أما قبل،
فنواصل في هذه الحلقة تقديم مضمون هذا الكتاب مع التنويه على كونه:
- جماع ثقافة تربوية واسعة، قوامها علوم التربية والديداكتيك والنفس والفلسفة والطب والمنطق..
- عنوانا من عناوين الاسترفاد الحضاري لمصر من ثقافة الغرب، وثقافة فرنسا على وجه التحديد، من خلال أبرز ممثليها..
- دعوة إلى ممارسة الإصلاح من موقع الخبرة والعلم والاقتناع والحرية والتجديد..
- زاخرا بمعجم تربوي سياقي من قبيل: مناهج، مقررات، تكوين العقل،إغناء الذاكرة،إلمام بالمصادر،إدراك شعوري ولا شعوري، حكم، ملاحظة، تجريب، محاكاة..
- دعوة إلى تحرير الجامعة من السلطة التنفيذية (لضيق أفق هذه الثانية)..
عناصر من مقدمة الكتاب :
أهم الأفكار، و هي:
- أن ترجمة طه حسين لكتاب «روح التربية» كانت بطلب من مجلة «الهلال» المصرية.
- ترجمته دليل واضح على اهتمامه بقضية التعليم الذي هو سبيل المعرفة، وسبيل الانطلاقة الحضارية الكبرى التي كان يتغياها هو ومعاصروه من الرواد المجددين عبر مشروعاتهم التجديدية النهضوية..
- إدراك طه حسين لما يحتاج إليه الواقع المصري لبنياته التعليمية و أهمية التوجه بهذا الإصلاح نحو عيوب هذه البنية وفق ما انتهت إليه جهود المصلحين في أوروبا تحديدا بوصفها قبلة للإصلاح وقتئذ..
- أن عميد الأدب لم يقم بترجمة الكتاب حرفيا على الرّغم من أن لطه حسين نظرية متكاملة أو تكاد فيالترجمة وهو من دعاة الالتزام بالترجمة الكاملة، فإنه لم يترجم هذا الكتاب كاملاً بل كان انتقائيا من حيث الشكل والجوهر.. وقال طه حسين في موضوع ترجمة هذا الكتاب: «.. ترجمت هذا الكتاب ولم أترجمه» متذكّراً جواب أرسطو طاليس للإسكندر «ألغزتها ولم ألغزها»أي ألغزت كتبي على العامة ولم ألغزها على الخاصة..
وأما في التقديم الثاني فتستوقفنا أهمية هذا الكتاب من خلال:
- تعدد طبعاته (15 طبعة)..
- ترجمته إلى لغات متعددة..
- تعدد قرائه.. رغم أن أثره كان ضعيفا على أساتذة الجامعة ..
- الميل إلى التفصيل في هذه الطبعة ..
موضوع الكتاب الأول: البحث لإصلاح التعليم
يقع هذا الكتاب في فصلين، يضم الفصل الأول «تصور أساتذة الجامعة للتعليم» ويعرض فيه دور الأساتذة في إصلاح التعليم مؤكدا على الضرورة الشديدة التي تقضي تحرير الجامعات من سيطرة السلطة التنفيذية، ذلك أن هذه السلطة ما زالت تثقل على التعليم العالي وتأخذه بطرائقها التعليمية التي ورثتها عن العهد القديم فجهل الجامعة؛ لا يسمح لها أن تفهم أن السبب الأساسي لما تشكو منه من الانحطاط إنما هو فقر مناهجها التعليمية وليس البرامج، فالأساتذة يجهلون فن التعليم، وهو يرى أن سوء النظام التعليمي ليس نتيجة للبرامج والمقررات الدراسية إنما يعتمد بالأساس على المنهج المتبع في التعليم والتربية..
يرى لو بون أن الوظيفة الأساسية للتعليم هي تكوين العقل في حين أن الاهتمام بالملكات العقلية مهملة إهمالا تاما في التعليم الفرنسي فلا يهتم إلا بالذاكرة بينما يهمل الحكم والتفكير وفن الملاحظة ومناهج البحث، ذلك أنها لا تلاحظ في الامتحان .
ويؤكد الكاتب أن الإجابة على هذه الإشكالية تقودنا إلى التعرف على الأسباب الجوهرية لفساد التعليم.
ونقطة قوة هذا الكتاب كامنة في تميز صاحبه بنقد مكنه من الإلمام والإمساك بجوهر القضية، مركزا على الدور السلبي للجامعات من وجهة نظره في تردي هذين النظامين،ليحاول محاكاة تجارب أجنبية في هذا المجال كالتجربة الأمريكية أو الإنجليزية أو الألمانية..
والخلاصة هي أن الإصلاح صعب يشترط تغيير آراء توارثتها الشعوب لفترات طويلة، والمنوط بهم هذه المسؤولية الإصلاحية محتاجون إلى إصلاح ذاتي يحررهم من ركام فاسد كانوا ضحيته، كما أن لو بون يرى أنه لا يمكن أن استنساخ تجربة ناجحة يحتاج إلى مراعاة الخصوصيات وما تقتضيه من عمليات التبيئة والملاءمة والتكييف ضمن نسق منتظم، محكم، معقلن وتدريجي..
وأما في الفصل الثاني من الكتاب والمعنون بـ «مصادر بسيكولوجية أظهرها التحقيق في أمر التعليم»، فإن لو بون يعارض مبدأ التلقين المعتمد على الذاكرة داعيا إلى استبداله بمنهج بديل قائم على عناصر : الملاحظة والتجربة والعمل البدني الذي يمكّن من تحويل الشعوري إلا لاشعوري، والذي يجعل من العلوم شيئا داخل النفس لا داخل الذاكرة. كما يرى أن مشكلة التعليم تكمن في المناهج وليس في برامج التدريس، وبالتالي فإن العملية التعليمية مطالبة بتنمية ملكة الحكم والتفكير وليس الذاكرة وبناء على ذلك يجب تغيير جميع المناهج وتحويلها من الدراسة النظرية البحتة إلى دراسة عملية في المقام الأول.
د. فدوى أحماد