تداول الرأي العام المغربي مؤخرا أحداث الابتزاز الجنسي بالمؤسسات الجامعية، ولعلها ظاهرة قديمة ومستمرة، ساهمت إثارتُها في كشف المزيد من المكبوتات وفضح المسكوت عنه.
والابتزاز الجنسي، سواء داخل أسوار المدرجات أو الإدارات.. سلوك مشين، ينتهك حقوق الممارس عليه في كرامته الإنسانية، ويمارس عنفا نفسيا وجسديا مخلفا أضرارا ثقيلة الأذى..
ونميز في هذا السلوك بين مستويين في الممارسة، الأول يعتبر “تحرشا جنسيا” وهو أعم، لأنه محدد موضوعيا دون تقييد معين، والثاني يسمى “رشوة جنسية” وله حيثيات مميزة في تحديده.
وتُعرف منظة “ترانسبارنسي المغرب” الرشوة الجنسية، بأنها إساءة في استعمال السلطة الموكولة لشخص، من أجل الحصول على “حظوة جنسية” كمقابل لخدمة يحق للمرتفق الحصول عليها مجانا.
هذا السلوك الذي يجعل من الجسد عملة مادية، جعل المنظمة تنادي بإدراج الابتزاز الجنسي كشكل من أشكال “الرشوة الجنسية” في مشروع القانون الجنائي، لتحقق أركان جريمة الرشوة فيه، مع تشديد العقوبات لاعتبار خطورته وتبعاته.
واسهاما من المنظمة في مكافحة الظاهرة، أصدرت دليلا مُبينا للحقوق والمساطر ومعززا بنماذج حول الشكايات وأرقام ووجهات للاتصال، تهدف من خلاله إلى تحقيق جملة من الرهانات:
- دعم الخطاب الوطني حول تأثير الفساد على حقوق المرأة
- إذكاء معرفة ووعي ضحايا الرشوة الجنسية بحقوقهن
- تعزیز معرفة الضحايا بالقوانين وبسبل الانتصاف الموجودة
- توجيه ضحايا الرشوة الجنسية إلى آليات الانتصاف المتاحة وإطلاعهن على الإجراءات الواجب اتباعها لتقديم شكاية
- تشجيع النساء على الجهر والتبليغ عن الرشوة الجنسية وكسر جدار الصمت الذي يلف هذه الجريمة
- التخفيف من شعور عدم الثقة في الجهاز القضائي الذي يرتاب ضحايا الرشوة الجنسية
وبالرجوع إلى التشريع المغربي، فإنه يجرم التحرش الجنسي بناء على فصول القانون الجنائي، حيث تمكنت القوى الحقوقية سنة 2003 من توسيع مفهومه ليشمل “كل من استعمل ضد الغير أوامر وتهديدات أو وسائل الإكراه أو أية وسيلة أخرى، مستغلا السلطة التي تخولها له مهامه، لأغراض ذات طبيعة جنسية”.
ومن الملاحظ أن عناصر هذه الجريمة يمكن أن تتطابق في الكثير من الأحيان مع الرشوة الجنسية، غير أن الجريمتين مختلفتان، فمن زاوية أولى، ينطوي مصطلح “التحرش الجنسي” على ضرورة تكرار الوقائع، وهو الأمر الذي قد لا يتوفر بالضرورة في الرشوة الجنسية، ومن زاوية أخرى، فإن وجود مقابل لا يشكل ركنا أساسيا في التحرش الجنسي، بينما الرشوة الجنسية تتميز بوجود المطالبة بحظوة جنسية مقابل تقديم خدمات يفترض أنها مجانية.
وفي سبيل مكافحة الظاهرة، فإن البوح والفضح هو مفتاح المواجهة، لأن الصمت لا يزيد إلا في تغذيتها وتكريسها.
وعمليا، لا بد من الإشارة بداية إلى أن الدستور ضمن في فصله 156 للمرتفقين تلقي المرافق العمومية تظلماتهم وتتبعها، كما خولت القوانين للمواطنين تقديم شكايات إلى الإدارات العمومية أو إلى النيابة العامة..
وعموما، يمكن للضحية أن يسلك كلا من المسطرة الإدارية عبر التظلم، أو المساطر القضائية من خلال التوجه لمرافق العدالة (المحامي، المحكمة) أو اختيار اللجوء للتنظيمات الجمعوية الحقوقية التي يتيح مواكبة شاملة.
وختاما، نقدم من هذا المنبر، مجموعة من التوصيات علها تجد آذانا صاغية تحقق بتضافر جهود الجميع، حدا للظاهرة، أو على الأقل تحقيق محاسبة كل معتد على حرمة الكرامة الجسدية:
- تسمية الظاهرة وفضحها بالحديث عنها من أجل كسر حاجز الصمت.
- تشجيع الضحايا على البوح والإفصاح من أجل تعزیز مصداقية المشتكين.
- مواكبة الضحايا وإسداء النصائح والتوجيه خاصة في إجراءات تقديم الشكايات.
- مرافقة الضحايا ومساعدتهم في إثبات اتهاماتهم، لأنه في القضايا الجنائية يمكن تقديم جميع العناصر التي من شأنها أن تدعم الشكاية.
- تقديم الدعم النفسي للضحايا بهدف التخفيف من آثار التبليغ عن الابتزاز الجنسي.
- الترافع من أجل تحديد إطار خاص بالرشوة الجنسية.
- انخراط السلطات وتحسيسهم بأهمية وضع الشكايات واستقبال الضحايا.
أمل عكاشة