تطوان من المدن التي ميزها الله بحزام أخضر، يتجلى في ضواحيها ومداشرها.
ومن أهم هذه الضواحي، دار ابن قريش، فهذه الدار صُنفت – لهوائها النقي- في عداد الأماكن التي تعالج الأمراض الصدرية. لذا أقام فيها المستعمر الإسباني مستشفى خاصاً بالمصابين بداء السل.
وإن يكن هذا المستشفى قد فقد شبابه ونضارته، ودخل في سن الشيخوخة، فإن هناك من الأطباء، من أعادوا إليه الحياة، غضة طرية. أذكر من هؤلاء المرحوم الدكتور عبد الرحمن حجاج، فقد وقف في وجه داء السل سنين عدداً. ثم لما انتقل إلى عيادته بتطوان المدينة، تصدى لكل ما يصيب الجهاز التنفسي من داء، وتوفق في وصف الدواء.
وجاءت جائحة كورونا المقيتة، فأضافت إلى أعبائه أعباء جديدة، وإلى ساعات عمله، ساعات إضافية، إلى أن قدر الله أن يكون ضحية من ضحاياها، فودع الدنيا وفي نفسه شيء من هذا الكوفيد الماكر. رحم الله هذا الرجل، وجزاه أحسن الجزاء.
مَن الذي ذكرني بدار ابن قريش؟
ذكرني بها أخ كريم، وابن أخ كريم، أراد أن يفك الطوق المضروب علينا منذ خضعنا لإجراءات الحجر الصحي، وينطلق بنا في أرض الله الواسعة.
وبما أن الله أكرمه بأرض طيبة مباركة، تقع على مشارف سد النخلة، بين دار ابن قريش، وسبت الزينات، فلم يجد مكانا أحسن من هذا للترفيه والترويح عن النفس.
وهكذا قدر الله لجماعة إسماعيل الخطيب رحمه الله، أن يكون اجتماعها هذه المرة، خارج المدار الحضري بمدينة تطوان، وأن تضرب موعداً لها بمسجد دار ابن قريش، لأداء صلاة الجمعة، ثم تشد الرحال إلى ضيعة هذا الأخ الكريم.
هنا وجدنا الماء والخضرة والمجلس الحسن، وما لذ وطاب من المأكل والمشرب، وكؤوس الشاي المنعنع، والظل الظليل، والهواء العليل، والحديث العذب الجميل.
صحيح أن عددنا لم يكن مكتملاً، فقد فقدنا أحباباً في غمرة الجائحة التي اجتاحت البلاد والعباد، وفقدنا أحباباً تعذر عليهم الحضور بسبب المرض، فأعِد اللهم لهؤلاء رداء الصحة والعافية، واشمل أولئك بالرحمة والمغفرة.
كنت أنتظر أن يحدثنا قيدوم الجماعة أبو بكر بنونة شفاه الله وعافاه، والخال سيدي عبد السلام بن عبد الوهاب حفظه الله، عن بساتين وجنان “بوجراح” وما كانت توفره لأهالي المدينة من خيرات وبركات، وفسح ونزهات، ولكن انشغالهما بما وُزع من كتب، وتفصيل القول فيما قيل ويقال عن هذه الكتب، حرمنا من ربط هذه الجلسة بجلسات الآباء والأجداد، أيام كانت الحياة سهلة ميسرة، تسير سيراً رُخاءً.
مسك الختام، كان قراءة آيات بينات من كتاب الله عز وجل.
مصطفى حجــاج