إن أطفال اليوم هم رجال الغد، وهم القواعد والأيادي التي تساهم في بناء الوطن وتساعد في تقدم الدول، لذا فإن الاهتمام بهم ضرورة لمستقبلنا وأيامنا القادمة، ولا تقتصر هذه الرعاية على الجوانب المدية والمالية فقط، بل تتجاوز ذلك إلى النواحي العقلية والمعرفية، ومنها جانب الإبداع، وهو طاقة نشطة في الأبناء إذا تم توجيهها بالطرق الصحيحة لعاد بالنفع على أنفسهم وأسرهم والمجتمع بأكمله.
يعد الإبداع مدخلا أساسيا وضروريا لضمان نجاح العملية التعليمية التعلمية، ويعد هدفا تنشده المجتمعات ومطلبا تطمح له الشعوب، وتعتبر المدرسة بابا للتربية على الإبداع، ومجالا رحبا ملائما لتنمية المواهب الإبداعية البحث عن المواهب التلمذية.
المدرسة العمومية من وسائل التنشئة الاجتماعية، وأداة من أدوات التربية والإنتاج المعرفي والعلمي والفني، وهي فضاء لتلاقح الأفكار والعقول، بل هي مجتمع مصغر يضمن أصنافا من الأجناس والأفكار والتوجهات والمعارف. المدرسة يفترض فيها تنمية حس الإبداع في جميع المجالات المعرفية والفنية، ويجب عليها أن تعتمد الإبداع في طرق التدريس وفي التعليم، وأن تنتج نجبا مفكرة مبدعة خلاقة.
فهل تتحقق هذه الشروط في المدرسة المغربية؟ وهل تعمل المدرسة المغربية على إذكاء الطرق الإبداعية؟ أم أنها تكرس النمطية والتكرارية؟
سأحاول من خلال هذه الورقة الإجابة عن هذه الأسئلة، وذلك بربط الإطار النظري للموضوع بتجربة مغربية حديثة العهد –مؤسسات التفتح- مع استعراض نماذج واقعية وحية.
ومنه فالإشكالية المطروحة في هذه الورقة يمكن صياغتها على شكل مجموعة من الأسئلة.
الإشكالية المطروحة:
- ما هي حدود حضور الإبداع في المدرسة المغربية؟
- وهل تكرس المدرسة العمومية الإبداع في مجالات التدريس والتعليم؟
- وما هو السياق العام لمؤسسات التفتح الفني والأدبي؟
- وكيف تقوم مؤسسات التفتح الفني والأدبي بتنمية المهارات الإبداعية؟
المحور الأول: مراكز التفتح الأدبي والفني السياق والأهداف.
تندرج مؤسسات التفتح الفني والأدبي في إطار تنزيل مشاريع الرؤية الاستراتيجية -2015 2030- تحديدا المشروع المندمج رقم 9 المتعلق بالارتقاء بالحياة المدرسية، وتفعيلا للقانون الإطار للتربية والتكوين 17/51 ، ومن الأهداف المسطرة لهذه المؤسسات تفعيل الحياة المدرسية واكتشاف المواهب وصقلها.
تعرف مؤسسات التفتح بأنها فضاء خاص للإبداع في المجال الفني والأدبي، تخصص له بناية مؤسسة تعليمية عمومية فارغة أو جناح بحجرات مغلقة بإحدى المؤسسات التعليمية. تحتضن مجموعة من الورشات في مجال الفن المسرحي والأدبي والموسيقى والتشكيل وفنون الصوت والصورة إضافة إلى خزانة ومكتبة وسائطية وجناح خاص باللغات. لمزاولة أنشطة الإبداع الأدبي بمختلف ألوانه.
يسهر على تأطير هذه الورشات أساتذة متخصصون كل في مجاله، يقدمون دروسا نظرية وتطبيقية.
تستقبل مؤسسات التفتح الفني والأدبي تلاميذ مؤسسات الحوض التربوي التابعة له، والمتراوحة أعمارهم بين 6 و 18 سنة، وذلك في حدود المقاعد المخصصة لكل فئة.
تلعب مؤسسات التفتح الفني والأدبي دورا هاما في تعزيز الإشعاع الثقافي وتنشيط الحياة المدرسية، وتساهم في ترسيخ القيم الجمالية والفنية في نفوس الناشئة، ومن أهم أدوراها التربوية البحث واكتشاف المواهب وصقلها.
ويراد من مراكز التفتح أن تحقق مجموعة من الأهداف، أهداف يمكن الوصول إليها عبر الألوان الإبداعية والأجناس الفنية التي تسهم في تمرير وترسيخ القيم الدينية والوطنية. ويمكن إجمالا تصنيف أهداف مراكز التفتح إلى:
- فنية
- تربوية
- اجتماعية
يمكننا تفصيل هذه الأهداف العامة إلى أهداف إجرائية منها
- خلق وتنمية روح الإبداع والابتكار والتجديد لدى المتعلمين والمتعلمات.
- الارتقاء بالفنون والآداب والثقافة.
- اكتشاف المواهب وصقلها.
- بناء شخصية متفتحة ومتوازنة.
- إنتاج عروض ونصوص فنية.
- تنظيم حلقات وندوات دراسية وتكوينية لفائدة منشطي الأندية التربوية.
- إقامة شراكات مع المؤسسات والجمعيات محليا جهويا ووطنيا.
- تنظيم منافسات ومسابقات في جميع المجالات.
