أي طعم بقي للانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في يونيو 2021 ؟ وأي اهتمام بقي كذلك بالانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في شتنبر من السنة القادمة، ونفس السؤالين ينطبقان على انتخابات مجلس المستشارين والتي من المنتظر أن تجرى، قبل يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر 2021 ؟
نعم، أي طعم بقي لهذه الانتخابات في ظل جائحة “كورونا” التي مازالت تلقي بظلالها على كثير من أمور و شؤون حياة المواطنين التي أصبحت معقدة جدا من جميع الجوانب، وخاصة فيما يهم شؤونهم الاجتماعية والاقتصادية في انتظار المجهول والقادم من الشهور، وربما السنوات.
ويكفي تتبع ما يتم تداوله عبر مختلف منابر ووسائل التواصل الاجتماعي من معاناة المغاربة مع الخبز والشغل والآفاق المستقبلية، المغلفة بالسواد والضبابية، جراء تداعيات وباء “كورونا” وتأثيره الواضح عليهم في الوقت الذي تخلت عنهم الحكومة والزعماء السياسيون الذين ينعتونهم ب:” أصحاب الكروش” وب: “مفسدي السياسة” وب: “عديمي الكفاءة ” علما أن هذه الانتقادات صدرت حتى من أعلى سلطة في البلاد.ويكفي كذلك عذابات أفراد جاليتنا بالخارج الذين بكوا وتوسلوا وناشدوا الحكومة، عبر تقنية التواصل السريع، لكي ترحمهم قليلا، بإيجاد حلول لهم، من أجل ألا يظلوا عالقين بين الدول، وبالتالي يعودون إلى أرض الوطن، بأخف الأضرار، في ظل العواصف المعنوية والمادية التي فرضتها عليهم الجائحة، إلا أن آذان الحكومة كانت صماء وتخطيطها لعودة أفراد الجالية المغربية لم يكن ليرقى إلى مستوى تطلعاتهم.وحتى بالنسبة لمغاربة الداخل، فتجدر الإشارة إلى أن العديد منهم ذاقوا الويلات، بدءا من الشروع في تطبيق الحجر الصحي وإلى غاية اليوم، وذلك بسبب حرمانهم من دعم صندوق الجائحة، بدعوى أنهم ليسوا أرباب أسر(أي لا يعتمدون على أنفسهم ولا يأكلون ولا يشربون ولا يمرضون وليست لهم احتياجات أخرى) لذا فإن انطباعاتهم وآرائهم تختلف حول عمل لجنة اليقظة وأرقامها وإنجازاتها التي لا تتماشى مع معيشهم اليومي وواقعهم الذي لا يمكن تغطيته بالغربال، بعد أن كانوا بالأمس يزاولون مهنا غير مهيكلة، توفر لهم قوتهم وتضمن لهم كرامتهم .
كل هذه العوامل والظروف لا يعقل أن ترافقها “شهية” المواطنين للحديث عن الانتخابات المقبلة وعن حكايات الأحزاب وسيناريوهاتها وتجارها السياسيين، فهذا أمر سابق لأوانه، خاصة وأن الوقت لازال طويلا، لكي يبدي المواطنون اهتماما بانتخابات، لا يفعلون إزاءها ذلك، حتى وهي تكون على بعد شهر أو نصف شهر من الموعد المحدد لها. ولا ننسى أنهم عبروا عن موقفهم من الانتخابات، بعزوفهم عن التصويت، منذ أكثر من عقد، ولو في إبان فترات الرخاء، إن صح هذا القول، أي لم يكن ـ وقتها ـ أثر يذكر لجائحة “كورونا”. أما وقد اكتووا اليوم بنار الجائحة وتبعاتها، مقابل فراغ سياسي وتعثر حكومي، اتسم، أحيانا، بالعشوائية والارتجالية في التعاطي مع ملف الجائحة الذي غي رحياتهم رأسا على عقب، فلا شك أنه سيكون لهم رأي مختلف، تماما، بخصوص الانتخابات المقبلة والتي هم أصلا لا يفكرون فيها حاليا، بنوع من الاهتمام، لأنهم لدغوا من الجحر، مرات ومرات، ولأن هذه الانتخابات ليست عصا سحرية، والدليل على ذلك هو أنه كم من انتخابات مرت، وكم من حكومات تشكلت، بينما نتائج ذلك، مع مرور السنوات، لا تخرج عن قاعدة إفقار الفقراء وإغناء الأغنياء. لذا، فلا غرابة أن نسمع كالعادة ما تتلفظ به الفئات المسحوقة من المواطنين، بخصوص الانتخابات:”سواء، صوتنا نحن أم لم نصوت، هم سيفعلون ما يريدون.”
