومقنعا. غير أن الجامعة نسيت ــــ وهي تعدو نحو قطر ــــ أن تدافع دفاعا قويا عن اختياراتها، لا أن تسعى إلى تبريرها من دون أن تتمكن من إقناع الجمهور المغربي بها، أو أن تفلح في طمأنته على قدرتها على مواجهة تداعيات قراراتها.
د. حسن بنيخلف