إن تحقيق هذه الأهداف العامة والإجرائية يتم عبر الوسائط والمجالات التي سبق ذكرها، والتي تعد –كما قلنا- وسيلة لتمرير وترسيخ القيم المجتمعية، ومن الواجب تحديد هذه المجالات الفنية والأدبية وبيان تفرعاتها، وهي مجالات يفترض أن تستجيب لتطلعات وميولات المنخرطين المستفيدين.
فالمجالات التي تحتضنها مؤسسات التفتح الفني والأدبي يمكن حصرها في:
- المسرح
- الموسيقى
- التشكيل
- الصوت والصورة
وتتفرع عن هذه المجالات الكبرى فروع تندرج تحتها
فالدراما ولعب الأدوار والتمثيل والسينوغرافيا.. تندرج تحت المسرح
ويندرج تحت مجال الموسيقى الغناء الفردي والجماعي والمجموعات الصوتية والآلات الموسيقية..
فيحين يضمن التشكيل الرسم والألوان والنحت والصباغة..
وتشمل ورشة الصوت والصورة إنتاج الفيديو والروبورتاج والتصوير والمونتاج..
بعض عرض أهم المكونات البيداغوجية لمؤسسات التفتح الفني والأدبي سننتقل بكم إلى التعرف على الجانب الإداري والتربوي لهذه المراكز وذلك لم لهذه الموارد البشرية من أهمية في تسيير وتدبير الشؤون العامة للمؤسسة.
التسيير الإداري:
يعد الطاقم الإداري التابع لوزارة التربية الوطنية أول حلقة في حلقات التسيير الإداري للمؤسسة، يساعده في ذلك مجلس تدبير يتألف من الإدارة والأساتذة والتلاميذ وهيئات المجتمع المدني.
التسيير المالي:
يفترض أن يتدخل في التسيير المالي والإداري لمؤسسات التفتح ثلاث جهات هيك
- وزارة التربية الوطنية: يناط بوزارة التربية الوطنية مهمة توفير الفضاءات الضرورية لعمل مؤسسات التفتح من قاعات للورشات والعروض، وكما اسلفنا فقد يكون مؤسسات فارغة أو أجنحة في مؤسسات عمومية، كما يناط بالوزارة مهمة توفير الموارد البشرية اللازمة للتسيير الإداري والتربوي المدير الحارس العام منشطو الورشات، كما تتكلف وزارة التربية بتوفير اعتمادات التسيير.
- وزارة الثقافة: التجهيز والتنشيط.
- الجماعات المحلية: التأهيل والخدمات (الحراسة والنظافة).
التنشيط التربوي:
يفترض في الأطر التربوية المشرفة على ورشات مؤسسات التفتح أن تكون ملمة بالفنون والآداب، وتتوفر على كفاءة وخبرة في مجال التخصص المعني، وكما سبقت الإشارة فوزارة التربية الوطنية هي المعنية بتوفير هذه الأطر من بين موظفيها، كما يمكن الاستعانة بخبرات خارج دائرة موظفي الوزارة من وزارات الأخرى كوزارة الثقافة والهيئات والمؤسسات الفنية العمومية كما يمكن للفاعلين الجمعويين المهتمين بالمجالات المعنية المساهمة في تأطير ورشات مؤسسا التفتح الفني والأدبي، وفي إطار الانفتاح على المحيط يشرع لمؤسسات التفتح الاستعانة بالشخصيات الفنية والأدبية في تأطير وتنشيط الحياة المدرسية.
تفتح مباراة في وجه عموم الأطر التربوية والإدارية وتتشكل لجنة لاختيار المؤطرين الفنيين للورشات، ويتم الاختيار بناء على معايير وشبكات مخصصة لهذا الغرض من أهم عناصرها:
- الكفاءة والتجربة المتراكمة في المجال.
- التواصل والانفتاح.
وإذا كان مجلس التدبير باعتباره آلية تدبيرية تشاركية تسمح بتسيير المؤسسة وفق رؤية توافقية مندمجة، فإن مؤسسات التفتح تتميز على مؤسسات التعليم العام بمجلس استشاري يتكون من فعاليات فنية موسيقية أو مسرحية كتاب أو شعراء رسامون او تشكيليون.. يساهم هذا المجلس في صياغة مشروع المؤسسة وبناء رؤية موحدة وهادفة.
يقتضي إنجاح مشروع مؤسسات التفتح، انخراط كل الأطر الإدارية والتربوية والانفتاح على المحيط الخارجي وعقد شراكات مع المؤسسات العمومية )مراكز ومعاهد المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة ووزارة الشباب والرياضة، وغيرهما( والمجالس المنتخبة وجمعيات المجتمع المدني، والمعاهد الثقافية الأجنبية كما يمكن للمؤسسة عقد اتفاقيات توأمة مع مراكز ومعاهد فنية داخل الوطن وخارجه.
التكوين بمؤسسات التفتح الفني والأدبي:
يلتحق تلاميذ الأسلاك الثلاثة بمؤسسات التفتح الفني والأدبي القريبة من محل سكناهم، ويتقدمون للتسجيل بالمؤسسة بناء على رغبتهم وبشكل تطوعي، ويستفيد كل منخرط من حصة واحدة مدتها ساعتان أسبوعيا بإحدى الورشات.
ويتوزع التكوين إلى ثلاث محطات كبرى:
- مرحلة الاستئناس
- مرحلة تعميق المعارف
- مرحلة تطوير المهارات
تسلم للتلميذ شهادة في نهاية كل مرحلة.
د محمد التويرة متصرف تربوي الصويرة