هذه هي انطباعات المغاربة، بنسبة كبيرة، إزاء انتخابات لم يعد لها تأثير إيجابي على نمط عيشهم وحياتهم، انطباعات نقف عليها ، صباح مساء، صادرة من ألسنتهم في الشوارع، المقاهي، مقر العمل، الحافلات، الطاكسيات….وبعبارة أخرى، إنها انطباعات تعبر عن الواقع اليومي، “بلا زواق”.
أما في ما يخص “الزواق” واللعبة السياسية الخادعة وما يتعلق بالتحالفات السياسية والاستحقاقات القادمة، فقد أشارت مصادر إعلامية إلى أن حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية قد تجاوزا مجددا، “خصومات المركز” وعقدا تحالفهما بمجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، ملغيين بتلك الخطوة نقاشات “المعارضة” و”الأغلبية” التي تسود بين الطرفين داخل البرلمان؛ وهو ما يفتح الباب أمام “ممارسات براغماتية”، قد ترخي بظلالها على الانتخابات التشريعية والجماعية المقبلة.وعلى الرغم من أن العكس تماما كان قد وقع في وجدة، حيث حلَّ حزب “المصباح” فرعه هناك، بسبب تنسيقه مع حزب “الجرار”، فإن طبيعة التحالفات الحالية لـ”البيجيدي” تفتح العديد من الاحتمالات، أمام ضعف تنسيقه مع بعض تنظيمات الأغلبية، ومواجهته المفتوحة مع حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وفي هذا الصدد قال محمد مصباح، مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات، إن “هذا السيناريو مستبعد جدا في السياق الحالي؛ فحزب العدالة والتنمية يكتنز مقاومة قوية لأي تحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة”، مشيرا إلى أن “ما وقع في طنجة مرحلي وجزئي، والدليل هو حلُّ فرع الحزب في وجدة بسبب التنسيق مع “البام”.وأضاف مصباح، في تصريح إعلامي له أن “حزب الأصالة والمعاصرة بطنجة ليس نفسه بالرباط؛ فالتنظيم مركزيا يعيش مرحلة صعبة بسبب الصراعات الداخلية”، مشددا على أن “الدولة لن تسمح بتقارب الحزبين وطنيا، فهما وسيلتان من أجل ضبط التوازن داخل الحقل السياسي”.وأكمل المحلل السياسي المغربي: “التحالف يبدو ظرفيا ومحدودا جدا، ولا يحمل دلالات كبرى، كما أنه يجب أن يوضع في سياقه العام”.
من جهته، أورد محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، أن “الاصطفافات الجهوية مختلفة كلية عن التحالفات الوطنية”، مؤكدا أن”الحزبين ينسقان في مناطق عديدة من المغرب؛ لكن ذلك لا يظهر على الصعيد الوطني”، وزاد مستدركا:”لكن الحالة المغربية عودتنا على أنه لا عداوات دائمة”.وأضاف المتحدث، في تصريح إعلامي أن”مؤشرات تحقيق تحالف مستقبلي واردة دائما، خصوصا أن حزب العدالة والتنمية بات يميل كثيرا نحو الواقعية السياسية، وحسابات الربح والخسارة؛ فالتنظيم، الذي يستعد لاستحقاقات 2021، لم يعد نفسه الذي كان سنوات 2011 و2016″.
وأردف المتحدث ذاته أن “التحالفات التي عقدها حزب العدالة والتنمية داخل الأغلبية هشة في علاقتها بالتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي وغيرهما.. وبالتالي، فجميع السيناريوهات مفتوحة، مع اقتراب الانتخابات التشريعية”.
وحول ما يروج عن تأجيل الانتخابات من عدمه، بسبب ظروف الجائحة، قال النائب لحسن حداد، عضو البرلمان المغربي، ووزير السياحة السابق، إنه “لا يوجد تصور للحكومة حول الانتخابات حتى الآن” مضيفا في حديثه أن”بعض الأحزاب رفضت عملية تأجيل الانتخابات خلال المشاورات التي تدور في الفترة الراهنة” وبحسب حداد، فإن “أحزاب المعارضة لا تريد تأجيل الانتخابات كونها ترى أن الفرصة مواتية للفوز بالانتخابات في ظل ما تمر به الحكومة وأحزاب الأغلبية”.
مؤثرات أخرى يمكن أن تفرض نفسها تتعلق بمدى السيطرة على جائحة “كورونا” وعدم عودتها، مرة أخرى.فبالنسبة إلى عملية تأجيل الانتخابات، يرى حداد أنها “لن تتم إلا بتوافق بين الأطراف السياسية كافة، خاصة أنه لا توافق حتى الآن بشأن التأجيل أو عقدها بموعده”. و يشير إلى أن بعضهم يقول إنه يجب تشكيل حكومة “تكنوقراط” تساند الأحزاب، وهوما لن يقبله الكثير، وأن الرؤية تتضح بشكل أكبر بعد نحو شهرين أو ثلاثة.
محمد إمغران
صحفي بجريدتي الشمال وطنجة